4
إذا كان إيغبرت قد قرأها بشكلٍ صحيح، فإنّ وريث بنك غراهام قد تغيّـر.
“ما، ما هذا الهراء!”
قفز إيغبرت من مكانه و ألقى بالجريدة جانبًا.
قال جينس بأسلوبه الرسميّ المعتاد:
“كما رأيتَ. لقد تغيّـر مالك بنك غراهام. و بموجب وصيّة السّيّد غراهام الرّاحل، انتقلت كلّ الحقوق في البنك إلى الآنسة أنايس بارنابي. و الآنسة أنايس لا ترغب في أن يمارس الماركيز أيّ سلطة في البنك”.
“لا تتحدّث بالهراء! كيف يمكن أن ينتقل البنك إلى يـد تلكَ المرأة! هل فقـدَ جدّي عقله و تركه لها بدلًا منّي؟ لم أكن أعلم حتّى! هل هذا منطقيّ؟»
صرخ إيغبرت بأعلى صوته.
كان وجهه أحمرَ مشتعلًا، و هو يركل الطّاولة غاضبًا في منظر بشع.
رفعَ جينس نظّارته الأحاديّة. ثمّ أخرج من حقيبته وصيّة السيد غراهام، و وثائق العقود المتعلّقة بالإجراءات التي مـرّ بها بنك غراهام خلال الأسبوع الماضي، و وضعها بشكل مرتب على الطّاولة.
“كان هناك بنـد سري في الوصيّة التي تركها السّيد غراهام الرّاحل. بالطّبع، كان هناك بنـد استثناء أيضًا. شرط أن تُلغى كلّ الوصايا إذا استمرّ الزّواج”.
“هـ ، هـ ، هـذا!”
مسح إيغبرت الطّاولة بيـده. فسقطت الأدوات بصوتٍ مدوٍّ و تحطّمت. نظر جينس إلى إيغبرت بعينين هادئتين.
طارت الوصيّة و غيرها من الأوراق في الهواء.
“إذن، أنتم جميعًا تواطأتم ضدّي ! هل جننتم؟ ألم يكن يجب عليكَ أنـتَ على الأقلّ أن تمنع ذلك العجوز المجنون من فعل شيء كهذا؟”
“أنا موظّف في عائلة غراهام. لقد قمت بمعالجة الطّلب بضفتي تابعًا فقط، أيّها الماركيز”.
أخرجَ جينس مظروفًا من حقيبته و وضعه على الطّاولة.
“و بالنّسبة لي، أريد الاستقالة اعتبارًا من اليوم”.
“أيها الوغد المجنون!”
انطلقت شتائم لا يطاق سماعها.
استمع جينس إلى كلّ ذلكَ بتعبير خالٍ من المشاعر و تركه يمـرّ من أذنٍ و يخرج من الأخرى.
“أنـتَ! لقد تواطأت مع تلكَ اللّعينة! أيّها القذرون. و الآن تأتون بوقاحة لتقولوا هذا الهراء! أعيدوا البنك فورًا!”
“كان واجبي يقتصر على تسليم الوصيّة”.
نهض جينس من مكانه و عدّل ملابسه.
قبل أن يغادر هذا المكان، نظر إلى إيغبرت للمرّة الأخيرة بعينين حزينتين. إلى ذلك المنظر البائس و الفوضويّ.
“إذن، الوداع”.
ترك جينس صراخ إيغبرت المشوب بالشتائم خلفه و استدار. لن يضطرّ بعد الآن لرؤية ذلك المنظر.
“أوغاد !”
أيقظت الشتائم صباح عائلة غراهام.
* * *
“همم، همم♪♪”.
خرجت أغنية من فمي تلقائيًّا.
تمّـت معالجة الوثائق بشكل نظيف، و سقط بنك غراهام في يديّ أخيرًا. كان ذلك ثمن تحمّلي لكلّ الإهانات خلال الثّلاث سنوات الماضية بجانبِ إيغبرت.
‘امرأة كالحجر. كلّما أرا وجهـكِ تبرد مشاعري أيضًا. ماذا تفعل امرأة لم تقم بواجباتها نحو زوجها حتّى في العائلة أصلًا؟’
كان كلّ يوم إهانة لها.
كان هناك مَـنٔ سكب الخمر عليّ أمام النّاس.
‘انظري! الآن فقط أصبحتِ مقبولة قليلًا. تسك ، تملكين الجرأة رغم أنّـكِ لا تحظين بحبّ زوجكِ حتّى’.
في إحدى المرّات، طُردتُ من القصر بملابس النّوم.
‘لا تظهري أمام ناظري و ابقي كالفأر الميّت. لا تعيقي وقتي الممتع!’
كان ذلكَ اليوم الذي دعـا فيه أصدقاءه المقرّبين و العاهرات لحفلة قذرة.
في تلكَ اللّيلة، نمـتُ في غرف الخادمات اللواتي أشفقن عليّ.
لن أنسى نظرات أصدقائه الذين كانوا يتفرّجون عليّ و أنا مطرودة بملابس النّوم.
‘جسـدكِ أفضل ممّا كنتُ أظنّ؟ ماركيزة، يبدو أنّني أستطيع أن أقدّم لكِ خدمة. ما رأيكِ بذلك؟’
لقد تحرّرتُ من ذلك الوغد الذي لا يشبه جدّه النّبيل و الأنيق أبدًا.
تذكّرتُ منظر جدّي قبل وفاته مباشرة.
كان ذلكَ بعد شهرين فقط من الزّواج، اليوم الذي تلقّيتُ فيه الوصيّة.
‘هل ستعطيني البنك حقًّا؟ جدّي، ألا يجب أن تُعالَج؟’
‘على أيّ حال، إذا انتقل إلى يد إيغبرت سيصبح ورقًا مهملًا. إنّه بنكٌ بذلتُ فيه شبابي كلّه. بدلًا من رؤيته يُدمَّر، من الأفضل أن يذهب إلى يـدكِ أنـتِ’.
‘جدّي ، أنـتَ قاسٍ جدًّا عليه. إيغبرت يبذل جهدًا أيضًا. هل أنـتَ متأكّد من قراركَ؟’
‘سيحدث هذا بعد موتي على أي حال، فلماذا أهتم؟’.
كان في مكتب جدّي رائحة خشبيّة ثقيلة. و كان تعبيره الماكر وهو يبتسم لي واضحًا.
كنتُ أعتقد أنّ الزّواج لن ينتهي أبدًا، لذا فإنّ هذه الوصيّة لن تكون ذات معنى.
‘أنـتِ تحفة فنّيّـة. حتّى لو سقطت عائلة ماركيز غراهام، احفظي بنك غراهام. اسمي سيبقى في التّاريخ مع البنك’.
أزاح صوت جدّي كلّ الأفكار.
في ذلك الوقت، أمسكتُ يـد جدّي و قلتُ نعم. و عشتُ الثّلاث سنوات الماضية و أنا أتذكّر هذه الوصيّة فقط.
“البنك ملكـي أنا، إيغبرت”
كأنّ صراخ إيغبرت كان يرنّ في أذنيّ.
* * *
هـزّ خبر تغيّر مالك بنك غراهام ليس فقط القطاع الماليّ بل عالم السّياسة و الأعمال بأكمله.
ألم يكن البنك الوحيد الذي يحمل اسم ملكي خلال الخمس سنوات الماضية؟
بالإضافة إلى ذلك، كان كلّ مَنٔ يدير ممتلكات كبيرة يضع قدمًا في بنك غراهام.
بعد الخبر الصّادم، اختفت أنايس بارنابي لمدّة خمسة أيّام، ثمّ ظهرت في حفل خيريّ استضافه بنك غراهام.
كانت أنايس قد أقامت الحفل باسمها.
“تلك الحقيرة اللّعينة. أخيرًا تظهر وجهها”.
كان إيغبرت غراهام من بين الحاضرين.
تجمّع النّاس في قاعة الحفل متوقّعين الحدث الذي سيحدث في ذلك اليوم.
“لقد ظهرَ الماركيز حقًّا”.
“لا يمكن إلّا أن تكون فضيحة القرن! أن يُسلب البنك كاملًا من عائلة الماركيز”
“يقولون إنّ الشخص الغني يستمر لثلاثة أجيال حتّى لو سقط؟ لن تنتهي غراهام لمجرد فقدان البنك”.
“لكنّهم فقدوا أعمالًا مربحة كاملة، هل سيبقى كبرياء غراهام صامتًا؟ هيّا ندخل. اليوم سيكون مثيرًا جدًّا”.
كان الجميع متحمّسين. لم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا حتّى تمتلئ القاعة الكبيرة التي استأجرها بنك غراهام.
* * *
“هذا الثّوب الأوّل من نوعه. هل يبدو جيدًا، إيلا؟”
“آه، بالطّبع! أيّ فستان ترتدينه سيبدو كأجنحة، يا آنسة؟”
شعرتُ أنّ قلقي يخفّ قليلًا بفضل مديح إيلا. كان تصميمًا يتبع الموضة الحاليّة، يكشف الصّدر بسخاء و بتنورة منفوشة بغزارة.
تصميم لامع و جميل لم أرتدِه أبدًا خلال دراستي في الأكاديميّة أو حياتي الزّوجيّة مع إيغبرت غراهام.
كنتُ دائمًا أفضّل الفساتين الرّماديّة ذات الياقة الملغقة حتّى الرّقبة، و أرفع شعري بشكلٍ أنيق. لم أرغب في جذب أنظار النّاس، خاصّة الرّجال.
خلال دراستي في الأكاديميّة، كانت الأنظار تتّجه إلى الطّالبات النّساء النّادرات، و خلال الحياة الزّوجيّة……
‘انظري إلى صوفيا! يجب أن ترتدي على الأقلّ مثل هذه الملابس من أجل جذب الرّجال. كلّما رأيت ملابسكِ أشعر بالكآبة!’
تذكّرتُ شيئًا لا داعي له.
على أيّ حال، لهذا السّبب لم أرغب في ارتدائه أكثر.
لديّ عينان أرى بهما، فهل يظن أنني كنتُ غافلة عن مثل هذه الملابس؟
لمستُ بأطراف أصابعي الثّوب الأيفوريّ اللامع. كان فستانًا أنيقًا يكشف خطوط الجسم بوضوح. مع مجوهرات وأحذية تتناسب معه.
“كلّ مَـنْ سيحضر الحفل اليوم سينبهر عند رؤيتكِ، يا آنسة”
عانقتني إيلا ثمّ أطلقتني.
كانت الشّخص الذي بقي بجانبي منذُ الطّفولة، و خلال كلّ تلكَ الإهانات التي كنتُ اتعرض لها في عائلة الماركيز غراهام.
رأيتُ دموعًا تتلألأ في عيني إيلا.
“لماذا تبكين؟ في يوم جميل كهذا”.
“نعم. هذه الدموع تعني أنّكِ ستستمرّين في التقدّم، يا آنسة. أتمنّى أن تعيشي الأيّام التي حلمتِ بها دائمًا. لتكن بركة إلغريم معـكِ”.
ربـتُّ على كتف إيلا.
نعم، لتكن بركة إلغريم معنا.
لأتمكّن من تحقيق انتصار قويّ في ساحة الحرب الجديدة التي تبدأ اليوم.
لئـلّا تأكلني أيّ إهانة أو غضب بعد الآن.
صلّيتُ أنا أيضًا بكلّ إخلاص.
التعليقات لهذا الفصل " 4"