ظلّ ذئب الغابة يحاول النهوض، مترنّحًا بفعل إصابته، وهو يهاجم ظلام مارسيلوس بعناد، رغم أنّ الأخير ظلّ يركله بطرف قدمه وكأنّه يطرد شيئًا مزعجًا، ويبعده بسحر الظلام دون رحمة.
“جيّد، إن كنتَ تُصرّ على هذا، فسأقتلك قبل سيّدك.”
غَرغَر الذئب بصوت خافت.
“لا تحزن كثيرًا. سأرسل إيثير إليك قريبًا أيضًا.”
“لن أسمح لك بذلك.”
زمجر إيلان، وهو يهاجم بسيفه، لكنّ سحر الظلام أحاط بشفرته.
راح مارسيلوس يسخر منه، وهو يحدّق في شعره الطويل.
“لا بدّ أنّك حانق لأنّك لم تعش كأستير حقيقي. ها أنت تموت أيضًا كنورتون!”
“لا يهمّني ذلك.”
لم يكن إيلان يكترث إن كان من أستير أم نورتون.
صحيح أنّ السنوات التي عاشها مدافعًا عن حدود النورتون لم تكن سهلة، وكان يشعر بالمرارة لفقدان والده في معركة ضد الظلام.
لكن ما الجدوى من الاسم أو الإقليم، إن كانت مواجهة الظلام قدر العائلة؟
ما كان يملأ عقل إيلان تمامًا الآن، هو تلك الظلمة المتأججة التي كانت تُحدق بإيثيل، وأنه يجب عليه إنهاؤها قبل أن تسلب كلّ شيء من جديد.
“إن كنت ترغب، سأجعلك تموت كأستير.”
توهّجت طاقة السيف في يد إيلان.
“يمكنني منحك ذلك بكلّ سرور.”
“أتظنّ أنك ستنجح في ما فشل فيه والدك؟”
توهّجت عينا مارسيلوس كوحش. وتلاطمت طاقة الظلام حول جسده كأمواج عاتية.
“تريد أن تُنهي وجودي من هذه الأرض… أستير أغرب قوم رأيتهم.”
“لسانك طويل.”
“في النهاية، لا بدّ أن يتعايش أستير و نورتون معًا.”
صدّ مارسيلوس هجمة إيلان التي كانت تستهدف خصره، وهو يضيف بصوت بارد:
“تشبهني كثيرًا في رغبتك بامتلاك إيثير. أليس كذلك؟”
ظلّ يتهكّم حتى وهو يصدّ هجمات إيلان الموجّهة إلى كتفه.
“الذي تملكه إيثير، هو النور. لذلك أنت أيضًا تتشبث بإيثيل ميشلان، أليس كذلك؟”
“لم أعُد أحتمل المزيد.”
اخترق إيلان المسافة بينهما بسرعة، وسدّد ضربته إلى أسفل فكّ مارسيلوس، الذي بالكاد تمكّن من صدّها، لكنه استمرّ في أسئلته.
“ألم تشعر يومًا بالسخط من أنّ مصير كلّ شيء معلّق بيد إيثير؟”
“أبدًا.”
“هذا مستحيل!”
صرخ مارسيلوس بغيظ، فانفجرت طاقة الظلام خلف ظهره. وتكوّنت من تلك الطاقة أشكأستيرسوداء حادّة انطلقت نحو إيلان الذي تراجع بضعة خطوات.
“بعد كلّ تلك السنين التي قضيتها عالقًا في النورتون، لم تحمل حقدًا واحدًا عليها؟ كيف؟”
“هذا هو الفرق بيني وبينك.”
إيلان لم يتخيّل قطّ أن يحمل حقدًا على إيثير.
وكان مارسيلوس يرى في عينيه القاتلتين دليلًا على ذلك.
لقد طالما حلم بأن يكون النور، أراد أن يصير مثل ذلك الضوء الدافئ الساطع.
لكن، لم يكن قادرًا على بلوغه مهما حاول، لذا قرّر ابتلاعه والدخول إلى مكانه بالقوّة.
حين أدرك أنّ إيثيل ميشلان هي تجسيد الإيثير، ظنّ أخيرًا أنّه سيتمكّن من أن يصير النور حقًا.
لكن، في النهاية، توصّل إلى قرار: إن لم يقدر على أن يصبح النور، فليبتلع النور نفسها.
“تقول إننا مختلفان…؟”
اندفع سيف الظلام فجأة، مستهدفًا قلب إيلان.
وفي اللحظة ذاتها، تقابلت عينا إيلان مع عيني ذئب الغابة الذي تدخّل لحمايته.
شعر إيلان بشيء غريب. كانت تلك العيون السوداء… تتلألأ مثل نجوم، تمامًا كعيني إيثيل.
“إيثيل…؟”
رمش الذئب، فثقل السيف في يد إيلان.
أدرك إيلان أن هذه هي اللحظة الفاصلة.
توهّجت عيناه الزرقاوان كزجاج ناري، وغاص سيفه مباشرة في قلب مارسيلوس.
“كك… خه، خهخخخ…!”
رغم الطعنة، ضحك مارسيلوس.
حدّق بعينَيه المتقدتَين بالسواد في إيلان.
“أتظنّ أن هذا هو النّهاية؟! النور والظلام لا يمكن فصلهما. حتى لو قتلتني الآن… كك!”
تفجّر الدم الأسود من فمه وهو يتهاوى، عاجزًا عن إتمام كلماته.
رمق سيف إيلان بعينين مذهولتين.
كانت جوهرة القبضة تتوهّج بلون أرجواني داكن.
ثم انفتحت شفتا إيلان، وامتزج صوته مع صوت آخر وهو يهمس:
“إن كان النور ساطعًا، فلا مكان للظلام أن يتسلّل إليه.”
كان نور أستير في تلك اللحظة، أكثر إشراقًا من أيّ وقت مضى.
والظلام… لن يكون نورًا أبدًا.
–
* * *
أمّا في دير القديس باتريك،
فقد حقّق مشروع البيرة نجاحًا ساحقًا.
امتلأت حانة البيرة، التي افتُتحت مؤخرًا في ساحة فونيت المركزية، بالناس كلّ يوم.
لم تكن البيرة الخفيفة والمنعشة وحدها السبب، بل الطبق المرافق كان هو النجم الحقيقي: الدجاج المقلي.
جلدة مقرمشة بنكهة حارّة، ولحم فخذ ممتلئ شهيّ، وعصارة دافئة تملأ الفم عند أوّل قضمة، ثم بيرة باردة تغسل كلّ تلك الدهشة بطراوة.
وإن أضفتَ الخضروات المقلية التي يقدّمها صاحب المكان، فلا يمكنك إلا أن تواصل الشرب.
“هذا المكان لا يخلو من الزبائن أبدًا!”
“الساحة صارت تنبض بالحياة بفضلهم!”
“أتذكّر كم كان الوضع خطيرًا آنذاك…”
رجوا البيرة والدجاج، يتأملون ساحة فونيت التي يعبرها المارة.
كانوا يتذكّرون مراسم تتويج الإمبراطور قبل أشهر قليلة.
“من كان يظنّ أن العائلة الإمبراطورية نفسها تتعامل مع وحوش الظلام؟”
“ما زلت لا أصدق الأمر.”
مازال سكان فونيت يتذكّرون بوضوح ما حدث في تلك الساحة شتاءً.
الوحش الذي هاجم العاصمة كان تابعًا للعائلة الإمبراطورية التي هتفوا لها طيلة قرن!
وحين كُشف أن نوبات الجنون التي أصابت ذلك المجرم في الإحتفال كانت بفعل مارسيلوس، ازداد سخط الناس.
ووقع الغضب الأكبر على مركيز أتوود، الذي عرف الحقيقة وتغاضى عنها، فانتهى به المطاف في سجن ماينديف، بتهمة التواطؤ مع الظلام وتعريض المملكة للخطر.
“هل مايزال جلالته الجديد في الشمال؟”
“لماذا لا يعود إلى العاصمة؟”
“لو كنت مكانه، لما شعرت بالراحة هناك.”
ذلك القصر… عاش فيه جوهر الظلام نفسه.
ورغم تفتّح أوراق الربيع في كلّ مكان،
بقي القصر الإمبراطوري موحشًا وكأنّه لا يزال في عزّ الشتاء.
“قالوا إنّ الأمر بدأ بعد نهاية حرب الأربعين عامًا، أليس كذلك؟”
“يعني أنّ العائلة الأصلية عاشت قرنًا من التشويه والظلم! كم هو مؤلم! أنا لو كنت مكانه، لما قبلت أن أكون إمبراطورًا!”
“ومن قال أنّ أحدًا عرض عليك المنصب؟”
“آه، هذا ليس المقصود!”
كان تتويج الإمبراطور الجديد على الأبواب.
وكان الجميعومن أستير ، يحملون تجاهه شعورًا بالذنب.
عائلة ملعونة. عاشت قرنًا من الاضطهاد، ورغم ذلك، واجهت جوهر الظلام، وحمت فونيت.
أحد الرجال، وقد شعر بالحرج، جرع البيرة بسرعة.
“على أيّ حال، عليه أن يعيش هناك الآن. فهو أستير الحقيقي!”
الإمبراطور الحقيقي يستحقّ أعظم التقدير.
وانتقل الحديث بينهما تلقائيًّا إلى موضوع آخر.
“بالمناسبة، تلك… السيدة ميشلان…”
“أيّها الأحمق!”
صاح أحد الرجلَين بصاحبه:
“نادِها كما يليق! يجب أن تقول: السيدة إيثير!”
في تلك اللحظة، سُمع صوت أحدهم وهو يبصق البيرة من فمه في طرف الحانة،
لكن أحدًا لم يهتم، لأنّ ذلك كان يحدث كثيرًا هنا.
“إيثير؟ هذا مبالغة!”
“ألم تسمع ما قاله جوزيف؟”
كان واضحًا أنهما من زبائن متجر ساندويشات جوزيف، من طريقة ذكر اسمه.
“قال إنها تجسيد للعظيمة إيثير نفسها. وبصراحة، لو لم تكن موجودة، هل كنّا الآن نضحك ونأكل بهذا الشكل؟”
“صحيح… لا يمكن إنكار هذا.”
بعد عودة الإمبراطور وإيثير، صار الناس أقلّ هوسًا بالملح والفلفل.
اعترفوا أخيرًا بأنّهم لم يكونوا يتناولونهما للنكهة، بل كوسيلة للتعبير عن القلق والخوف من الوباء بعد الحرب.
وبعدما اندحر الظلام، بدأ ذلك الخوف بالتلاشي.
وقد قال البعض: “شعب أستير خرج من الظلام، ودخل أخيرًا زمن النور الحقيقي.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 86"