إحياءً لذكرى تأسيس إمبراطوريّة إينودرا، كان ذلك اليوم هو أوّل ليالي المهرجان.
مع أنّها كانت المرّة الأولى التي أعيش فيها هذا الحدث منذ قدومي إلى العاصمة، إلّا أنّ الكونت بلاين لم يُشارك لا في المراسم ولا في البروتوكولات، بل كان عليه فقط حضور حفلات المجتمع التي دُعي إليها.
أما أنا فلم أكن قد خضتُ بعدُ الدّبيوتان (أو ظهور الفتاة لأول مرّة في المجتمع الراقي)، لذلك لم يكن عليّ أيُّ التزامات في الوسط الاجتماعي.
‘لاحقًا، عندما أذهب لحضور حفلة التنكّر، يجب أن أسأله إن كان قد وجد خطيبةً أم لا.’
كان كالارد سعيدًا لأنّه سيحضر حفلة التنكّر يومًا واحدًا فقط، لكن سرعان ما جُرّ بيد أليكسيس ومارسيلّا إلى حضور العديد من حفلات المجتمع المختلفة.
تمنّيتُ لو كنتُ مكان كايلو الذي رفض وفضّل البقاء في القصر، لكن عزائي أنّ جدولي لم يتضمّن سوى حفلة التنكّر.
فمن وجهة نظر مؤلّفة العمل، كنتُ أرغب برؤية مدى دقّة تجسيد المشاهد بعيني.
“آنستي، ما رأيكِ بهذا الحُليّ للشعر؟”
حتى في اليوم نفسه ظلّت كلوي، تُجري معي نقاشًا مطوّلًا حول كيفيّة التزيّن.
في يدها قطعةٌ فاخرة على هيئة فراشة.
تخيّلتُها على رأسي، لكنّها بدت مبالغًا فيها بعض الشيء.
“العقد الذي أرتديه بارزٌ بما يكفي، أظنّ أنّ ذاك أفضل.”
وأشرتُ إلى قطعةٍ أخرى من بين المرشّحة، مشغولة بالفضّة الخالصة على شكل زهرةٍ بسيطة.
منذ الصباح الباكر ونحن نجهّز، ولم أشعر بعد بأنّي ذاهبةٌ بالفعل إلى حفلة التنكّر.
لكن كلّما طال التزيين، بدا لي أنّ صورتي في المرآة تتحوّل تدريجيًّا إلى ما يُبهجني.
شعري الأحمر انساب كالتموّجاتٍ حتى خصري، وزيّنتُه بفستان ذهبي مُطرّز بالخيوط نفسها بدقّة متناهية.
وبإضافة الحُليّ كلّها، راحت الألوان تتلألأ تبعًا لانعكاس الضوء، مانحةً إيّاي مظهرًا أكثر فخامة.
على غير العادة، بدوتُ مختلفةً تمامًا عن مظهري اليومي، لكنّي أحببتُ النتيجة.
“يمكنني أن أُعلن دخولي للمجتمع بهذا الشكل دون أيِّ مشكلة!”
“…مستحيل! مع أنّكِ فاتنةٌ للغاية الآن، لكن لو ارتديتِ فستانًا كهذا في ظهوركِ الرسميّ فستُحاصركِ الشائعات السيّئة بلا شك.”
تردّدت كلوي لحظة ثم هزّت رأسها بعزم، وقالت بعينين حازمتين:
“لكن، عندما يحين ذلك اليوم، سأجعل منكِ البطلة، وسأجد لكِ فستانًا بسيطًا لكن مُترفًا في آنٍ واحد.”
لم أتمالك نفسي من ابتسامةٍ صغيرة أمام حماسها المفرط.
وحين حان وقت الخروج، تأمّلتُ صورتي في المرآة مرّةً أخيرة. العقد الكبير المُرصّع بالياقوت بدا ثقيلًا لكنّه انسجم جيّدًا مع بقيّة الزينة.
“إخفاء هذا الوجه خلف قناع خسارةٌ كبيرة، مَن سيراه مباشرةً لن يستطيع المرور دون أن يتوقّف… مؤسفٌ فعلًا.”
تجاهلتُ تعليق كلوي المُليء بالمبالغة.
طرق–طرق.
“هل انتهيتِ؟ اخرجي الآن.”
كان صوت كالارد يصلني خافتًا من وراء الباب.
أخفيتُ قدمي في حذاء ذي كعبٍ منخفض تحت الفستان، وفتحتُ الباب فوجدتُه متكئًا على العمود أمام غرفتي.
“…هممم.”
بلا كلام، تبادلنا نظراتٍ سريعة من الرأس حتى القدمين.
كان قد ألقى شعره إلى جانبٍ واحد، مرتديًا زيًّا رسميًّا مُزيّنًا بخيوطٍ ذهبية باذخة، فبدا لافتًا بشدّة.
‘سيكون من السهل تمييزه حتى من بعيد.’
بفضل الجينات المشتركة، هو الآخر كان ينجح في ارتداء الفاخر دون أن يبدو مبالغًا فيه.
“تبدو رائعًا.”
قلتُها بنبرة مدحٍ صادقة، لكن…
“لو سقطتِ أثناء الرقص فلن أساعدكِ، فدبّري أمركِ بنفسكِ.”
أجاب بسخريةٍ ثم قطّب جبينه ومضى بخطواتٍ واسعة مبتعدًا.
‘ما خطبه فجأة؟’
لم أفهم، لكن لم أولِ الأمر اهتمامًا ومشيتُ على مهل.
كنا سننتقل إلى القصر الإمبراطوري بعرباتٍ خاصّة كانت تنتظر عند بوابة القصر.
طوال الطريق ظلّت كلوي تفحص ملابسي وزينتي وتُكثر من الكلام.
“أنا أفضل إدوين… لكن جيرار أيضًا لا بأس به، آنستي.”
“مجرد أوهام، انسَي الأمر، وحين ينتهي كل هذا دلّكِي قدمي.”
كنتُ أنوي الرقص مرّةً واحدةً فقط، لكن الوقوف الطويل سيُرهقني حتمًا.
“…حسنًا.”
تمتمت كلوي مستاءةً. وما إن توقّفت العربة حتى سبقتني إلى الخارج.
“الأقنعة التي وزّعتها العائلة الإمبراطورية أروع مِما توقّعت! يكفي تقريبها من الوجه لتثبت وحدها، لقد وُضعت عليها تعويذةً سحرية.”
قادني الحرس والخدم المرافقون حتى وصلتُ إلى بوابةٍ ذهبية ضخمة. وكلّما تقدّمتُ، ازدادت أصوات الموسيقى وضوحًا.
“نتمنى لكِ أمسيةً ساحرة.”
وبمجرد أن وطأتُ قاعة الاحتفال، انقطعت أنفاسي من شدّة الانبهار.
المكان شاسعٌ إلى درجةٍ يستحيل تقدير مساحته، وتدلّت من سقفه ثريّاتٌ عملاقة متلألئة كأنّها نجوم.
تجمّع الحضور بأقنعةٍ نصفية تُخفي وجوههم، وحينها فقط أدركتُ أنّي حقًّا داخل حفل التنكّر.
***
لم ألبث أن تماسكتُ واستوعبتُ الأجواء حتى بدأت أتجوّل متفحّصة.
‘أشعر بالعطش.’
منذ العربة وأنا بحاجةٍ لشيء أشربه. بحثتُ عن ركن المشروبات، فلمحتُ خادمًا يحمل صينيّةً مليئة بالكؤوس الفوّارة. اتجهتُ نحوه، لكن—
“المعذرة.”
شخصٌ ما وقف في طريقي.
رفعتُ رأسي إلى مصدر الصوت الغريب فوقي.
يقولون إنّ الانطباع الأوّل يُحسم في ثلاث ثوانٍ…
‘وسيمٌ فعلًا.’
رغم أنّ نصف وجهه مغطّى بالقناع، فقد بدت ملامحه متناسقةً بوضوح.
“هل تتكرّمين برقصةٍ معي؟”
كان ذا شعرٍ بنيّ مُرتّب، وعينان بنيّتان تميلان إلى الذهبي.
نظرتُ إلى يده الممدودة، ثم وضعتُ يدي عليها بلا تردّد.
“…حسنًا.”
لم يكن هناك ما يدعوني إلى الرفض.
ارتعش جسده لحظة ملامسة يدي، لكنّه سرعان ما تماسك وقادني برفقٍ نحو ساحة الرقص.
وضعتُ يدي الأخرى على كتفه، لكنه انتفض ثانيةً بشكلٍ طفيف، ما جعلني أبتسم من غير قصد.
تصرفاته الغريبة أوحت لي أنّها ربّما أول رقصةٍ له.
وبالمقارنة مع كالارد، كان أطول قليلًا، إذ وقعت يده في موضع أعلى على ظهري.
مع ذلك، كانت خطواته دقيقةً تمامًا على إيقاع الموسيقى.
غمرنا صمتٌ عجيب، فلم أعد أسمع سوى أنغام الرقص.
“انتهى أسرع مما توقّعت.”
لم أشعر بانقضاء الوقت من شدّة اندماجي، فلم ألاحظ توقّف العزف إلا حين ساد السكون.
“…قصير، لكنه كان مُمتعًا، لقد أستمتعت.”
“وأنا كذلك.”
ولأسباب لا أعرفها، أحسستُ بشيء من الأسف لانتهاء الرقصة.
لكن لم يكن بإمكاني أن أوقفه عن الرحيل.
لمحةٌ سريعة نحو وجهه المُقنّع ثم ابتعدتُ متوغلةً وسط الناس.
لكن ما إن تحرّكتُ بضع خطواتٍ حتى اعترض طريقي رجلٌ آخر.
“في عيني لا أرى سواكِ، هل تشرفينني برقصة؟”
كان غريبًا عنّي، بشَعرٍ أشقر لامع وابتسامةٍ مشرقة، لكن يفتقر إلى وسامة سابقه.
“…لِمَ لا.”
لم أتوقّع أن أتلقى دعوةً أخرى بهذه السرعة، لكن بما أنّ الرقصة الأولى انتهت سريعًا، رأيتُ أنّني أتحمّل ثانيةً.
ما إن وضعتُ يدي على يده حتى قبض عليها بقوّة أثارت ترددي.
أما يده الأخرى فالتفّت حول خصري بطريقةٍ أزعجتني بينما بدأنا نرقص.
‘أين وضع الأول يده؟’
أظنّه كان على ظهري أو قريبًا منه… لم أتذكّر بوضوح.
يد هذا الرجل عند جانبي جعلتني أنقبض أكثر.
“لا أفعل هذا عادةً، لكن رقصي معكِ جعلني متوترًا.”
“…وأنا أيضًا.”
“هاهاها، يبدو أنّكِ قليلة الكلام. لقد رأيتكِ ترقصين قبل قليل، وشعرتُ أنّي سأندم لو لم أقترب.”
أمّا أنا فبدأتُ أندم فعلًا على هذه الرقصة.
غطّت الموسيقى العالية معظم حديثه، فاكتفيتُ بالموافقة عليه ببرود، وكلما طال العزف زاد ضيقي.
‘تُرى، هل ذاك الرجل يرقص الآن؟’
وبمجرد أن انتهى العزف، ابتعدتُ فورًا دون التفات.
عثرتُ على خادم قريب.
“قدّم لي كأس شمبانيا.”
تناولتُ الكأس ورفعتها إلى فمي، لكنّي شعرت بوجود أحدٍ إلى جانبي.
“صدفةٌ جميلة أن نلتقي هنا.”
التفتُ قليلًا، فالتقت عيناي بنظرات رجلٍ ثالث.
لم أنبس بكلمة، اكتفيتُ بإيماءةٍ صغيرة ثم شربتُ الكأس دفعة واحدة.
ظننتُ أنّه سينسحب مطرودًا بتجاهلي…
“قبل أن تنقضي هذه الليلة، أودّ التحدّث إليكِ.”
لكنّي كنتُ مُخطئةً.
ابتسم بوجهٍ متصنّع وقالها بنبرةٍ متملّقة. عندها أيقنتُ أنّ هناك شيئًا ما يسير في غير محلّه هذه الليلة.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 30"