كان لون الشَّعر ولون العينَين المختلفان لا شكّ من تأثير السِّحر، فيما كان زيُّه الرَّسميّ أنيقًا باللّون الرَّماديّ القاتم وقد زُيِّن بتطريزاتٍ دقيقة أضفت عليه وقارًا.
ومهما ظهر بمظهرٍ مختلف من الرّأس حتّى أخمص القدمين.
فإنّ من يملك مثل هذه الملامح وهذه البنية الجسديّة نادر الوجود.
أدركتُ من النَّظرة الأولى أنّ هذا الرّجل هو نفسه ذو الشَّعر البنّي الذي رقصتُ معه البارحة، والّذي رأيتُه آخر مرّةٍ هناك.
ترى، هل هو الآخر تعرّف إليَّ؟
“حسنًا.”
كانت ملامحه الثّابتة خالية من أيِّ بادرةٍ انفعال، وإن أمعنتُ التَّحديق في وجهه.
على أيِّ حال، فإنّني بالنّسبة لشخصٍ مثله لستُ سوى واحدةٍ من بين الكثيرات اللواتي يمكن أن يرقص معهنّ.
أبصر من بعيد ظهر كاترينا وهي تبتعد، فراح يتبعها مع إبقاء مسافةٍ فاصلة بينهما.
وهو ما يزال يستحضر في ذهنه تلك النّظرات الملحّة الّتي رمقته بها أثناء الرّقص، محاولًا أن يكتشفّ مغزاها.
‘اليوم لا يقترب منها الكثيرون.’
رايان ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ رضا وهو يرى أنّ مظهر كاترينا قد تبدّل اليوم بوضوح، وأنَّ النّتيجة كانت كذلك.
فالأمر أفضل هكذا، ما دام أنّ من المريح ألّا يكون هناك الكثير مِمّن يحاولون الاقتراب من شخصٍ يُعدّ خطرًا محتمَلًا مثلها.
“يبدو أنّ خطواتها عاديّة أكثر مِمّا توقّعت.”
كاترينا، أو باسمها الآخر ‘كارما’.
وبما أنّه تتبّع تحرّكاتها بدقّة، فقد أدرك أنّ روايات كارما جميعها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بها هي شخصيًّا.
بل واعتبر أنّ رواية الحفل التنكّري تحديدًا هي أكثر ما أسقطت فيه نفسها.
إذ تضمّنت أحداثًا مثل اضطرار روز للزّواج السّياسيّ، مثل رغبة الابن الثّالث للكونت ليونارد في أن يتّخذها عشيقة.
وفوق ذلك، لم يُنشر بعد الجزء الثّالث من الحفل التنكّري، ما يعني أنّه يتوقّع ظهور أفعالٍ غير متوقّعة في هذا المكان، لذلك أبقى عينيه عليها.
وبينما تابع مشيها داخل الحديقة الإمبراطوريّة، انفتحت أمام ناظريه لوحةٌ أشبه بما كُتب في الرّواية: بستانٌ واسع تتفجّر فيه الأزهار المتنوّعة بعطرها الأخّاذ.
“اثنا عشر بستانيًّا، وثلاثة سحرة……”
تمتم رايان بصوتٍ خالٍ من أيِّ انفعال، وهو يستعيد في ذهنه حجم القوى الّتي سُخّرت لإنشاء هذه الحديقة.
كاتارينا توقّفت أمام زهرة ليانار.
زهرةٌ لا يملكها سوى القصر الإمبراطوريّ، راحت تتأمّلها بصمت.
وكان رايان يراقبها وهو متكئٌ على صدره بيديه، متابعًا ملامحها من جانبها.
إذ كان منظرها، وحيدةً في حديقةٍ تعجّ بأزواجٍ يمسكون أيدي بعضهم، مشهدًا غريبًا للغاية.
ولمّا لم يكن هناك رجالٌ يجوبون المكان وحدهم، فإنّ أحدًا لم يحاول الاقتراب منها.
‘ليانار، بيلوا، تالّيوني……’
قضت وقتًا طويلًا وهي تتأمّل الأزهار وتتنقّل بينها، كأنّها لا تملّ البقاء هنا.
“يبدو أنّ التّنفيذ متقنٌ إلى حدٍّ ما.”
بعد ذلك عادت إلى قاعة الحفل، وتبادلت القليل من الأحاديث مع رجلَين، ثمّ رقصت مع أحدهما، ولم تحتكّ بغيرهما.
‘البارون باريل، الابن الثّاني لأسرة غيديون.’
ومقارنةً بكون كلّ من رقصوا معها في الأمس من طبقة الكونت فما فوق، كان الأمر مفاجئًا أن تشارك رقصًا مع ابن بارون.
“هل هناك معاييرٌ محدَّدة في اختيارها؟”
رايان فكّر أنّه هو نفسه أحد مَن يمكن أن يفوق تلك المعيار.
فقد استخدم إحساسه الحادّ ليتهرّب من كلّ من حاولوا التّوجّه نحوه داخل الحفل.
وبعد حينٍ قصير، عادت كاترينا إلى القصر، وبما أنّ ما كان يخشاه لم يقع، فقد رجع هو أيضًا إلى القصر الإمبراطوريّ.
“بأيّ لونٍ نُغيّر شعرك غدًا يا سموّك؟”
وحين بدّل ملابسه وانحلّ عنه السّحر، ظهر شعره الذّهبيّ وعيناه الذّهبيّتان، شعار العائلة الإمبراطوريّة.
فقد كان عليه، ولأمرٍ استثنائيّ، أن يحضر الحفل المقنّع بأمرٍ مباشر من الإمبراطورة.
التعليقات لهذا الفصل " 32"