الفصل 20 :
عندما انتقلنا إلى القصر الجديد، كان أكثر مكان أوليتُه اهتمامي هو مكتب العمل.
ذلك لأنّني كنتُ أقضي معظم يومي هناك، وكنتُ أنوي استقبال دانيال أو غريك فيه بدلًا من غرفة الاستقبال إن جاء أحدهم لاحقًا.
كان واسعًا كفاية، لا يقلّ عن مكتب أليكسيس، وكانت الإضاءة الطبيعيّة فيه مثاليّة.
“……ما سبب مجيئكَ المفاجئ لزيارتي؟”
لم أكن أتوقّع أنّ أوّل من يجلس على الأريكة الفاخرة سيكون ضيفًا غير مدعو.
“جئتُ فقط لأتحدّث مع حفيدتي، ما المشكلة في ذلك؟”
تنهدتُ في داخلي وأنا أُحدّق في كايلو الجالس براحة، مستندًا إلى الأريكة.
لم يُرسل أيّ إشعارٍ مسبق، بل اقتحم مكتبي فجأة. ومن نبرة حديثه فقط، يُمكن إدراك أنّه يختلف كليًّا عن أليكسيس وكالاد.
“هل تناولتَ الطعام؟”
“لستُ جائعًا، لذا لم آكل. وأنتِ، هل أكلتِ؟”
أومأتُ برأسي، فقد تناولتُ الغداء الذي أحضرته كلوي بشكلٍ جيّد.
“يُفضّل ألّا تفوّتَ وجباتكَ.”
“المرء لا يموت إن لم يأكل.”
قالها بجفاء وهو يُلقي نظرةً على المكان، ثم أشار بيده إلى آلة الكتابة على مكتبي.
“تكتبين بها؟”
“نعم، لأنّ خطّي قد يكون صعب القراءة إن كتبتُ يدويًّا.”
رغم أنّ بعض الكتب تُنشر بخطّ اليد كما هو، إلّا أنّني أُفضّل آلة الكتابة. فهي تُسهل الكتابة والقراءة في آنٍ معًا.
وبينما كنتُ أُجاريه بالكلام دون أن أُفرط، عادت كلوي التي كانت قد خرجت لتحضير الشاي له.
“أحضرتُ شاي البابونج، لأنّني سمعتُ أنّك تُفضّله.”
“جيّد. طالما جئتُ، أفكّر في قراءة كتابٍ لكِ. أعطني واحدًا من كتبكِ الجاهزة الآن.”
كان هناك رفٌّ مخصّص في زاوية المكتب، يحتوي فقط على كتبي.
وقد لاحظ كايلو ذلك عندما ألقى نظرةً على الغرفة، لذلك لم تكن مفاجأة أنّه طلب هذا.
لكنّني بالكاد تمكّنتُ من فتح فمي وأنا أُحدّق في وجهه الخالي من الحرج.
“هل أُعطيكَ الجزء الأوّل من فرسان السماء؟”
“يقال إنّ توقيعكِ له قيمة، أليس كذلك؟ وقّعي لي عليه إذًا.”
تفاجأتُ للحظة من طلبه الوقح وغير المتوقّع.
أحضرتُ نسخة فاخرة كنتُ أحتفظ بها، ووقّعتُ في الصفحة الأولى، ثم ناولتُها له.
تفحّص التوقيع مباشرة بعد فتح الصفحة الأولى، ثم نظر إليّ بعينين تلمعان بالاهتمام.
“هوه، هذا يفوق توقّعاتي.”
إنّه مجرد توقيع، لا شيء يدعو للتوقّع أصلًا.
“……هل لديكَ أيّ فضول آخر أو طلبات؟”
يبدو أنّ كايلو لم يكن ينوي مغادرة هذا المكان بسهولة.
كنتُ قد بدأتُ أشعر بالإرهاق من التحدّث معه، وفكّرتُ في مغادرة المكتب، لكنّني أردتُ أيضًا إتمام الجزء الثاني من فرسان السماء.
“لا بأس. سأجلس هنا وأقرأ ما أعطيتِني، فواصلي عملكِ.”
تنهدتُ وأنا أُراقبه يُلوّح بيده كما لو كان في منزله.
“حسنًا.”
“إن كنتُ أُزعجكِ أثناء الكتابة، أخبريني فورًا وسأخرج.”
هو يُزعجني بمجرد وجوده أصلًا.
لكن لم يكن من اللائق أن أطلب من رجلٍ مُسنّ مثل كايلو أن يخرج.
“تصرّف براحتك، جدّي.”
قلتُ ذلك بابتسامةٍ مرسومة على وجهي، محاوِلةً التعامل معه كأنّه غير موجود.
***
“يبدو أنّ السيّد يُريد تناول الغداء معكِ، آنستي.”
“ويبدو أنّه علم بحبّكِ للحلويات، فأحضر لكِ بعض الكعك من الخارج.”
لا أعلم من أين بدأ الخطأ بالضبط.
في أوّل زيارة له، قرأ كتابًا فقط ثمّ خرج، لكن بعد ذلك أصبح كايلو يُحاول الاقتراب بطرقٍ مختلفة.
“هممم، هل تسيرين جيّدًا مع الجزء الثاني من فرسان السماء؟”
رغم أنّني كنتُ أعلم أنّ دافعه يحمل شيئًا من المودّة، إلّا أنّ الأمر كان مُرهقًا.
مع مرور الوقت، اعتدتُ على وجود كايلو، لكن لا يزال هناك جدارٌ غير مرئيّ بيني وبينه.
‘هل من المعقول أن أتقبّله كجدٍّ لي لمجرد أنّه ظهر في حياتي فجأة؟’
لاحقًا، علمتُ أنّ كايلو كان سابقًا مبارزًا بارعًا، وكان يعيش في إقليمٍ ريفيّ هادئ.
وسبب مجيئه المفاجئ إلى العاصمة كان أليكسيس.
فهو لم يُصدّق كلّ ما قيل عن ولده، فجاء ليتحقّق بنفسه.
“قال إنّه اشتاق لنكهة الحياة في المدينة، ويريد البقاء هنا فترة طويلة.”
لا عجب إذًا أنّهم جدّدوا غرفة الضيوف بالكامل.
في القصر، كان أليكسيس مشغولًا بالعمل، ومارسيلّا تتجنّب كايلو. فبقيتُ أنا وكالاد فقط هدفًا له.
كان يأتيني حين يشعر بالملل ويقول أشياء مثل:
“كايل فتى بلا عزيمة. كان عليه المحاولة عشر مرّات على الأقل قبل أن يستسلم. لا تواعدي رجالًا مثله.”
“ما بال روز؟ لماذا هي غبيّةٌ إلى هذا الحد؟”
ربّما يكون كايلو أول شخصٍ يزور مؤلّفًا فقط ليغتاب شخصيّاته.
كنتُ أتجنّب المديح أيضًا لأنّه يُحرجني، لكنّ هذه الانتقادات لم أرغب بسماعها على الإطلاق.
وهكذا، بدأت زيارات كايلو تقلّ تدريجيًّا.
‘أخيرًا بدأتُ أشعر بالراحة.’
أخيرًا تمكّنتُ من إتمام مسودّة الجزء الثاني من فرسان السماء، والتي تأخّرت بسبب مقاطعته غير المقصودة.
وكما في الجزء الثاني من حفلة الأقنعة، كنتُ أنوي إطلاق نسخةٍ محدودة موقّعة.
كنتُ أعمل على النسخ النموذجيّة حين تلقيتُ طلبًا من زيون.
‘أريد رسم هذه اللقطة بنفسي، هل تسمحين؟’
العالم الجديد الذي واجهه البطل، والناس الذين التقاهم هناك.
كانت الصّورة واضحة تمامًا في ذهني، لذا توقّعتُ ألّا تُرضيني رسمة زيون، لكن لم أُمانع.
فقد طلبتُ منه أيضًا عددًا من الرسومات الإضافيّة، وسأُقرّر لاحقًا إن كنتُ سأستخدمها أم لا.
“آنستي، هناك ضوءٌ في جهاز الاتصال.”
عندما التفتُّ إلى حيث أشارت كلوي، رأيتُ ضوء الاتصال مشتعلاً، فسارعتُ بالردّ.
‘عدم قدومهم شخصيًا واللجوء إلى الاتصال يعني أنّ الأمر عاجل.’
في مثل هذه الحالات، تكون الأخبار إمّا جيّدة جدًّا أو سيّئة للغاية.
– ……آنسة كاترينا.
“نعم؟ ماذا هناك؟”
نبرته الهادئة أوحت لي أنّه يحمل خبرًا سيّئًا.
وفي لحظة، بدأتُ أفكّر في أسوأ الاحتمالات.
– هل تذكرين عندما قلتُ إنّ بعض دور النشر بدأت تُشترى من قِبَل نبلاء؟
كنتُ قد سمعتُ ذلك أثناء إصدار الجزء الأوّل من فرسان السماء بعد نجاح حفلة التنكّر.
– هناك من نشر رواية تُشبه حفلة التنكّر، بل… في الحقيقة، لقد تمّ نسخها بالكامل.
عندما سمعتُ نبرة دانيال الواثقة، شعرتُ بالارتياح أنّه ليس أسوأ ما توقّعت.
‘كأن يُكشفَ عن هويّتي الحقيقيّة، مثلًا.’
كانت كلوي التي استمعتْ بجانبي تحمل وجهًا وكأنّ العالم انهار، لكنّني قلتُ بهدوء:
“يجب أن أقرأ تلك الرواية بنفسي. هل يمكنكَ إرسالها إلى القصر الآن؟”
لا يمكنني الحكم قبل أن أراها بعيني.
كنتُ فضوليّة لأرى كيف يمكن لشخصٍ لا علاقة له بالأدب أن يكتب رواية تشبه روايتي.
– هل أنتِ متأكّدة؟ قد يُثقل ذلك قلبكِ. يمكننا حلّ المسألة بأنفسنا.
هدّأتُ دانيال التي كانت تبدو قلقةً على الطرف الآخر.
طلبتُ منها إرسال الكتاب مجددًا، ثم أنهينا المحادثة بعد تبادلٍ سريع للكلام.
حينها، فتحت كلوي فمها بتردّد:
“هل تُريدين إبلاغ السيّد أليكسيس؟”
“هذه مشكلتي، وسأتولّى أمرها. سنُقرّر بعد أن نقرأ الكتاب.”
وبعد نحو ساعة، وصل الكتاب إلى القصر.
من الخارج، بدا عاديًّا. لكنّ العنوان على الغلاف كان الرقصة السريّة.
‘ما زال مقبولًا.’
التشابه في العنوان فقط لا يُثبت شيئًا. لكن بمجرّد أن بدأتُ بقراءة الصفحة الأولى، شعرتُ بخيبة أمل.
“هذا يُقلّد حفلة التنكّر بنسبة خمسين بالمئة.”
الكاتب لا يبدو سيّئًا للغاية، لكنّه نسخ ببراعة بين محتوى الجزء الأوّل والثاني.
رغم اختلاف الأسماء، كانت الأحداث مألوفة من اللقاء الأوّل حتّى النّهاية.
من أجل التأكّد، اضطررتُ لقراءة الكتاب كاملًا رغم أنّه كان شاقًا.
– هل نُحيل الأمر للمحكمة؟
بمجرّد إخباري لدانيال، ثارت كأنّها كانت تنتظر هذه اللحظة.
أخبرتني أنّهت قد استشارت بعض الخبراء مسبقًا، وبدأت تشرح لي العقوبة التي تنتظر هذا الكاتب.
‘إذًا، هذا ما كان يقصده بأنّهم قادرون على حلّ الأمر وحدهم.’
اتّضح لي أنّ الإمبراطوريّة صارمةٌ للغاية في قضايا الحقوق الأدبيّة والملكيّة الفكريّة.
الحرّيّة تتطلّب قوّة ومسؤوليّة.
وبما أنّ السحرة – الذين يُعتبرون جزءًا أساسيًّا من القوّة في الإمبراطوريّة – يُعرفون بحساسيّتهم، فقد انتقلت تلك الصرامة إلى مجالات الفنّ أيضًا.
ولذلك، لم أرَ حتى الآن أيّ حالة لاستغلال أو تزوير كتبي المنشورة.
“لا أُريد عقوبةً ضخمة، فقط اتّخذوا الإجراء المناسب.”
لم أجد في الكاتب المقلّد قيمةً تستحقّ المواجهة.
‘من ذا الذي سيدفع مالًا لقراءة شيءٍ كهذا؟’
سحبتُ خصلة شعر عن كتفي وأغلقتُ الاتصال.
كنتُ أنوي نسيان أمر الكتاب المقلَّد والتركيز على نسخة العيّنة من فرسان السماء 2، لكن…
「جرائم دار نشر ريو」
「من يُواسي كارما المتألّمة؟」
「مشاعر القارئ بعد قراءة الرقصة السريّة」
「حملة إلقاء القمامة أمام دار نشر ريو」
…
شعب الإمبراطوريّة لم يتهاون مع روايةٍ مقلّدة.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 20"