الفصل 84
كانت ساحة فونيت المركزيّة تعجّ بالنّاس الذين تجمّعوا لمشاهدة مراسم تتويج الإمبراطور الجديد، في مشهد نادر الحدوث.
كان النّبلاء، الذين ارتدوا أزياء التّتويج الرّسميّة، ينتظرون في أماكنهم المخصّصة بدء المراسم.
حضرت إيثيل المراسم بمفردها ممثّلةً عائلة الكونت ميشلان، نتيجة إصرارها على عائلتها التي لم تفهم سبب تمسّكها.
وجهت وجهها المتجهّم نحو حشد النّاس الذي يشبه سحابة كثيفة.
‘إذا أصبح مارسيلوس إمبراطورًا على هذا النّحو، فماذا سيحدث؟’
بعد أن سمعت من زوجة البارون روسلر عن جوانب مارسيلوس المختلفة، أرسلت إيثيل برقيّة إلى هيلدا على الفور.
كانت تبحث عن طريقة لتغيير مصير هذا البلد الذي يتأرجح كمصباح أمام الرّيح.
‘بهذه الطّريقة فقط سيظلّ إيلان آمنًا حتّى النّهاية.’
اليوم، كانت إيثيل تخطّط لاستعادة اسم أستير من مارسيلوس.
ربّما تأثّرت حالتها المزاجيّة بالريح دافعةً الغيوم، فكانت السّماء ملبّدة بالغيوم.
بينما كانت إيثيل تنظر إلى السّماء بعبوس مشؤوم، دوّى صوت أبواق صاخب من جهة القصر الإمبراطوري، وأعلن عن وصول موكب عربات مارسيلوس.
مع هتافات النّاس، فُتح باب العربة المزيّنة بفخامة.
أعلن الخادم، الواقف بجانب الكاهن الأعظم، عن ظهور الإمبراطور الجديد:
“إنّه جلالة الإمبراطور مارسيلوس أستير!”
تقدّم مارسيلوس، مرتديًا زيّ التّتويج الأبيض، مبتسمًا بانحناءة عينيه، نحو الكاهن الأعظم الواقف أمام المعبد.
هتف مواطنو فونيت وجميع النّبلاء باسمه وصفقوا له.
لكن إيثيل وحدها لم تستطع فعل ذلك.
مال الماركيز سويفت، الواقف بجانبها، برأسه قليلاً وقال:
“سيظنّ النّاس أنّكِ غريبة الأطوار، يا آنسة.”
“أنا دائمًا كنت شخصًا غريبًا، أليس كذلك؟”
“… سيدرك الجميع قريبًا أنّكِ كنتِ على حقّ.”
ابتسمت إيثيل بخفّة ونظرت إلى النّاس.
في الحقيقة، لم يكن يهمّها إن لم يتحقّق ما قاله الماركيز سويفت.
فقد يكون عصر حكم أستير المزيّف بالنّسبة للبعض هو العصر الذّهبي.
المنفعة أو السّعادة أمور نسبيّة تختلف من شخص لآخر، لكن هناك خطوط يجب ألّا تُعبر.
لم تكن إيثيل لتسمح لحيوان الظّلام، حارس الشّرّ، أن يسيطر على البشر.
اختارت هذه المراسم المزدحمة بالنّاس عمدًا، لأنّها أرادت أن يرى النّاس بأنفسهم أنّ مارسيلوس مزيّف.
كان ذلك سيمنح إيلان، أستير الحقيقي، مبرّرًا للعودة.
‘الآن، يجب أن يكونوا قد وصلوا جميعًا.’
أكملت إيثيل وهيلدا استعداداتهما.
وفقًا لسجلّات إيثير المتبقّية في الدّير، عندما كانت قوّة إيثير كاملة، لم يستطع الظّلام التّسلّل.
إذا امتلكت إيثيل القوّة الكاملة، ستتمكّن بالتّأكيد من إعادة كلّ شيء إلى نصابه.
‘وستُنزع تلك القشرة المنافقة أيضًا.’
تعلّقت عينا إيثيل بظهر مارسيلوس، الذي أنهى قسمه وتسلّم التاج.
بمجرّد أن يُوضع التّاج على ذلك الشّعر الأشقر المقزّز، ويمنحه الكاهن الأعظم بركته، سيصبح مارسيلوس سيد هذه الأرض.
استدارت إيثيل لتتوجّه إلى الدّير قبل فوات الأوان.
بدأ النّاس يتهامسون وهم ينظرون إلى السّماء التي اسودّت فجأة.
“ما هذا؟”
“هل ستمطر؟”
توقّفت إيثيل في مكانها ونظرت إلى السّماء.
كانت السّماء المغطّاة بالغيوم تتحوّل إلى سواد داكن.
لم تكن سحبًا عاديّة، بل مشهدًا للظّلام يتدفّق.
عبست إيثيل في تلك اللحظة بالذّات.
“ما، ما هذا؟”
“آه!”
“وحوش الظّلام!”
اكتشف النّبلاء القريبون أوّلاً الأشكال السّوداء التي تتسلّق جدران المعبد.
هرب النّبلاء، الذين اعتادوا التّصنّع بالرّقي، في حالة ذعر، وتبعهم العامّة في ارتباك مماثل.
“وحوش الظّلام؟”
“يقولون إنّها حيوانات الظّلام!”
“اللّعنة، هذا ليس وقت الهدوء! انظروا هناك!”
“آه، يا إلهي!”
تحوّلت السّاحة المركزيّة إلى فوضى عارمة في لحظات.
على عكس النّبلاء الذين هربوا، استدارت إيثيل مجدّدًا لتنظر إلى المتسبّب في هذه الفوضى.
كما توقّعت، كان مارسيلوس، المتوّج بالتّاج، يبتسم لها.
في يده، كان الكاهن الأعظم يتلوّى وهو يُخنق.
تقدّم الماركيز سويفت، ممسكًا بسيفه، ليحجب إيثيل.
“كيف تجرؤ على توجيه سيفك نحوي؟ كيف يجب أن أتقبّل هذا التّمرّد، يا ماركيز سويفت؟”
ضحك مارسيلوس ضحكة غريبة وهو ينظر إلى المشهد.
“حسنًا، عائلة الرّيح اللّعينة كانت منذ البداية تابعة لإيثير، أليس كذلك، يا آنسة؟”
تعلّقت عينا مارسيلوس المنحنيتان بإيثيل.
“أم أنّني يجب أن أناديكِ إيثير الآن؟”
“كما تشاء.”
ردّت إيثيل على استفزاز مارسيلوس بوجه متجهّم.
“إذًا، كيف يجب أن أناديك؟ جلالة الإمبراطور؟”
“ها! هاهاها!”
ضحك مارسيلوس ممسكًا ببطنه، ثمّ ألقى الكاهن الأعظم جانبًا واقترب خطوة من إيثيل.
“ناديني كما شئتِ. لا أعرف كم مرّة ستتمكّنين من مناداتي بعد الآن.”
“ما الذي تخطّط لفعله؟”
“حسنًا، ما رأيكِ؟”
ابتسم مارسيلوس، مكشّرًا عن أسنانه البيضاء.
على عكس ابتسامته المزيّفة المعتادة، بدا مستمتعًا حقًا، ممّا أثار القشعريرة.
سيفه بإحكام، لكنّ عيني مارسيلوس لمعتا في تلك اللحظة.
“آه…!”
“سيّدي الماركيز!”
سقط الماركيز فجأة، ممسكًا بصدره.
أمسكت إيثيل به في ذهول، بينما تظاهر مارسيلوس بخيبة الأمل وهو يتذمّر.
“… لا يعمل جيّدًا.”
“ما الذي تفعله؟”
“لقد سألتكِ عدّة مرّات، أليس كذلك؟”
في الظّلام المتزايد، لمعت عينا مارسيلوس الذّهبيّتان.
كانت عيناه، التي كانت تُمجّد كعيني إمبراطور أستير عندما وضع التّاج، تبدوان الآن كعيني وحش كامل.
“ما الجميل في أستير اللّعينه؟”
“ماذا؟”
“لو لم يسمحوا لي بالوجود منذ البداية.”
اقترب الشّكل الأسود، الذي كان يحيط بجسد مارسيلوس، من إيثيل ببطء.
تراجعت إيثيل متردّدة.
“لأنّ هناك نورًا، يوجد ظلام؟”
“…”
“كلّا. بدون الظّلام، لا فائدة للنّور. أنتِ، إيثير، تعلمين ذلك جيّدًا.”
“ما الذي تقوله…؟”
“دعينا نرى إن كان النّور الذي تحبّينه… سيشرق حتّى في وسط الظّلام القاتم.”
اقترب ظلام مارسيلوس حتّى وصل إلى عيني إيثيل.
عندما لامس كتفها، أدركت إيثيل غريزيًا أنّ مارسيلوس هو ‘جوهر الظّلام’.
جوهر الظّلام.
كلّما ازدهرت أستير ببركة إيثير، كان يُحصر في أبعد زوايا القارّة، حتّى انفجر في حرب الأربعين عامًا.
في نهايتها، تبادل الظّلام مكانه مع النّور.
كان ثمن حبس أستير في اللّعنة أن ينتقل جوهر الظّلام من جسد حيوان ظلام إلى آخر.
‘كيف دخل جسد إنسان…؟’
لم تفهم كيف استقرّ في جسد مارسيلوس، لكنّها بدأت تفهم تصرّفاته.
من رفضه تناول الفلفل أو الملح المستخدمين في طرد الشّياطين، إلى تحكّمه بحيوانات الظّلام ليصل إلى إيثيل في قلعة الدّوق الأكبر.
في تلك اللحظة، بينما كانت إيثيل مذهولة، مدّ مارسيلوس يده نحوها مجدّدًا، لكنّ شيئًا ما انتزع إيثيل فجأة.
“أيّها الذّئب اللّعين!”
صرخ مارسيلوس بغضب.
عندما استعادت إيثيل وعيها، كانت تركض خارج السّاحة على ظهر ذئب الغابة.
نظرت خلفها في ذهول، فوجدت إيلان، ممسكًا بسيفه، يواجه مارسيلوس.
“ما الذي يحدث بحقّ ؟”
بعد أن سُحب لوكاس إلى الدّير، وهو المكان المحظور على الرّجال، دون أن يعرف السبب، وصل إلى المذبح الدّائري تحت الأرض، فلم يعد يستطيع الصّبر وفتح فمه.
نظرت إليه ديرايلا وكايرا معًا.
تمتم لوكاس وهو يتلمّس الموقف:
“أعني… ألا يجب أن نكون في مراسم تتويج الإمبراطور الجديد؟”
في هذه اللحظة التي تُقام فيها مراسم التّتويج، كان من الغريب أن يكون أبناء العائلات الأربع الكبرى في قبو الدّير.
حتّى لو لم يكن الأمر ينطبق على ديرايلا أو مونتي، فإنّ لوكاس وكايرا، بصفتهما ورثة، كان يجب أن يكونا هناك.
لكن كايرا، وريثة عائلة الدّوق مور، استهزأت فقط.
“إذًا اذهب إلى هناك، لماذا أتيت معنا؟”
“لأنّ ديرايلا…!”
كاد لوكاس، الغاضب، أن يرفع صوته، لكنّه تنهّد بعمق.
أكملت ديرايلا كلامه:
“لأنّني قلت إنّني حامل، فتبعتني.”
“ماذا؟”
“ديرايلا!”
“لا تقل لي…”
تعلّقت أنظار كايرا ومونتي المذهولة بلوكاس.
تحوّل عنقه إلى اللّون الأحمر مثل شعره.
هزّت كايرا رأسها وهي تتمتم:
“أنتم… لهذا كنتم هكذا…”
“هذا صادم بكلّ المقاييس.”
“لماذا أنت هنا بحقّ السماء؟ ألا يجب أن تكون مع الدّوق الأكبر؟”
تمتم لوكاس بحرج، موجّهًا كلامه لمونتي.
قبل أن تردّ كايرا بحدّة، دوّى صوت هيلدا:
“من أجل حماية الدّوق الأكبر.”
تحوّلت أنظار الأربعة، الذين كانوا يتجادلون، نحو هيلدا التي ظهرت.
خلفها، ظهرت إيثيل بتعبير مذهول وصاحت بمونتي:
“هل كنت تعلم؟”
“ماذا… عما تتحدّثين؟”
أدركت إيثيل أنّ مونتي لا يعرف شيئًا، فاصفرّ وجهها أكثر.
“لقد عاد إيلان إلى فونيت. إنّه يقاتل الأمير الإمبراطوري الآن!”
التعليقات لهذا الفصل " 84"