لكن لوكيوس لم يُعر جوابه اهتمامًا يُذكر، ثم التفت بجسده نحو فريا.
“ألم آمركِ أن تبقي واقفة هناك دون حراك …؟”
كان يشدّ بقسوة الدرع المتسلسل الذي يرتديه بينما يرمقها بنظرة حادة.
‘هل أنا تمثال أو ما شابه! كيف يمكنني البقاء واقفة هكذا ساعات طويلة!’
لكنها لم تستطع أن تردّ نظراته بنظرات مماثلة لمجرد أنّ الأمر لم يعجبها. حين أطرقت رأسها قليلًا، وقع بصرها على ما تحت عنقه.
كان سرواله الأبيض مغطّى بالطين، وصدر قميصه مرتخٍ، أما عنقه وفكه فبدت عليهما آثار خدوش خفيفة ذات احمرار باهت.
أدارت بصرها نحوه وهي شاردة حين نطق فجأة: “لنعود.”
فانتبهت فريا على عجل، وأسرعت خلفه، وكذلك فعل جيميني. غير أنّ لوكيوس توقف قليلًا وأمر ببرود: “قائد الفرسان، جيميني ستيرن. تبقَ هنا للحراسة.”
“نعم. مفهوم.”
ارتبك جيميني للحظة ثم أجاب بجدية. كان يدرك جيّدًا أنه حين يخاطبه الأمير مقرونًا بلقب العائلة، فهذا دليل واضح على أنّ مزاجه سيّء.
‘ما الذي فعلتهُ خطأً هذه المرة؟’
ظلّ يفكّر بلا طائل وهو يراقب ظهر سيده يبتعد.
***
عادت فريا إلى الخيمة وأخذت تمسح بعناية رأس سهم ملطّخًا بالدم، وإذا بإحدى الوصيفات تظهر.
“لقد أُعِدَّ ماء استحمام صاحب السمو.”
نهض لوكيوس ببطء بعد أن وضع كأسه، وكان قد فكّ بعض دروعه فقط. أما فريا فتركت رأس السهم واتجهت إلى تنظيف خنجرٍ مُلطَّخ بالدماء.
‘ماذا كان يفعل داخل الغابة؟’
قد تكون الشائعات في أغلبها مجرد كلام، لكن ما يخص لوكيوس بالذات لم يكن يبدو كذلك. و بينما كانت تفرك البقعة بقوة، أُلقَت عليها فجأة ظلال طويلة.
“فريا، ماذا تفعلين؟”
‘ألَا يرى أني أنظف الدم عن السلاح!’
رفعت رأسها بملامح متعجّبة.
“اتبعيني لتقومي بخدمتي.”
“نعم …؟”
كانت قد سمعت أنّه لا يقبل بمساعدة أحد في الاستحمام.
‘ألم يقل الجميع إنّه يكره أن يلمسه أحد!’
لم تعد تدري أيّ الأحاديث صحيحة و أيّها كذب.
قادها إلى خيمة تغمرها الحرارة، وقد جاءت إليها من قبل.
“سموّك ، من هذا الطريق.”
“ليخرج الجميع.”
فانحنت النساء اللواتي كنّ يُعِدْن ماء الأعشاب والرجال الذين كانوا يحملون الأحواض، وخرجوا واحدًا تلو الآخر.
همّت فريا باللحاق بهم لكن صوته استوقفها: “فريا، ابقي هنا.”
“… هاه؟”
اقتربت مرتبكة من خلفه. كان قميصه الأبيض المبتلّ بالعرق يلتصق بظهره كاشفًا عن تفاصيل عضلاته. وعلى امتداد حاشية القميص الطويلة امتدّت ساقاه الممشوقتان.
‘بماذا تغذّى ليبلغ هذا الطول؟’
حينما ترى خصلات شعره الذهبي يخطر ببالها وجه صغير من الماضي، لكن ملامح “لوس” أخذت تتلاشى شيئًا فشيئًا، ولم يبقَ في ذهنها سوى تلك العيون الخضراء الباهتة التي عكست صورة ذلك الطفل.
“فريا، ما بكِ؟ ألن تخلعي ثيابي؟”
“آه، نعم.”
تحرّكت على عجل، وشفتيها منقبضتان.
‘أعمال التابع أكثر بكثير مما تخيّلت! تنظيف، خدمة الملابس، فحص السلاح، والآن خدمة الاستحمام.’
‘حتى لو أعطاني خمسة دولارات ذهبية فهذا خسارة محقّقة.’
لكنها لم تجرؤ على التذمّر بصوت عالٍ، فحياتها على المحك.
لوكيوس لم يكن سيّدًا رحيمًا أو متساهلًا مثل آرتشر.
مدّت يدها وحلّت رباط قميصه، فانكشف صدره العاري.
“…….”
لم يبقَ سوى سرواله، لكنها تردّدت.
“أيعقل أنّك لا تعرفين شيئًا؟ ناوليني ذاك”
أشار إلى قميص داخلي داكن اللون.
أسرعت فريا بتقديمه له، فارتداه، وكان يصل إلى ركبتيه. ثم نزع سرواله بنفسه ودخل ببطء في الحوض.
‘لو أنه شرح منذ البداية لكان أفضل.’
لكن من يعرف طباعه الحادة يدرك أن هذا مستحيل.
لمّا كانت هذه أول مرّة تخدم في الاستحمام، أخذت تترقّب بحذر.
“سموّك، عذرًا، هذه أول مرة لي، فلو تفضّلت و أرشدتني للترتيب.”
لم يُجب، بل أشار بيده نحو رأسه. فتحت زجاجات صغيرة، اختارت منها، ثم سكبت الماء بعناية لتبلّل شعره.
‘شَعره ناعم حقًا.’
لامست أصابعها خصلاته، فشعرت وكأنها تمرّر يدها على سنابل ناعمة في الحديقة. خلطت الزيت بالعطر و دلّكت شعره ثم شطفته، وأثناء ذلك أغمض عينيه.
‘ألَا يجب أن يخبرني بما بعد ذلك قبل أن يغفو!’
لم تجد مَن تسأله، فاقتربت منه وبدأت تمسح كتفيه وعظام ترقوته بقطعة قماش ناعمة.
‘هل هذا كل شيء؟’
قررت أنّها ستسأل “هيرو” لاحقًا عن تفاصيل هذه الخدمة.
بينما هو غاطس في الماء الدافئ، تذكّرت هي استحمامها السابق وشعرت بجسدها يتراخى.
‘دفء المكان يجعلني أغفو.’
أخذت تتحرّك بنشاط، ونثرت زهورًا على سطح الماء.
‘ترى، كيف حال لوس الآن؟’
لم تعرف عمره يومًا، لكنه كان حين افترق عنها في نحو الثامنة. ومضت ثلاث سنوات، فربما بلغ العاشرة الآن.
‘لا يزال صغيرًا، أمامه وقت طويل لينمو.’
فكّرت فيها، فشعرت بوخز لطيف عند فمها.
ارتفع بخار الماء فصار لوكيوس يبدو أشبه بصورة حالمة، وشفاهه المغلقة بدت حمراء كالأزهار التي بيدها.
‘مظهره وهو مغمض العينين جميل فعلًا.’
ابتسمت وهي تنثر الأزهار، فإذا بعينيه تنفتحان لتصطدم نظراتهما.
رأته يعكس صورتها كاملة في بريق عينيه، فألقت قبضة من الزهور على صدره. وبينما الأزهار تتساقط، تحرّكت شفتاه: “تلك النظرات الفاضحة تُثقلني …”
“ها …؟”
“ألم تُطلقي لعابكِ كأنكِ ستلتهمينني؟”
ابتسم ساخرًا وهو يرمقها باستهزاء.
أرادت أن تشرح أنّه فهم خطأً. فهي لم “تلحس شفتيها” كما قال، بل كانت مجرد ابتسامة.
‘وفوق ذلك، لم أكن أنظر إليكَ أصلاً.’
بل كانت ابتسامة للوس. لكن لا مجال لقول ذلك.
“كنتُ جائعة، يا سيدي.”
ويا لها من حجّة واهية حتى في سمعها.
***
بعد أن أنهى حمامه، جلس لوكيوس على كرسي يحتسي الشاي.
‘لماذا لا يقول لي أنصرف بعد؟’
انقضى وقت طويل وهي تترقّب.
“إن رؤيتكِ تذكّرني بشيء.”
وضع الكأس وفرك ذقنه.
تذكّر حيوانًا صغير الحجم كان يراقب الطريق بحذر على أرض قاحلة، لا يعرف اسمه، لكن مَدّ فريا لعنقها شبيه به تمامًا.
لم تأخذ كلامه بجدية، فأجابت بسرعة: “إنه لشرف لي.”
فهي اعتادت أن تردّ على أغلب كلامه بـ”إنه لشرف”.
في البداية كان الأمر يُثير الغثيان، ثم اعتادت عليه.
“سيدي، إن لم يكن لديكم طلب آخر، فسأنصرف.”
استاء لوكيوس من تهاونها في التعامل معه، بل إن الشعور الغريب الذي راوده منذ النهار لم يزُل.
حين لمح الحمرة على جسدها، اشتعلت الغيرة في صدره.
لم يحتمل أن يلمس أحدٌ ما يخصّه.
رأى أنها لا تزال تتلهف للخروج من هنا، فنطق: “ما زال لكِ عمل تؤدّينه.”
“… ماذا؟”
ارتسمت الخيبة بوضوح على وجهها، فضحك بخفوت.
فجأة ، فُتِحَت الخيمة و اقتحمها عدد كبير من الخدم حاملين الأطباق. فما لبثت المائدة أن امتلأت حتى كادت تنكسر من ثقل الطعام.
“ما الذي يجري …؟”
لم ترَ مثل هذا قط.
كان لوكيوس معتادًا على الأكل مرة واحدة في اليوم، أو مرتين بالكاد، وبكميات قليلة جدًا.
‘بل كعصفور يلتقط الحبوب!’
انتشرت رائحة الخبز الطازج واللحم المشوي في الأجواء.
‘يا إلهي! بطني يتلوّى.’
ابتلعت ريقها وهي تحاول إبعاد عينيها عن المائدة.
مهما كان الطعام شهيًا، فهي لا تريد مشاركته.
‘وطبعًا لن يدعوني إلى جانبه.’
“سموّك ، سأذهب الآن.”
“اجلسي هناك.”
قالها وهو يتوسّط المائدة ممسكًا بكأس نبيذ.
“لكن، لا أجرؤ على الجلوس مع سموّك …”
ارتبكت فريا وتصبّب منها العرق البارد أمام أمره المباشر.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات