1
(م.م: مع بداية لرواية ظريفة ولطيفة جديدة أطلب منكم في بدايتها عدم تصديق ما يأتي ويورد فيها فهي مجرد خيالاتٍ واهيةٍ ضمنت من قبل المؤلفة غير مبينه على واقعٍ وان في الحقيقةِ الغيبُ لا يعلمهُ الا الله سبحانهُ.) استمتعوا….
الفصل الأوّل
“ادخلي.”
طَقّ.
تدحرج الجسدُ المدفوع فوق أرضيّةٍ حجريّةٍ باردة.
كم كانت الدفعة قويّةً، حتى إنّني لم أتوقّف إلّا بعد أن دُرتُ دورتين ونصفًا.
“مُضحك.
إن كنتِ حقًّا قدّيسة، فلماذا لا تُنقذين نفسكِ بنفسكِ؟
آه، لا تستطيعين؟
طبعًا لا، فأنتِ مزيفة.”
الرجل الذي تفوّه بهذه العبارة المبتذلة كان وليّ العهد بالدير رينهارت.
لا، بل أصبح إمبراطورًا الآن، أليس كذلك؟
لكنّ ذلك المنصب لن يدوم طويلًا.
لأنّ……
‘ما إن يمرّ هذا الليل، حتى تنهار الإمبراطوريّة.
بسبب غزو قبائل الشياطين.’
لكن مهما تحدّثتُ، لم يكن يُصغي أبدًا.
الحديث مع جدارٍ كان ليكون أنفع.
كتمتُ شتيمتي بصعوبة وفتحتُ فمي.
“جلالتك، هل ترغب فعلًا بالهلاك؟
عند منتصف هذه الليلة، سيفتح شرخٌ فوق القصر الإمبراطوري……”
“اصمتي!”
صرخ بالدير، وكأنّه لا يرى حاجةً لسماع بقيّة الحديث.
فرفعتُ صوتي أنا أيضًا، أعلى منه، علّ أحدًا يسمع.
“ألا يوجد أحد هناك؟!
العالم سينهار هذه الليلة!
يا إلهي!
سيُفتح الشرخ!”
“اصمتي يا ليانا!
لماذا هذا الإصرار؟
آه، فهمت.
هل كان هذا مخطّطكِ لتخريب مأدبة الاحتفال بالقدّيسة الجديدة، ولو بهذه الطريقة؟”
وعلى وجه بالدير، الذي كان يتمتم كالمجنون، ارتسمت فجأةً ابتسامةٌ باردة.
“كُفّي عن هذا المشهد القبيح، واختفي بنظافة.
سآمرُ خصيصًا بتعليق رأسكِ في أكثر الأماكن وضوحًا.
حتى أنتِ، لن تستطيعي إرجاع رأسٍ مقطوع، أليس كذلك؟”
ضحك بالدير بارتياحٍ وهو يستدير مبتعدًا.
‘ذلك المجنون…….’
كان إنسانًا بائسًا على الدوام.
منذ أن جاء فجأةً إلى المعبد متظاهرًا بتقديسي، كان الأمر مريبًا.
لكن انقلابه فور سماعه نبوءتي بقرب يوم الهلاك كان أفظع.
“هاه…….”
خرجت ضحكةٌ فارغة من شدّة العبث.
كان هناك شيءٌ خاطئٌ جدًّا.
نعم، كنتُ قدّيسة.
لكن ليس المعبد الرسمي وحده، بل حتّى أنا، كنتُ أشعر بأنّ هناك شيئًا غير طبيعي.
دعك من لقبي ‘القدّيسة المجنونة’، فقد بدا لي أنّ قدراتي نفسها ناقصة.
بحسب كتاب، فإنّ أعظم ثلاث قدرات تمتلكها القدّيسة هي:
أوّلًا، القدرة على رؤية المستقبل.
كنتُ أرى المستقبل أحيانًا.
وبفضل ذلك، لم يشكّ أحد في كوني قدّيسة، بل إنّ بالدير نفسه انبهر بتلك القدرة.
لكنّها لم تكن سوى لمحاتٍ مجتزأة من المستقبل.
ثانيًا، القدرة على العثور على الفارس وإيقاظه، لوقف الهلاك.
وفي النهاية، فشلتُ في العثور على فارسي.
اعتمادًا على دلائلَ باهتةٍ ظهرت لي في الأحلام، التقيتُ بالعديد من الفرسان والسحرة المشهورين،
لكن لم يكن أيٌّ منهم فارس النبوءة.
وأخيرًا، قدرة الشفاء.
كانت قدرة الشفاء مذهلة فعلًا.
لكن إن كان هناك عيبٌ بسيط……
‘فهو أنّ تلك القدرة الخارقة كانت محصورةً في جسدي وحده.’
نعم.
كانت قدرتي على الشفاء تُظهر قوّتها العظمى على نفسي فقط.
أمّا شفاء الآخرين، فلم يكن يتجاوز مستوى كاهنٍ عادي.
‘مجرد معالجة جروحٍ خفيفة أو آلام معدة، لا أكثر.’
ومع ذلك، ولحسن الحظ أو سوئه، لم يكن معظم الناس يعلمون بذلك، باستثناء كبير الكهنة.
فنادراً ما كانت القدّيسة تتولّى شفاء الإصابات بنفسها.
ولهذا أبقاني بالدير في مكانتي فترةً طويلة.
إلى أن ظهرت هي.
سيسيليا.
تلك التي ادّعت أنّها القدّيسة الحقيقيّة، وجاءت فجأةً إلى القصر الإمبراطوري بنفسها.
في البداية شكّ بها بالدير،
لكن ما إن بدأت سيسيليا تتنبّأ بوفاة أشخاصٍ معيّنين بدقّةٍ تفوق دقّتي،
حتّى زال شكّه وبدأ يثق بها.
وفي قصرٍ إمبراطوريٍّ مترهّل، ظهور قدّيسة حقيقيّة؟
هذا تمامًا……
‘فرصة تقاعد، أليس كذلك؟’
بصراحة، تحمّستُ قليلًا.
لو وافقت سيسيليا، لكنتُ سلّمتُ المنصب وغادرت فورًا.
لكن في أحد الأيام، جلست سيسيليا أمام القصر تبكي وتصلّي،
مطالبةً بمعاقبتي بتهمة انتحال صفة قدّيسة.
وفي نهاية المطاف، انهارت سيسيليا من الإعياء ليلة أمس،
ووقف بالدير إلى جانبها.
‘كلاهما مجانين…….’
وهكذا، تحطّمت إنسانيّتي.
فانتحال صفة قدّيسة، بحسب قانون الإمبراطوريّة، جريمةٌ كبرى عقوبتها الإعدام.
بعدها، سارت الأمور بسرعة.
ما إن صدر الأمر الإمبراطوري، حُملتُ إلى غرفة التعذيب،
وتعرّضتُ لشتى أنواع التعذيب.
كان تعذيبًا بلا معنى.
فبسبب قدرة الشفاء التلقائيّة،
لم يكن الألم الحقيقي يصل إليّ، مهما بقيت الآثار.
ويبدو أنّ جلّادي التعذيب أدركوا ذلك سريعًا،
فتوقّفوا،
وزُجّ بي مباشرةً في سجن القصر تحت الأرض.
وقيل إنّ تنفيذ الحكم سيكون صباح الغد.
عند هذا الحدّ، تسلّل إليّ سؤال.
‘من أين بدأ الخطأ؟’
هل كان الخطأ منذ أن قلتُ، في اختبار الموهبة بالمعبد، ما رأيته حرفيًّا؟
رأيتُ في الرؤيا جناحين عملاقين يلمعان بشكلٍ مُذهلٍ.
فلم أفعل سوى قول الحقيقة،
لكنّ كبير الكهنة أعلنني قدّيسة.
لاحقًا فقط، علمتُ من كتاب نبوءةٍ سريّ لا يطّلع عليه سوى كبير الكهنة،
أنّ الكهنة العاديّين يرون ريشةً بيضاء،
وأصحاب الموهبة العليا يرون صقرًا أبيض،
ويختلف العدد بحسب القدرة.
أمّا الجناحان العظيمان،
فلا يظهران إلّا لمن يحمل موهبة القدّيسة.
“كان عليّ أن أكذب وأهرب……
أيّ مجدٍ أو ثراءٍ كنتُ أبحث عنه؟”
تمتمتُ بسخرية،
وفي تلك اللحظة……
“ذلك الكلام……
هل هو صحيح؟”
من زاوية الجدار المقابل،
من ظلامٍ لم يصل إليه ضوء القمر،
وصلني صوتٌ منخفضٌ عميق.
كان هناك شخصٌ آخر في هذا السجن.
ولم أشعر بأيّ أثرٍ لوجوده.
“من أنتَ؟”
“سألتكِِ إن كان كلامكِِ صحيحًا.
هل سيفتح شرخٌ فوق القصر عند منتصف الليل؟”
سألني باندفاع، دون أن يكشف عن هويّته.
وما أهميّة من يكون؟
فكلّ شيءٍ قد انتهى.
“نعم، صحيح.”
“ها……
هاها.
هاهاها.”
بدأ يضحك فجأة،
ثم تبع الضحك صوتُ اختناق،
وتقيّأ شيئًا ما.
تناثرت بقع دمٍ قانية على الأرض التي لامسها ضوء القمر.
ما إن رأيتُ الدم، حتّى اقتربتُ منه بلا وعي.
كانت عادةً مهنيّة.
رغم ضعف قدرتي على شفاء الآخرين،
أردتُ أن أفعل أيّ شيء.
“دعني أرى.”
طَقّ—
لكنّ يدي توقّفت قبل أن تلامس جبهته،
إذ أمسكها يدٌ كبيرة أخرى.
رفع الرجل نظره ببطء.
وحين انسدل ضوء القمر على وجهه،
خرج منّي صوتُ دهشةٍ دون قصد.
عينان زرقاوان حادّتان،
يتماوج داخلهما بريقٌ ذهبي.
ندبةٌ واضحة على جسر الأنف،
وشعرٌ أسود داكن.
كان ينظر إليّ بهدوء،
رجلٌ يحمل كلّ صفات فارس النبوءة الذي بحثتُ عنه طويلًا.
“ألا توجد طريقة لإيقافه؟”
‘ما هذا الرجل……
لا تقل إنّه.’
بدأ صوت دقّات قلبي يعلو على غير العادة.
فتحتُ فمي وكأنّني مسحورة.
“فارس النبوءة وحده سيقطع عين الهاوية.”
“فارس النبوءة؟”
“في المستقبل الذي رأيته،
هو من أغلق الشرخ،
وقضى على جميع قبائل الشياطين.”
“وأين هو الآن؟”
في اللحظة التي نطق فيها،
وقد كان صوته مشبعًا بالغضب،
أدركتُ ذلك حدسًا.
وسرى الارتعاش في جسدي.
إنّه هو.
هذا الرجل بلا شك.
هو فارس النبوءة الذي كان عليّ أن أوقظه.
“إنّه……”
كنتُ على وشك أن أقول: أنت.
لكنّني رأيتُ ذراعه اليسرى وساقه اليمنى مقطوعتين.
مشهدٌ مروّع.
وكان بطنه مغمورًا بالدم من جرحٍ عميق.
فات الأوان.
لا يمكنني أن أقولها.
فحتّى لو كنتُ أملك قدرةً عظيمة على شفاء الآخرين،
لا يمكنني إعادة أطرافٍ مفقودة.
ولو أخبرته الآن بأنّه فارس النبوءة،
فلن أزيده إلّا ألمًا.
ففي المستقبل الذي رأيته، كانت أطرافه سليمة……
‘تبًّا…….’
لقد فشلتُ حقًّا.
“لا يوجد.”
أغمضتُ عيني بقوّة،
وضعتُ يدي على بطنه.
لن أستطيع إنقاذه،
لكن على الأقل يمكنني تخفيف ألمه.
انساب نورٌ أبيض من يدي إلى جسده.
وما لبث تنفّسه المتوتّر أن هدأ.
“أنتِ……
هل أنتِ حقًّا قدّيسة؟”
“لا أدري.
لو كنتُ قدّيسةً حقيقيّة،
لما انتهى بي الأمر في السجن يوم الهلاك.”
“أفهم.”
وعلى غير توقّع، ابتسم قليلًا.
كان وجهه، وقد تحرّر من الألم، جميلًا.
لماذا لم ألتقِ به من قبل؟
حتّى الآن، وقد صار كلّ شيء بلا معنى،
ظلّ السؤال يراودني.
“من أنت؟
ولماذا أنتَ مسجون هنا؟”
اتّجهت عيناه إليّ ببطء.
صمت لحظةً، ثم قال:
“أنا كاليكس رينهارت.
سُجنتُ بتهمة أنّ وجودي بحدّ ذاته جريمة.”
“رينهارت.”
في هذه الإمبراطوريّة،
لا يحمل هذا اللقب إلّا أفراد العائلة الإمبراطوريّة.
“توقّعكِ صحيح.
أنا الابن غير الشرعي للإمبراطور السابق،
عشتُ عمري كلّه في الظلّ.
ويبدو أنّ ذلك لم يكن كافيًا،
فانتهى بي الحال هكذا.”
ابتسم كاليكس بسخرية.
كنتُ قد سمعتُ شائعةً عن وجود ابنٍ غير شرعيّ مخفيّ في عائلة رينهارت،
لا يُظهر هويّته أبدًا.
فلم أتخيّل أنّه فارس النبوءة.
‘هكذا إذن.’
أنا، التي لم تكن تلتقي الناس إلّا عبر الطقوس الرسميّة بصفتها قدّيسة،
لم يكن لي أيّ فرصةٍ أصلًا لرؤيته.
‘لا عجب أنّه لم يظهر أبدًا.’
اللعنة.
كيف كان يُفترض بي أن أعثر عليه في مثل هذه الظروف؟
رفعتُ نظري بحنقٍ إلى سقف السجن.
“وأين كان هذا الظلّ؟
لا، كيف عشتَ؟”
رفع زاوية فمه، وكأنّه استغرب سؤالي.
“حين كنتُ في الظلّ……
عشتُ قائدًا لفرقة مرتزقة.
وبالطبع، كنتُ أستخدم لقبًا آخر.
كانوا ينادونني غالبًا: الصقر الأسود لهيـنِس.”
“الصقر الأسود لهينِس؟!”
حين سمعتُ الجواب الذي بحثتُ عنه طوال حياتي،
شعرتُ بفراغٍ غريب.
فمكان مرتزقة هينِس لم يكن بعيدًا عن المعبد العظيم الذي كنتُ أقيم فيه.
وكانت شهرة فرقة مرتزقة هينِس معروفة.
عندها،
بدأتُ أظنّ أنّ نهاية هذا العالم هي الدمارُ فقط.
“كحّ!”
سعل كاليكس،
وتقيّأ دمًا.
وفي تلك اللحظة،
رأيتُ الحياة تنطفئ من عينيه بسرعة.
وضعتُ يديّ على صدره على عجل.
“انتظر قليلًا.”
قرّرتُ أن أبذل كلّ ما تبقّى لديّ من قوّة،
اعتذارًا عن تأخّري في العثور عليه.
فأنا ميتةٌ غدًا على أيّ حال.
تمنّيتُ فقط أن يرحل دون ألم.
كانت إصاباته أعمق ممّا توقّعت.
حين دفعتُ قدرتي إلى ما وراء حدودها،
اندفع الدم من داخلي،
لكنّني لم أتوقّف.
“لماذا……
تفعلين هذا من أجلي؟”
قال كاليكس بعينين مرتجفتين.
وفي تلك اللحظة،
وضعتُ شفتيّ برفقٍ على شفتيه.
قبلة القدّيسة وحدها توقظ فارس النبوءة.
كان طقس الإيقاظ قد فات أوانه.
لكنّي أردتُ التكفير، ولو هكذا.
ما إن تلامست الشفاه،
حتّى اجتاح جسدي إحساسٌ عنيف.
إحساسٌ لم أعرفه من قبل.
ثم بدأ الصوت من حولي يبتعد تدريجيًّا.
ثمنُ استنزاف الحياة بالقوّة كان حلول الفناء.
وبعد قليل،
انعدم الصوت تمامًا،
وتحوّل بصري إلى بياضٍ ناصع.
خرجت منّي ضحكةٌ واهنة.
‘هكذا أموت إذن.
دون أن أنقذ أحدًا.’
وفي تلك اللحظة،
ظهر أمام البياض جناحان عظيمان،
مثلما رأيتُ يوم اختبار الموهبة.
لكن الغريب أنّهما لم يكونا زوجًا واحدًا،
بل زوجين منهما الأن.
“ها……؟”
ما إن نطقتُ بدهشة،
حتّى بدأ مشهدٌ مألوف يتشكّل ببطء،
كما لو رُسم على صفحةٍ بيضاء.
قاعة المعبد العظيم،
تغمرها أشعّة الشمس البيضاء.
وكان كبير الكهنة، بوجهٍ مهيب، يسألني:
“حسنًا يا ليانا.
ماذا رأيتِ في الرؤيا؟”
نظرتُ حولي ببطء.
‘هاه؟
هذا المكان……’
نعم.
بلا شكّ.
لقد عدتُ.
إلى لحظة اختبار الموهبة في المعبد العظيم.
التعليقات لهذا الفصل " 1"