لتشير إلى أن العاصمة في خطر، هذه المرة من حريق كبير.
فتح الناس النوافذ بذعر ليُستقبلوا بمنظر الدخان والرماد في الهواء.
لإنقاذ حياتهم، أمسكوا بأي شيء يمكنهم وهربوا تاركين منازلهم…
ممتلكاتهم…
وإنجازات حياتهم…
عندما وصلت إلى ضواحي العاصمة، كان المشهد مرعباً.
كان الهواء كثيفاً برائحة الخشب المحترق، ومزيج من المعدن المنصهر والقطران ورائحة أخرى لم يجرؤ أحد على تسميتها.
كانت الحرارة لا تُحتمل و الكارثة سرقت الحياة من وجوه الناس.
وجوه الناس كانت مغطاة بالرماد، وشفاههم جافة بسبب الحرارة.
كان الأطفال يبكون بلا توقف.
الأمهات ينادين أسماء أطفالهن الذين فقدوهم أثناء محاولة الهروب.
والرجال كانوا يحاولون إطفاء الحريق بدلاء الماء ومضخات المياه، لكن دون فائدة.
لم يكن هناك مكان آمن، وكان الحريق ينتشر بمعدل مخيف.
في حالة الحرائق الكبيرة، يمكن أن تصل درجة الحرارة إلى 600 إلى 1100 درجة مئوية، وهو ما يكفي لحرق الخشب في غضون ثوان.
تذوب النوافذ إلى سائل في غضون دقيقتين.
الحديد والصلب الذي نستخدمه لدعم منازلنا سيلين ثم يتشوه مما يؤدي إلى انهيار المبنى بأكمله.
لا أستطيع تصديق أنني الليلة الماضية كنت أعتقد أن مشاكل حبي هي أكبر شيء في العالم.
رؤية كيف يكافح الناس حتى لإنقاذ حياتهم، كان بمثابة صحوة لي.
هناك أشياء في الحياة لا يمكنني السيطرة عليها.
على الرغم من أنني لست ساحرة أو مسعفة، حاولت المساعدة بأي طريقة ممكنة.
بعد أخذ إذن من والدي، استخدمت عربات عائلتي لنقل الناس خارج منطقة الخطر، ولتوصيل الإمدادات العاجلة إلى المخيمات التي أقامتها العائلة الملكية في ضواحي المدينة.
لكن رغم جهود الجميع، لم ينجح شيء.
كان لدينا سحرة الماء في حالة استعداد يعملون دون توقف، وكان الناس يساعدون في الإخلاء.
لأنها المرة الأولى التي يبدأ فيها حريق بهذا الحجم لم يكن لدى أحد خطة.
مرت ساعات منذ اندلاع الحريق ولم تكن هناك علامة على أنه سيتوقف في أي وقت قريب.
تحدثت مع قسم الطوارئ في برج السحر لمحاولة التوصل إلى حل، لكنهم أخبروني بشيء مخيف.
لا فائدة من محاولة إيقاف حريق بهذا الحجم، علينا فقط إنشاء حاجز حتى لا ينتشر الحريق أكثر والانتظار حتى ينطفئ الحريق بنفسه.
‘حاجز ضد النار؟ حاجز ضد النار؟’ استمررت في السؤال و أنا أمشي ذهاباً وإياباً في الخيمة وفجأة حصلت على فكرة.
إنها طريقة قديمة ولست متأكدة من أنها ستنجح، لكن من الأفضل المحاولة بدلا من الانتظار المدينة التي احبها تحترق كاملاً.
طلبت رؤية الملك على الفور، للموافقة على خطتي، ومُنحت الاذن لرؤيته على الفور.
لحسن الحظ، لا يبدو الملك من النوع الذي يحمل ضغينة ضد الناس، ورغم ما حدث في المرة الماضية، كان مستعداً لسماعي طالما يمكنني إصلاح المشكلة.
“جلالتك، هناك شيئان يمكننا فعلهما لوقف انتشار الحريق”، قلت بوتيرة سريعة.
“تحدثي”، رد ووضع يده تحت ذقنه.
كان الملك هنا منذ الصباح، يأمر الناس ويراقب الوضع، بينما ابنه ولي العهد لم يُرَ في أي مكان.
“نحتاج إلى كربونات الصوديوم المعروفة عادة باسم رماد الصودا، وعادة ما تُستخدم في صناعة الزجاج وصنع الصابون، ستساعد في إطفاء الحريق أفضل من الماء العادي، و…”
“وماذا؟”
“قد يبدو هذا غبياً لكننا بحاجة إلى بطانيات صوف خام، يجب علينا خياطتها معاً وترطيبها وتغطية جانب المنازل التي تواجه الحريق، الصوف سيمتص الحرارة ويخلق درعاً واقياً رطباً.”
“تقصدين أنك تريدين مني استخدام منتجات مصنع الصوف في الجنوب؟”
كما هو متوقع، فهم الملك على الفور، ولم يبقَ سوى الحصول على موافقته.
“افعلي ما هو ضروري”، رد بتنهيدة.
إنتاج الصوف يوفر 15٪ من دخل البلاد والتخلي عن ذلك ليس بالأمر السهل حتى على الملك، لكنه لا يزال أفضل من ترك المدينة بأكملها تحترق.
بمجرد أن وافق الملك على طلبي، فرحت وأردت الركض لتنفيذ الأمر لكن الملك ناداني.
“السيدة أناستازيا”، نادى الملك بنبرة هادئة.
“نعم…” رددت مرتبكة تماماً.
“شكراً لك.”
اتسعت عيناي وصُدمت من سماع الملك يشكرني شخصياً.
“لم أقم بشيء يذكر ، لقد خدمت بلدي فحسب”، أجبت ثم انحنيت بابتسامة.
سماع الملك يشكرني جعلني أكثر حماساً بشأن تنفيذ خطتي، وأدرت جميع التفاصيل.
كان الحريق مخيفاً، لكنني عملت مع الفريق للمساعدة في وضع البطانيات وتوجيه سحرة الرياح لنشر كربونات الصوديوم في الارجاء.
استغرقت الخطة وقتاً طويلاً للتنفيذ وبحلول الوقت الذي انتهينا فيه من إقامة الحاجز كان الفجر قد اقترب.
كنا جميعاً متوترين بينما اقترب الحريق أكثر فأكثر من المنازل التي غطيناها ببطانيات الصوف الرطبة.
شاهدنا بينما لمس الحريق الحاجز ثم توقف.
صحيح أن الحريق لايزال مستمراً، لكننا أوقفنا انتشاره والآن نستطيع التركيز على إطفائه.
بما أن الخطة نجحت، تحمس الجميع وبدأوا العمل بجد أكبر من ذي قبل.
رغم التعب، كان الجميع يبذلون قصارى جهدهم.
كانت الحرارة لا تُحتمل، والهواء خانقاً، لكننا كنا نرى نتائج للمرة الأولى منذ أمس، لذا واصلنا.
وأخيراً بحلول الساعة العاشرة صباحاً، انطفأ الحريق تقريباً.
قررت العودة إلى المخيم لأريح عيني قليلاً.
كل عضلة في جسدي كانت تؤلم بشدة، لكنني كنت فخورة بما فعلته.
خرجت من العربة ونظرت الى لأسفل انضف ملابسي من الغبار، لكن شخصاً ما اقترب مني ووقف أمامي مباشرة.
رفعت رأسي وكان ثيودور، ابتسمت بمجرد أن رأيت وجهه، لكنه بدا غاضباً حقاً.
“هل أنت مجنونة، هل تريدين الموت لهذه الدرجة؟” سأل بتعبير حزين على وجهه.
“لا، أردت فقط المساعدة…”
“أنت مجرد محاسبة”، صرخ علي مقاطعاً. “لماذا تفعلين دائماً أكثر مما يُطلب منك؟”
“لا تكن لئيماً، كنت أحاول المساعدة فحسب”، صرخت عليه بالمقابل.
كنت أتوقع أنه سيصرخ علي بالمقابل، لكنه اقترب ووضع رأسه على كتفي.
“لا تخيفيني هكذا مرة أخرى”، قال بنبرة منخفضة.
كانت رقبتي تدغدغ بسبب شعره الناعم، وكان بإمكاني شم رائحة السجائر عليه.
جعل ذلك قلبي يرفرف، وكنت بالكاد أمسك نفسي من معانقته بالمقابل.
لدهشتي، لم يتركني كالعادة أو يعود الى طبيعته الباردة، بدلاً من ذلك أخذني إلى خيمته.
أحضر منشفة مبللة وبدأ يمسح وجهي، يبدو أنني لم أدرك أن هناك بقع سوداء على وجهي من رماد الحريق، حتى أنه مسح يدي.
للمرة الأولى كنت عاجزة عن الكلام، ولم أستطع التفكير بشكل صحيح، جلست هناك فقط مثل تمثال، بينما كان يعتني بي.
كان الجو غريباً، وبدا ثيودور عاطفياً على عكس عادته.
‘ربما يجب أن أستغل هذه اللحظة.’ فكرت في نفسي، لكن قبل أن أتمكن من القيام بأي حركة عليه، دخل شخص ما الخيمة دون إعلان.
“عذراً، يبدو أنني أفسدت لحظة رومانسية”، قال الملك بابتسامة كبيرة.
ابتعد ثيودور عني على الفور وبدا محرجاً.
بدأ الملك يضحك عندما رأى رد فعل ثيودور.
“سأكون سريعاً وأخبرك بما جئت لأقوله”. توقف الملك للحظة ثم واصل، “ثيودور، بفضلك وبفضل خطيبتك العاصمة آمنة وكعلامة امتنان سأدعك تقيم زفافك في قاعة الزمرد الملكية هذا الربيع وسأتحمل جميع النفقات.”
التعليقات لهذا الفصل " 22"