تبيّن أنّ التسمّم الغذائي لم يكن مشكلة الإمبراطور وحده.
في غضون أيّام قليلة، بدأ التسمّم الغذائي ينتشر في مدينة فونيت بأكملها.
مهما كان الجوّ في فونيت دافئًا نسبيًا، فإنّ انتشار التسمّم الغذائي في منتصف الشتاء أمرٌ يصعب تصديقه.
بل إنّ الناس يتناولون الطعام مرشوشًا بالملح والفلفل بكثرة، فكيف يمكن أن يصابوا بالتسمّم الغذائي؟
نست إيثيل إرسال برقيّة إلى زوجة الماركيز سويفت، وحاولت جاهدةً معرفة سبب المشكلة، لكنّها لم تجد شيئًا ملموسًا.
في النهاية، قرّرت أن تجري تحقيقًا ميدانيًا بنفسها لمعرفة أسباب التسمّم.
في متجر الساندويتشات الخاص بجوزيف، الذي كان هادئًا بشكل غير معتاد بسبب التسمّم الغذائي، التقت إيثيل بمدام هيس ، التي ما إن رأتها حتى اُغرقت عيناها بالدموع.
“سمعت الخبر، يا آنسة. لا أعرف كيف أعزّيكِ…”
“سمعتُ أنا أيضًا. هل هناك أيّ أخبار أخرى؟”
كان صوت جوزيف مملوءًا بالقلق.
ابتسمت إيثيل عمدًا ابتسامة مشرقة وأجابت:
“لا شيء بعد. لكن ستأتي أخبار جيّدة قريبًا. لا داعي للقلق كثيرًا، يا مدام هيس . دورانتي سيكون بخير.”
“أجل، بالطبع. السيد الشاب سيكون بخير.”
على الرغم من علمها أنّ الأمور قد لا تكون كذلك، أكّدت مدام هيس بحرارة، وكأنّها تتمتم بتعويذة لنفسها.
عندما بدا أنّ جوزيف ومدام هيس سيعودان إلى الصمت الحزين، سارعت إيثيل بتغيير الموضوع:
“بالمناسبة، يقال إنّ التسمّم الغذائي ينتشر في فونيت هذه الأيام.”
“كيف عرفتِ؟ شخصٌ عاد من نورتون فجر اليوم…”
“أخبرني راينولد. استغربتُ أنّ المخابز لم تفتح أبوابها، فسألته.”
مثل بقيّة المخابز، فتح جوزيف متجره متأخرًا اليوم، وقال بعبوس:
“لا تذكريني. الفوضى عارمة، لا نعرف ما المشكلة. أصحاب متاجر الطعام يترقّبون بحذر.”
“لا تعرفون سبب المشكلة؟”
“أجل. حتّى جلالة الإمبراطور في حالة حرجة، لذا حاولنا جاهدين معرفة السبب.”
آلام البطن شائعة بين الناس العاديين، لكن أن يصاب الإمبراطور نفسه فهذا أمرٌ خطير.
لهذا السبب، أجرى جوزيف وتجّار المطاعم تحقيقًا مبكرًا.
“لكن في النهاية، قال الجميع إنّهم أكلوا أطعمة مختلفة، فلم نجد شيئًا.”
“حقًا؟”
شعرت إيثيل بخيبة أمل لا يمكن إخفاؤها عندما علمت أنّ التحقيق لم يُسفر عن شيء.
“إذن، كيف أصيب هذا العدد الكبير بالتسمّم الغذائي؟ في الشتاء… ما لم يأكلوا محارًا نيئًا…”
توقّفت إيثيل عن الكلام وعبست فجأة. كانت كلماتها عفوية، لكنّها عند التفكير بها لم تكن مستحيلة.
فونيت مدينة ساحليّة، وهناك الكثير من جامعي المحار. لكنّ المياه العادمة تتدفّق إلى البحر، لذا يجب غسل المحار جيّدًا وطهيه ليكون آمنًا.
“إذا كان المحار النيء…”
بدت مدام هيس وكأنّها تتذَكر شيئًا.
التفتت إيثيل إليها.
“هل لديكِ فكرة؟”
“ليس المحار النيء بالضرورة… لكن هناك شيء. أليس كذلك، يا سيد بيكرز؟”
أومأ جوزيف برأسه بقوّة وقال:
“الجميع أكلوا طعامًا نيئًا.”
“طعامًا نيئًا؟”
“محار، أصداف، لحم نيء، وما شابه. حتّى الخضروات كانت تؤكل نيئة تقريبًا.”
“لماذا يأكلونها نيئة فجأة؟”
أن يأكل أهل أستير طعامًا نيئًا أمرٌ كأنّ الشمس تشرق من الغرب.
كانوا يعتقدون أنّ تناول الطعام النيء سيؤدّي إلى كارثة، أليس هذا سبب إفراطهم في الملح والفلفل؟
“ما الذي جعلهم يفعلون ذلك؟”
سألت إيثيل بوجهٍ مرتبك حقًا.
تنهّدت مدام هيس بعمق:
“لقد هبّت ريحٌ بالفعل. لا أعرف إن كنتِ سمعتِ، لكن كريستيان أوتيرن نشر عمودًا في صحيفة فونيت اليوميّة.”
واصلت مدام هيس حديثها وهي تبدو كمن قضم ليمونًا مرًا:
“كلامٌ لا يستحقّ حتّى النظر إليه.”
لكن لم يكن الجميع يشاركونها الرأي.
كان عمود الكونت أوتيرن يُعتبر ريحًا جديدة في عالم الطعام في فونيت، وكان له تأثير كبير.
بدلًا من مدام هيس، التي كانت تكره أن تتحدّث عنه، أضاف جوزيف:
التعليقات لهذا الفصل " 75"