كان الكونت يراقب وجه فريا المتردد فقال مضيفًا: “تعرفين امرأة تُدعى صوفيا.”
تساءلت فريا في نفسها عن سبب ذكر الكونت لاسم صوفيا.
ولمّا نظرت إليه، قال وهو يحاول كبح غضبه بصعوبة: “كانت صوفيا خادمة تعمل في بيتنا، وهي من أخذتكِ معها.”
“… ماذا؟”
“لقد عثرنا أيضًا على كلّ الوثائق، يا فريا.”
في المستودع الذي أخفت فيه صوفيا كلّ شيء بإحكام، وُجدت أوراق تثبت ولادة فريا، إضافةً إلى قطع من الثياب التي كانت ترتديها، والندوب على جسدها، وفوق كلّ ذلك ملامحها المشابهة تمامًا لوجه الكونت، التي كانت دليلًا قاطعًا على أنّها ابنتهما.
“كـ … كان لديّ عائلة.”
لم تستطع فريا التنفس أمام هذا الواقع الذي فاق قدرتها على الاحتمال.
قالوا إنّ صوفيا قد اختطفتها بتحريضٍ من شخصٍ ما.
ومن أجل المال أو بدافعٍ من طمعٍ مجهول، دمّرت صوفيا عائلةً كاملة.
كانت فريا تتذكّر جيّدًا كيف كانت تلك المرأة تضربها دائمًا أثناء نشأتها، إذ لم تكن سوى شيطانةٍ في هيئة إنسان.
لم يكن هناك شيء في الدنيا لا تفعله صوفيا من أجل المال، ولم تعرف يومًا الرحمة أو الشفقة تجاه طفلةٍ صغيرة.
كانت كلّ اهتماماتها محصورة في المال وشايلو فقط.
ومع ذلك، كانت فريا تحاول البقاء بجانبها بأيّ وسيلة.
‘لقد كان ذلك مؤلمًا للغاية.’
ثمّ خطر ببالها ذلك اليوم الذي زارت فيه قصر آل ديبيرتو.
تذكّرت ردّ فعلِ المربية الغريب واللوحات العائلية التي بدت لها مألوفة بشكلٍ غريب.
‘فقدتُ أختي، ولم تستطع أمّي تحمّل الحزن فرحلت بسبب المرض.’
ما زال صوت غابرييل الحزين وهو يقف أمام اللوحة يتردّد في أذنها.
‘هل كانت تلك السيّدة الجميلة التي تحمل طفلًا بين ذراعيها … هي أمّي؟’
قالوا إنّها توفّيت من شدّة الحزن على فقدان ابنتها.
أُغرِقت فريا فجأة بغثيانٍ شديد.
ركضت نحو السور، وانحنت لتتقيّأ كلّ ما في جوفها.
كان الموقف قاسيًا وصادمًا إلى درجةٍ أربكت عقلها تمامًا.
وعندما رفعت رأسها، كان الكونت قد اقترب منها دون أن تشعر، وبدأ يمسح برفقٍ على ظهرها.
“كانت أمّكِ تُصاب بالغثيان أيضًا عندما تتوتّر.”
لم تكن تشبه أمّها في الوجه أبدًا، لكن يبدو أنّها ورثت عنها هذه العادة.
حديث الكونت عن أمٍّ لم تكن تعلم بوجودها أيقظ الدموع في عينيها.
انفجرت فريا بالبكاء، وارتمت في حضن الكونت.
“يا إلهي، صغيرتي، لا تبكي.”
ضمّها الكونت إلى صدره وهو يتمتم بلا توقّف.
امتزج صوت بكائها بصوت الطفل الذي فقده قبل سنواتٍ طويلة.
“لقد كنت أؤمن أنّ هذا اليوم سيأتي.”
هزّت فريا رأسها وهي لا تكاد ترى من شدّة البكاء.
كانت تتذكّر كم كانت تغبط أولئك الذين ينتظرهم آباؤهم بهذا الحنان.
‘ولم أكن أعلم أنّي أنا من كنت تُنتظَر هكذا.’
“لا جدوى من البقاء هنا، تعالي نركب العربة التي أعددناها. لديّ الكثير لأقوله لكِ.”
أسرع غابرييل نحو العربة وفتح بابها على مصراعيه.
وضعت فريا يدها على ذراع الكونت واستندت إليه وهي تلتفت جانبًا، لترى لوكيوس واقفًا يحدّق بها بصمتٍ دون أن ينطق بكلمة.
‘لا أريد أن أراه الآن، أشعر بالضيق لمجرّد النظر إليه.’
أدارت رأسها بعنف وتوجّهت نحو العربة، وصعدت إليها ببطء.
التعليقات لهذا الفصل " 97"