وحين أخذ يسعل بشدّة بسبب ضربتها، ارتبكت فريا فزعًا. لا شكّ أنّ حالته لم تكن جيّدة بعد.
“لو كنتَ قادمًا، لكان بإمكانك إرسال رسالة على الأقل! كيف لك أن تقف تحت المطر كلّه هكذا؟”
كلّما فكّرت في الأمر ازداد غيظها.
“كنتُ أخشى أن ترفضي لقائي، وقد ارتكبتُ الكثير من الأخطاء، فلم أستطع التجرّؤ.”
“لكن أن تقف هناك طوال الوقت؟!”
لو كان إنسانًا عاديًّا، لما نجا بعد أن ابتلّ بذلك المطر الغزير.
“ماذا كان يمكنني أن أفعل؟ كنتُ قلقًا عليكِ لدرجة أنّني لم أنم لحظة.”
نظرت إليه بغضبٍ، وقد بدا وجهه نصف شاحب، مبتسمًا ابتسامة ضعيفة.
“وفي النهاية، أنتِ من جئتِ إليّ، أليس كذلك؟”
مسح لوكيوس بيده الجافة دموع عينيها.
“لوكيوس، لا تمرض ثانيةً.”
“ما دمتِ بقربي، فلن أمرض أبدًا.”
قالها وهو يرفع أصابعها المبللة بدموعها إلى شفتيه بلطف.
‘لماذا … لماذا يشرب دموعي؟’
حين رأت أصابعه تلامس شفتيه وتنسحب ببطء، احمرّت وجنتاها بشدّة.
“حقًّا … ستصبحين عائلتي؟”
كانت لكلمة “عائلة” وقعٌ هائل، لأنّ معنى أن يصبحا عائلة هو أن يكونا زوجًا وزوجة.
أن يكون هو زوجها، وهي زوجته.
مجرّد التفكير جعل رأسها يدور.
فذلك يختلف كليًّا عن الحبّ البسيط الذي كانا يتبادلانِه من قبل.
“…نعم.”
همست بصوتٍ خافت وهي تدير رأسها جانبًا.
“هاه، لم أكن أريد أن أقدّم لكِ عرض الزواج بهذه الطريقة.”
ارتجف قلب فريا، كأنّ سرب فراشاتٍ انطلق داخله.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يطلبها فيها، لكنها كانت مختلفة.
‘لأنّني الآن أعرف صدقه تمامًا.’
مدّ لوكيوس يده المرتجفة إلى صدره وأخرج قلادة كان يرتديها.
كانت تحمل تعويذة صغيرة على شكل قمر، وإلى جانبها حلقةٌ صغيرة تتدلّى.
“فريا، مدّي يدك.”
تردّدت قليلًا ثمّ مدت يدها اليسرى، فأخذ لوكيوس الحلقة ووضعها في إصبعها البنصر.
“لقد صهرتُ الخاتم الذي أُهديتُه في عيد ميلادي الأول وصنعتُ منه هذا.”
كان الخاتم الذهبي ساطعًا لدرجةٍ أبهرت النظر.
ظلت فريا تحدّق فيه مذهولة، فابتسم لوكيوس بخفّة.
كان يمكنه أن يقدّم أشياء أثمن، لكنّه أراد أن يعطيها ما تحبّه أكثر من أيّ شيء: الذهب.
“لأنّكِ كنتِ لا تفارقين الكعك والذهب، أليس كذلك؟”
“صحيح… ولكن هذا ضخم جدًا…”
كان ثقيلًا للغاية، يصعب ارتداؤه.
نظر لوكيوس بدوره إلى الخاتم الكبير بتعبيرٍ محرج.
“لكنّه جميل جدًا، يا لوكيوس.”
لم تستطع وصف مدى لطفه، كيف جمع خاتم طفولته الذهبي وصهره ليصنع منه خاتمًا لها.
“فريا، هل تبكين مجددًا؟”
عضّ شفته نادمًا كأنه جعلها تبكي بإعطائها الخاتم.
“سأعطيكِ أشياء أجمل، كلّ شيء لي سيكون لكِ، يا فريا.”
ارتجف صوته، فتذكّرت فريا فجأة أحد دروس الشعر.
‘يا سيّد الصحراء، أهدي إليكَ هذه الأرض الحمراء، فاسا، كلّها لك.’
‘ما الإحساس الذي يولّده هذا البيت فيكِ؟’
لم تكن قد فهمت معناه حينها ، وقالت يومها ساخرًة: “بدل الكلام، عليه أن يعطيها ذهبًا أو خبزًا!”
لكنها الآن فهمت.
عندما تحبّ حقًا، ترغب في منح كلّ ما تملك، حتى ما لا تملك.
“لوكيوس، أنا سعيدة لأنّني التقيتُ بك.”
ارتمت في صدره ولفّت ذراعيها حول عنقه.
لو لم تلتقه، لما عرفت أبدًا هذا النوع من الحب.
“فريا… فريا…”
وفي تلك اللحظة التي تأكّد فيها قلباهما من بعض، تلألأت نظرة غريبة في عيني لوكيوس، ثمّ احتضنها بقوّة وقلب جسديهما، فصارت هي تحت جسده، وهو يعلوها ناظرًا إليها.
التعليقات لهذا الفصل " 102"