فيما كان يقترب، لم تستطع تيرييل حتى أن تتنفّس بشكلٍ سليم.
لقد اعترفت بلسانها، أمام وليّ العهد، بأنها قد استخدمت حيلًا سحرية عليه!
شحب وجهها حتى أصبح بلون الرماد، وأخذت ترتجف كورقة في مهبّ الريح، في مشهدٍ بائسٍ ومثيرٍ للشفقة. ومع ذلك، لم يكن هناك أدنى أثر للرحمة في عيني رينوس الذهبيتين، اللتين اتّشحَتا ببرودٍ قاتل.
توقّف أمام القضبان الحديدية، وأعلن عن جرائم تيرييل بنبرةٍ خاليةٍ من الانفعال:
“لقد قمتِ بتوزيع واستخدام أعشابٍ غير قانونية لتحقيق مكاسب شخصية. ورغم فداحة الجريمة، فإنكِ لا تُبدين أدنى قدرٍ من الندم. لذا، سيُنفّذ الحكم قريبًا.”
حكم؟
حكم؟!
أيًّا يكن، فلن يمرّ عليها دون أن تخرج منه مكسورة الجسد والروح.
أصابها الذعر، فأمسكت بقضبان الزنزانة بإحكام، حتى برزت عظامها تحت الجلد، وتوسّلت بيأس:
“صاحب السمو! أنا أمتلك قدرة التطهير! أنت بحاجة إلى شخص مثلي، لا غنى لك عني!”
“يا للأسف… صاحب السمو لم يعُد بحاجة إلى التطهير بعد الآن.”
أجابت أليس، التي كانت تتابع المشهد بصمت، بنبرةٍ ساخرة.
حين تتذكّر مقدار الألم الذي سبّبته تيرييل لعائلتها، كانت تشعر برغبةٍ جامحة في إخراجها من الزنزانة فورًا… وقتلها بيديها.
فقدت تيرييل أعصابها، وصرخت بانهيار:
“إن كان السبب هو ما حدث في ساحة المبارزة، فأنا أُقسم أن الأمير الثاني، صاحب السمو، لم يكن تنينًا شريرًا حقيقيًا! ولهذا لم تؤثّر عليه قدرتي على التطهير!”
“لقد شهدتِ بنفسك أنّكِ استخدمتِ الإيستالوت عليّ، لا على ماركيز تشيريش.”
لكن رينوس لم يُعر صراخها أي اهتمام، بل مضى يتحدّث بهدوء وهو يدخل في صلب الموضوع مباشرة:
“إن كان الأمر كذلك، فلماذا اعتقد الماركيز تشيريش أنكِ ابنته؟”
“لأني بالفعل ابنته الحقيقية!”
“ماذا قلتِ؟!”
صرخت أليس غاضبة، وقد اشتعل صوتها بنار الغضب:
“لو خرجتِ من هذه الزنزانة، أُقسم أنني سأقتلكِ بيدي!”
“أنا بالفعل ابنة الماركيز تشيريش الحقيقية!!”
صاحت تيرييل بأقصى ما أوتيت من قوة، محاولة قلب الطاولة لصالحها.
لكن كلمات رينوس التالية جعلتها ترتجف وتصمت فورًا.
“تمّ التحقّق من صحة حديثك باستخدام جهاز كشف النسب، واتّضح أنكِ كاذبة. ومع ذلك، ما زلتِ ترفضين الاعتراف بجريمتك، دون أدنى إشارة للندم—لذا، فلا خيار أمامي سوى إصدار حكمٍ مشدّد بحقكِ.”
“……!”
هل هذا يعني… أن الحكم كان من الممكن أن يُخفّف إن اعترفت؟
لمع بصيص من الأمل في عيني تيرييل، وقد وصلت إلى أقصى درجات اليأس.
كما لو أنها وجدت واحةً وسط صحراء قاحلة، تشبّثت بالقضبان بجنون:
“صاحب السمو، لا بد أن جهاز الكشف كان معطّلًا! أنا بالفعل ابنة الماركيز تشيريش! لقد قال قداسة البابا ذلك بنفسه! قال إنني ابنته الحقيقية—”
“سأطرح سؤالي الأخير: لماذا قال كلٌّ من البابا والماركيز تشيريش إنكِ ابنة عائلة تشيريش؟”
كانت نبرته شديدة البرودة، حتى بدا الهواء من حوله متجمّدًا. وعندها، أدركت تيرييل أن هذه هي فرصتها الأخيرة.
عضّت شفتها السفلى بقوّة، وتردّدت في الحديث، بينما شدّت قبضتها على القضبان، تتساءل داخل نفسها: هل من الحكمة أن تبوح بما تعرفه؟
لكنها سرعان ما تذكّرت أنها، طيلة فترة سجنها، لم يمدّ أحد لها يد العون… حتى نوكس لم يفعل.
وانتابها شعورٌ مرير بأنها لا تملك خيارًا سوى قول الحقيقة، لعلّها تُخفّف الحكم.
همست بشفاهٍ مرتجفة بالكاد تتحرّك:
“…… السيّد نوكس. السيّد نوكس هو من استخدم قوته…”
عند سماع اسم “نوكس”، قطّب رينوس حاجبيه قليلًا.
ارتجفت تيرييل، خائفة من أنها قد تفوّهت بما لا ينبغي، لكن رينوس سألها مجددًا:
“وأين هو نوكس الآن؟”
“في غرفة قداسة البابا…”
“إذًا، في المعبد. ولهذا لم نتمكّن من العثور عليه حتى الآن.”
أومأ رينوس برأسه ببرود، ثم استدار مغادرًا.
لم تتردد تيرييل لحظة واحدة، لكن ردّة فعل رينوس أربكتها بشدّة.
هل سيذهب هكذا فقط؟ وماذا عن حكمي؟ ألم يكن عليه، على الأقل، أن يُبدي نيّة في أخذ صدقي بعين الاعتبار لتخفيف العقوبة؟
نادته بلهفة وقد اشتدّ عليها القلق:
“صاحب السمو!”
لكن رينوس لم يلتفت إليها.
ما فائدة نزع حصاة واحدة من جبلٍ هائل من الآثام؟ لن يتغيّر شيء.
كان رينوس قد حسم أمره منذ البداية، وكان يعتزم الحكم على تيرييل بأقصى عقوبة ممكنة.
بدأ الحاضرون يغادرون الواحد تلو الآخر خلف وليّ العهد: ماركيز تشيريش، أليس، وأخيرًا سيدة نقابة التلاعب بالحب في سيل.
وحينها فقط أدركت تيرييل أنها خُدعت، فانهارت باكية بصوتٍ عالٍ:
“صاحب السمو! صاااحب السمووو!”
لكن لم يلتفت إليها أحد.
ولم يبقَ حول تيرييل، التي أصبحت وحيدة، سوى صوت خطواتهم المتلاشية، وصدى بكائها الذي تردّد في أرجاء الزنزانة.
・。゚✧:・゚☽゚・:✧。゚・
كان المعبد مكانًا مفتوحًا لكل من يحمل في قلبه إيمانًا.
لكن غرفة البابا لم تكن كذلك. لم يكن يُسمح بدخولها إلا بإذنٍ شخصي منه؛ حتى الإمبراطور، بكل سلطته المطلقة، لم يكن يستطيع تجاوزه.
فضلًا عن ذلك، كانت تلك الغرفة محصّنة دبلوماسيًا؛ لا يُسمح باستخدام القوة داخلها إلا لمن أراد إعلان حربٍ على المعبد ذاته.
فكيف، إذن، يمكنني مقابلة نوكس الموجود هناك؟
وخاصة أن المعبد، في الآونة الأخيرة، يعيش في حالة استنفار.
فحادثة تناول رينوس للعشبة المخدّرة، وقضية نسب تيرييل، هما من تلك الأحداث النادرة التي لا تقع إلا مرّة في القرن، وقد تفجّرت واحدة تلو الأخرى، مما جعل الأعصاب مشدودة إلى أقصاها.
وبينما كنت أبحث عن طريقة للدخول دون إثارة حذرهم، خطرت لي فكرة، فعرضتها على رينوس فورًا:
“كنت أفكّر… ماذا لو كانت كل الرسائل المزعومة سابقًا مجرد خدعة من نوكس؟ ربما استغلّ اسم الحاكم للتحكّم في أصحاب القدرات كما يشاء.”
“……”
“لهذا، إن تظاهرت برغبتي في تلقّي رسالة من الحاكم، فقد نتمكن من الوصول إلى نوكس.”
وربما لأن سمعتي قد ارتفعت مؤخرًا، بعد وراثتي لقب دوق وظهور الروح الحارسة إلى جانبي، فقد جاء الردّ بالإيجاب، على غير المتوقع.
لكن كان هناك شرط: أن أدخل وحدي فقط.
ولم أُعره اهتمامًا.
طَق طَق طَق
كان صوت حوافر الخيل يعلو بينما تنطلق العربة بي نحو المعبد.
أسندت رأسي إلى النافذة، أصغي إلى ذلك الإيقاع الرتيب، وبدأت أُردّد في داخلي ذلك الاسم الغامض ببطء:
“نوكس…”
كنت قد رأيت هذا الاسم حين كنت أُراسل آبل بشأن جهاز كشف النسب.
> [ما زالت الترجمة غير مكتملة بعد، لذا لستُ واثقًا تمامًا، لكن يبدو أن الأمر له علاقة بشقيق الأميرة التوأم. اسمه… نوكس؟ شيء كهذا.]
“لا يُعقل… هل يمكن أن يكونا الشخص نفسه؟”
وفور ما خطر لي هذا الاحتمال العبثي، أدرت وجهي بعيدًا عن الفكرة. فنوكس الذي تحدّث عنه آبل عاش قبل ألف عام!
لكن، ورغم أن الأمر بدا سخيفًا للغاية، لم أستطع طرده من رأسي.
ولهذا، بدأت أراقب رينوس الجالس أمامي بنظرات خاطفة.
كان وجهه متجهّمًا، كمن يستعدّ للقاء عدوّه اللدود.
ولم أره بهذه الهيئة من قبل، رغم كلّ الوقت الذي أمضيته معه.
وهذا وحده كان كافيًا لأجزم: نوكس الموجود في المعبد… هو نفسه نوكس الذي تحدّث عنه آبل.
هناك مثل يقول: “اعرف عدوك كما تعرف نفسك، ولن تُهزم في مئة معركة.”
ولأنني كنت أريد معرفة المزيد عن عدوي، التفتُّ نحو رينوس وسألته بهدوء:
“يبدو أنه يملك قدرةً تُمكّنه من التلاعب بالبابا والماركيز تشيريش كما يشاء… هل تعلم ما هي تلك القدرة؟”
“إنها سحر إغواء زائف… محاكاة ضعيفة لقدرتي الحقيقية. ومع ذلك، فهي كافية تمامًا لسحر البشر العاديين—”
عند هذا الحد، توقّف رينوس عن الحديث.
فقد أدرك متأخرًا كم كانت عبارة “البشر العاديين” غريبة على لسانه.
شعرت بأن الجو المحيط بنا قد تغيّر؛ كان التوتّر ينبعث من جسده بوضوح.
لكنني لم أسأله: “كيف تعرف هذا؟”
بل مددت يدي وأمسكت بها يده برفق، وقلت بنبرة هادئة:
“لا أفهم لماذا تخفي الأمر عني، يا صاحب السمو.”
وعلى خلاف ما كان يحدث في الماضي، واجهته هذه المرة بكلمات صريحة.
حينها فقط، شحب وجه رينوس، وقد أدرك أنني لا أختبره ولا أستدرجه.
لماذا…؟
هل كانت حياتي السابقة مأساوية إلى حدّ لا يُقال؟ أم أنّ هناك شيئًا آخر يخفيه؟
ومهما كانت الحقيقة، فقد كنت مستعدة لتقبّلها.
أمسكت بيديه بكلتا يديّ، ونظرت إلى عينيه الذهبيتين المرتجفتين، وقلت له بهدوء:
“رغم أنني لم أكن أنتظر بقدر ما انتظرتني، لكنني أنتظر بدوري أن تُصارحني، يا صاحب السمو.”
“…كيف…”
“إن لم تكن ترغب في الحديث، فلا بأس. ولكن، وبكل صدق… أتمنى أن تُخبرني.”
ارتجفت رموشه الذهبية بخفّة.
بدا عليه الذهول، كمن تلقّى صدمة كبيرة ولم يعرف كيف يتجاوب.
عندها فتحت له قلبي بكل ما أملك:
“أيًّا يكن، فمشاعري تجاهك لن تتغيّر.”
“…لا.”
تمتم رينوس أخيرًا، بعدما كان صامتًا كالجليد.
“بل ستتغير. لو علمتِ بالحقيقة، فأنتِ على الأرجح—”
“لسنا من نوعين مختلفين بعد الآن.”
قُطعت كلماته في منتصفها، كما لو أن عبارتي قطعت عليه طريق التبرير.
نظر إليّ رينوس بعينين امتزج فيهما الارتباك والتوتّر.
فبادلت نظرته بثبات، وأردت أن أطمئنه بنبرة هادئة:
“نحن لم نعد مختلفَين الآن، لذا لن يُترك أحدنا وحيدًا بعد الآن. لهذا، سأحبّك بكل ما أملك. ولن أضربك مجددًا بباقة زهور، كما كنت أفعل في السابق.”
“……”
ارتجفت عيناه الذهبيتان مرة أخرى، تبحثان عن ملجأ دون أن تجداه.
كنت قد رأيت في حلمٍ سابق مخلوقًا يشبه التنين، وتساءلت: هل هو رينوس فعلًا؟ ويبدو أن ذلك الحلم لم يكن مجرد خيال.
بدا رينوس تائهًا وسط دوامة من الحيرة، ثم تحرّكت شفتاه قليلًا:
“أنا…”
لكن كلماته لم تكتمل.
كان لا يزال ضائعًا، لم يعرف كيف يتصرف أو من أين يبدأ، لذلك لم أُلحّ عليه. فضّلت الانتظار بصبر.
وبعد صمتٍ قصير، نطق أخيرًا:
“…لا، لا أستطيع.”
ثم سحب يديه من بين يديّ ببطء، وغطّى وجهه بكفّيه.
“لا أستطيع… آسف.”
“لا بأس.”
رغم فضولي، لم أرغب في أن أعرف شيئًا على حساب ألمه.
واسيته بكلمات دافئة:
“أنا أثق بك، يا صاحب السمو.”
عندها أنزل رينوس يديه عن وجهه ببطء، ونظر إليّ مطولًا.
كان في عينيه مزيج معقّد من المشاعر.
صاح الجواد بصو
ت عالٍ—!
في تلك اللحظة، توقّفت العربة، معلنةً وصولنا إلى المعبد.
أتمنى فقط أن تكون مشاعري قد وصلت إليه… ولو قليلًا.
تمنّيت ذلك في داخلي، بينما رتّبت أطراف فستاني، وترجّلت من العربة بهدوء.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 158"