ارتجفت تيرييل عند سماع كلماته القاسية، لكن الماركيز لم يكن رجلًا قاسيًا إلى ذلك الحد.
“لكنّي سأضبط نفسي من منطلق إنساني. في المقابل، عليكِ أن تتعاوني معنا.”
وأشار بعينيه إلى الخلف.
عندها، خرجت سييلا—أو بالأحرى، قائدة نقابة التلاعب بالحب في سيل، من بين الظلال وتقدّمت خطوة إلى الأمام.
كانت تحمل في يدها ميزانًا ذهبيًا ذا شكل غريب وساحر، وقد أدركت تيرييل بحدسها الفطري أن هذا الميزان ليس إلا جهاز كشف النسب.
أطلقت صرخة هلع، وأفلتت قبضتها من القضبان، وهرعت إلى الخلف.
“لـ… لا! لا أريد!”
لم يُضِع الماركيز تشيريش وقتًا في مجادلتها، فأشار إلى الحراس الذين كانوا بانتظار الإشارة، فاندفعوا يسحبون تيرييل بالقوة إلى خارج الزنزانة.
“لا! لا! آآآاااه!!”
ومهما حاولت المقاومة، لم يكن هناك جدوى. جُرّت على الأرض بطريقة مذلّة، حتى بدت وكأنها تُسحب كالخرقة البالية.
وبينما كانت تصرخ، اقتُطِفت بعض خصلات شعرها الأشقر الباهت، وسُلِّمت إلى الماركيز بنفسه.
جمع الماركيز تلك الخصلات مع خصلة من شعره، وسلّمهما إلى سييلا، سيدة النقابة.
وبلا تردّد، قامت بتفعيل الأداة السحرية.
وانتقلت أنظار الجميع إلى مركز الميزان، حيث بدأت الجوهرة المدمجة فيه تتوهّج بلونٍ أزرقٍ ساطع.
سأل الماركيز بقلق، وهو يتابع النتيجة:
“ما معنى هذا؟”
“يعني أنها ليست ابنتك البيولوجية.”
أجابت سييلا بصوت هادئ.
عندها، تنفّست أليس، بل وحتى الماركيز تشيريش نفسه، بارتياحٍ واضح.
أما محققو القصر الإمبراطوري الذين كانوا خلف الماركيز، فقد دوّنوا نتائج الأداة السحرية على الفور.
وبهذا، سيُشطب اسم تيرييل رسميًا من سجل عائلة تشيريش.
“أعيدوها إلى الداخل!”
“لااااااا!”
أصبحت تيرييل، التي لم تَعُد ابنةً نبيلة لعائلة تشيريش، تتلقّى معاملة قاسية على يد الحراس الذين أعادوها إلى الزنزانة؛ قسوة لا تُقارن بما كانت عليه قبل لحظات فقط.
وحين سقط جسدها الواهن على أرض الزنزانة الباردة بطريقة مثيرة للشفقة، أفاقت تيرييل من ذهولها، وسرعان ما اندفعت نحو القضبان، متشبّثة بها، وهي تتوسل إلى الماركيز:
“لا! أنا حقًا ابنتك، يا أبي! لقد قال قداسة البابا ذلك بنفسه سابقًا! أنا ابنتك! الأداة السحرية أخطأت!”
“كفاكِ هراءً!”
هوى كتيّب صغير على يد تيرييل التي كانت ممسكة بالقضبان، فارتدّت يدها بقوة.
أشارت أليس، التي كانت تغلي من شدة الغضب، إلى نسخة من سجلات الإيستالوت التي سقطت أرضًا.
“لا بدّ أنكِ استعملتِ هذا لتخدعي قداسة البابا نفسه! تلك العُشبة المسمّاة إيستالوت أو ما شابهها!”
انخفض نظر تيرييل تدريجيًا حتى استقر على ما ألقته أليس، وحدّقت فيه بذهول. لم تفهم ما كانت تنظر إليه، فطرفَت بعينيها في حيرة، عاجزة عن الاستيعاب، حتى تكفّل الماركيز تشيريش بالشرح بصوتٍ ساخر:
“إلى متى ستظلين تتظاهرين بالجهل؟ أتحدث عن العُشبة التي استعملتِها.”
هل كان ذلك هو اسمها فعلًا؟ كان البارون ألفريد قد قال شيئًا كهذا، لكنها لم تعد تتذكّره بوضوح؛ فقد كانت غارقة في الحلم الوردي بأنها ستفوز بقلب وليّ العهد، لدرجة أنها لم تصغِ إلى ما لا يهمّها.
رمشت تيرييل بعينيها ببطء، وذلك المظهر اللامبالي فجّر غضب أليس من جديد:
“لقد خدعتِ والدي بتلك العُشبة! وجعلته يصدّق أنكِ ثمرة علاقة غير شرعية مع الكونتيسة بيوريتنا!”
“… ماذا؟!”
انتفضت تيرييل مذعورة، وقد ارتسم الذهول على وجهها. ولا عجب، فهي لم تستخدم العشبة على الماركيز إطلاقًا.
فتداركت الموقف بسرعة لتدافع عن نفسها:
“لا! لم أستخدم تلك العشبة على سعادة الماركيز! لا، أقصد… على أبي! لم أفعل ذلك أبدًا!”
“تجرؤين على الكذب بهذه الوقاحة؟!”
“إنها الحقيقة! لم أستخدمها عليه! أرجوكم، صدقوني! أرجوكم!”
“فمن استخدمتِها عليه إذن؟”
تدخّل الماركيز أخيرًا بعد صمتٍ طويل.
“لقد فتّشنا الغرفة التي كنتِ تقيمين فيها بدقة، ولم نجد أثرًا لإيستالوت. فإن لم تستخدميها عليّ، فمن استخدمتِها عليه؟”
“أ… أنا…”
تلعثمت تيرييل، ثم أطبقت شفتيها بإحكام، وامتنعت عن الإجابة.
حتى وإن كانت ساذجة أحيانًا، إلا أن الأجواء المتوترة كانت كافية لتدرك أن التفوّه بأي كلمة الآن قد يكون كارثيًّا.
وبدا على الحضور في تلك اللحظة شعورٌ بالارتياب والدهشة.
كان واضحًا من ردّات فعلها أنها لم تكن تكذب، وأنها لم تستخدم الإيستالوت على الماركيز حقًا.
لكن إن لم يكن هو، فمن استخدمتِها عليه إذن؟
وإن لم تكن إيستالوت هي السبب، فلماذا بدأ الماركيز يُبدي تصرفات غريبة حينها؟
ظلّ الماركيز تشيريش صامتًا برهة، غارقًا في أفكاره، ثم تبادل النظرات مع المحققين الواقفين خلفه.
بعدها، تقدّم نحو تيرييل، واقترب منها حتى لم يعد يفصل بينهما شيء تقريبًا، ثم همس بصوتٍ خفيض لا يكاد يُسمع، بحيث لا تلتقطه سوى أذناها:
“فكّري جيدًا، يا آنسة… فمصيركِ قد يتغيّر بالكامل بناءً على الشخص الذي استخدمتِ عليه تلك العشبة.”
“… ماذا؟”
“إن لم تكوني قد استخدمتها عليّ، فهذا يعني أنني، وأنا بكامل وعيي، اعترفت بكِ كابنتي. ومن أجل سمعتي، سيتعيّن عليّ أن أتقبّلكِ ضمن أفراد تشيريش.”
…هل يمكن أن يكون ذلك صحيحًا؟
لمعت عينا تيرييل الخضراوان، اللتان غمرهما البؤس من طول بقائها في السجن، بوميض أمل. هل يمكن أن تعود إلى تلك الأيام الحلوة، المفعمة بالسعادة…؟
لاحظ الماركيز تشيريش ذلك التألق في عينيها، فانتهز الفرصة ليُغريها ويجتذبها إليه مجددًا:
“إن كنتِ حقًا لم تستخدميها عليّ، فلا بدّ أنكِ استخدمتِها على شخصٍ آخر. لا يمكننا تحديد مصيركِ إلا إذا أخبرتِنا بالحقيقة. من هو ذلك الشخص؟”
“…”
“إن قلتِ الحقيقة، سأفعل ما بوسعي لإخراجكِ من هذا المكان.”
“…”
فكان صوته لطيفًا، كأنّه صوت أبٍ حقيقي، فشعرت تيرييل وكأن بصيصًا من النور قد تسلّل إلى عتمتها.
ونسيت حتى أن عليها إنكار استخدام العشبة أصلًا، فاستسلمت لذلك الوهم الجميل الذي لم يوجد إلا في خيالها، وتمتمت بالإجابة كما لو كانت مسحورة:
“… صاحب السمو.”
“عذرًا؟”
“صاحب السمو… وليّ العهد. أرجوك، لا تخبر من يقفون خلفك… أرجوك، أرجوك.”
عند هذا الجواب، عجز الماركيز تشيريش عن الحديث للحظة.
إيستالوت… ليست على البابا، ولا عليه هو، بل على وليّ العهد نفسه؟ وكأنها بهذا… حكمت على نفسها بالموت!
لكنّه سرعان ما تدارك صدمته، وأتبعها بسؤال جديد:
“ولماذا استخدمتِها على سموّ وليّ العهد؟ ماذا أمرتِه أن يفعل؟”
“أممم… طلبتُ منه أن يمنحني قلبه. فبذلك يمكنني أن أُعزّز قوة السيّد نوكس.”
ثم أدركت فجأة ما قالت، فوضعَت يدها على فمها.
لكن الأوان كان قد فات.
“نوكس؟”
ردّد الماركيز الاسم الغريب، ووجهه يزداد تجهمًا. تعزيز قوته؟ ما الذي تقصده بذلك؟
أخذت تيرييل تهزّ رأسها بشدّة، وقد تملّكها الذعر. ومنذ تلك اللحظة، امتنعت عن الإجابة عن أي سؤال آخر.
وبعد انتهاء الاستجواب، تراجع الماركيز تشيريش بضع خطوات مبتعدًا عنها. لم يعرف من هو نوكس، لكنّه خرج بمعلومة ثمينة.
وما لبث أن خلع قناع الأب الحنون، وغيّر ملامحه بلحظة. ثم وجّه حديثه نحو بقعة تقع خلف المحققين، حيث لم تكن نار المشاعل تصل، وكانت الظلال كثيفة:
“لقد اعترفت أنّها استخدمت الإيستالوت على سموّ وليّ العهد.”
“أبي؟!”
صرخت تيرييل بذعر، واندفعت نحو قضبان الزنزانة. لكن الماركيز لم يلتفت إليها حتى.
“تقول إنها فعلت ذلك لتعزيز قوة شخص يُدعى نوكس، لكنها رفضت الإفصاح عن المزيد. لكن بمزيد من التحقيق… يمكننا الوصول إلى الحقيقة.”
أنهى الماركيز كلماته بنبرة باردة، ثم انحنى بانضباط.
طرَق…
انبعث صوت خطوات ثقيلة من بين الظلال التي ظنّ الجميع أنها خالية.
تأرجحت ألسنة اللهب في المشاعل المعلّقة على الجدران، بفعل نسمة خفيفة ولّدتها حركة القادم من الظلام.
وبينم
ا انحنى كل من في المكان احترامًا للوافد الجديد، بقيت تيرييل في مكانها، تحدّق إلى الأمام بعينين مرتعشتين.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 157"