جلست غلوريا منكمشة على سريرها، تُحدِّق من النافذة التي تتساقط عليها زخّات من الثلج الممزوج بالمطر.
لعلّ الطّقس الكئيب هو ما جعل مزاجها غارقًا في الكآبة بلا نهاية.
وبينما كانت تحدّق في رقاقات الثلج التي لا يبدو أنّها ستتوقّف، دفنت وجهها في ركبتيها.
‘لم أُرِد أن يُكشَف أمري…’
كانت تدرك أنّه لا بدّ أن تُفصح في يومٍ ما، لكنّها لم تتوقّع أن يحدث ذلك بهذه السّرعة.
‘لا بدّ أنّه يراها بشعة.’
فقط نقطة صغيرة على ظاهر اليد تُعتَبَر عيبًا في نظر النّبلاء، فكيف برجلٍ يقبل امرأةً تحمل ندبةً مروّعة؟
وفوق كلّ ذلك…
<كيف لي أن أعلم إن كنتِ حقًّا آنسة عائلة ماكّين، أم أنّكِ مجرّد مُحتالةٍ تنتحلين دورها؟>
هو لا يزال يشكّ إن كانت هي فعلًا غلوريا ماكّين، والآن وقد رأى تلك النّدبة، فربّما أصبح أقلّ استعدادًا لتصديقها.
أحرقت الدّموع عينيها من شدّة ما تشعر به من مرارةٍ ومهانة. ومع ذلك، لم ترغب في البكاء، فحبست دموعها بصعوبة، إلى أن طَرق أحدهم الباب.
“هل لي بالدّخول؟”
كان أستان. رفعت غلوريا رأسها بسرعة.
“أه… فقط، لحظة واحدة…”
لم تُتَح لها الفرصة حتى لتتفقّد احمرار عينيها، إذ فُتح الباب فورًا. تظاهرت غلوريا بالمرح كي لا يُلاحِظ حزنها.
“ما الذي أتى بك إلى غرفتي؟ هل غيّرتَ رأيك؟”
تشع. تمتم أستان وهو يمدّ لها علبةً مستديرة.
“هذا مرهمٌ فعّال للجروح. لا يُجدي مع النّدوب القديمة، لكن يُمكنه إزالة النّدوب الحديثة.”
“… أتيتَ بنفسك لهذا السّبب؟”
“لو أرسلتُ أحدًا، لربّما أثار الأمر الشُّبهات.”
‘قضل أن بُحضره بنفسه.’
عضّت غلوريا شفتها، متأثّرةً بعنايته التي تخفيها طريقته الجافّة. تردّدت قليلًا ولم تمدّ يدها فورًا، فقام أستان بوضع المرهم على السّرير.
“ضعيه بانتظام. إنّه دواءٌ فعّال.”
“سموّ الدّوق.”
استوقفته وهي تراه يُهمّ بمغادرة الغرفة.
“لا أظنّني أستطيع وضعه وحدي… هل تضعه لي؟”
“….”
اهتزّ بريق عيني أستان أمام هذا الطّلب الجريء.
لم يُرِد أن يقع في شِباك ألاعيب هذه الفتاة الجريئة، لكنّه فكّر أنّها ستحتاج لمساعدةٍ من شخصٍ ما على أيِّ حال، ولعلّ من الأفضل أن يكون هو بما أنّه قد رأى النّدبة.
جلس على حافّة السّرير.
“استديري.”
استدارت غلوريا بهدوء. وما إن حلّت رباط ثوبها حتّى انساب الثوب الفضفاض عن جسدها برفق.
داخل الغرفة السّاكنة، بدا صوت انسدال الثوب واضحًا بشكلٍ غريب.
“ألا تظنّين أنّكِ ساذجةٌ أكثر من اللازم؟”
“على أيِّ حال، أنت لا تكنّ لي أيَّ اهتمام، أليس كذلك؟”
“جيّد، أنتِ تُدرِكين الأمر.”
حاول أستان كسر حدّة الجوّ بمزحةٍ خفيفة، ثمّ رفع طبقة القماش، ليظهر له ظهرٌ هزيل يعلوه أثر ندبةٍ واضحة، لا يزال منظرها مفزعًا رغم رؤيته السّابقة.
بدأ يدهن المرهم بلطفٍ على الجرح، بحركةٍ دقيقة تنساب فوق النّدبة.
اهتزّ جسد غلوريا قليلاً، رغم أنّها بقيت ساكنةً تمامًا. لم تكن تدري إن كان ذلك بسبب الألم أم بسبب الإحساس الغريب.
تكلّم أستان بصوتٍ هادئ.
“لِمَ تُريدين الزّواج بي؟”
“لأنّني تلقيتُ عرضًا للزّواج، ومن الأدب أن أردّ عليه…”
“كُفّي عن هذه الإجابات الشّكليّة، وأجيبيني بصدق.”
“… لدي أسبابٌ لا أستطيع البوح بها.”
“ومن المرجّح أنَّ لها علاقة بتلك النّدبة، أليس كذلك؟”
“لا أستطيع نفي ذلك…”
فجأةً، استدارت غلوريا نحوه بسرعة.
“لكنّني لا أحاول استغلالك، أبدًا! أُقسِم!”
في صوتها استعطافٌ عميق، كادت الدّموع تُبلّله. لكن أستان، وقد أشاح بنظره عن عينيها الزّرقاوين كالسّماء الصّافية، أغلق لها فستانها بهدوء.
“هل لديكِ مكانٌ تذهبين إليه إن خرجتِ من هنا؟”
“…..”
أطرقت غلوريا رأسها ونفت ببطء.
لو وُجد لديها مكان آخر، لما جاءت إلى هنا أصلًا.
رمق أستان الحقيبة الرّثّة المعلّقة على المشجب ثم صرف نظره عنها.
“لن أتزوّجكِ. لكن يمكنكِ البقاء في هذا القصر مؤقّتًا.”
“لأنّني لا أُعجبك؟”
لم يُجِب. واعتبرَت غلوريا صمته تأكيدًا فتمسّكت به بيأس.
“إن كان لديّ ما يُزعجك، فسأُصلحه.”
“لا داعي لذلك.”
“أرجوك، فكّر في الأمر مرّةً أخرى. لربّما أعجبكَ لاحقًا إن منحتَني فرصة.”
ابتسم أستان بسخريةٍ أمام هذا الإصرار العنيد.
“الزّواج لا مكان له في حياتي.”
“ولِمَ لا؟ أخبرني على الأقل بسببٍ واحد.”
“سرّ.”
لم تُدرِك ما إن كان جادًّا أو يمزح، فأطلقت غلوريا تنهيدةً طويلة.
تنفّس أستان بعمق وربط لها ما تبقّى من رباط الفستان، ثم نهض واقفًا. رفعت غلوريا رأسها وهي تُرتّب أطراف فستانها المبعثرة.
“ستغادر الآن؟”
“طبعًا.”
عبست غلوريا عند سماع صوته الجافّ.
“ماذا عن العشاء؟”
“سأتناوله في غرفتي.”
قطع أستان الحديث بقسوة، واتّجه نحو الباب. وفي اللحظة التي كانت غلوريا تبتلع فيها خيبتها بصمت، سمعته يقول:
“هل ترغبين بتناوله في غرفتي أيضًا؟”
***
“هاه، لقد شبعت.”
تمدّدت غلوريا على السّرير وهي تربّت على معدتها الممتلئة بعد العشاء. لم يكن هناك حديثٌ ذو معنى بينهما، لكن مجرّد دعوتها إلى غرفته كان تقدُّمًا في حدّ ذاته.
‘يبدو أنّه لا يكرهني على الأقل.’
ابتسمت غلوريا وهي تتذكّر كيف ترك لها أستان السّوفليه الذي قُدِّم كتحلية.
يتصرّف وكأنّه غير مهتمّ، لكنّه يهتمّ بتفاصيلها بعناية. وهذا دليلٌ واضح على أنّه يُكنّ لها مشاعر، ولو خفيّة.
“سأطلب منه أن يدلّني على أنحاء القصر غدًا.”
ظنّت أنّها إن تقرّبت إليه خطوةً فخطوة، فلا شكّ أنَّ قلبه سينفتح لها في النّهاية. وبينما كانت تحلُم بمستقبلٍ ورديّ…
“آنسَتي، هل أستطيع الدّخول؟”
جاء صوت رئيسة الخادمات من خلف الباب.
“تفضّلي بالدّخول.”
فُتح الباب، ودخلت السّيّدة ميريوذر وهي تحمل بين ذراعيها لحافًا ثقيلاً، تبتسم بعذوبة.
“بدَا اللّحافَ الذي معكِ خفيفًا بعض الشّيء، فجئتُ لأستبدله بأخر.”
رفعت السّيّدة اللحاف الخفيف من على السّرير، ثم فرشت الجديد مكانه. كان عبير الصّابون المنعش ينبعث منه ويُداعب أنف غلوريا.
دفء النّار في المِدفأة، والفراش المريح، والعشاء الفاخر الذي يكاد يكون مبالَغًا فيه… لم يكن حتّى الضّيوف الرّسميّون من النّبلاء يحظَون بمثل هذا التّرحاب.
أن يُعامَل ضيف مجهول الهويّة بهذه الحفاوة لم يكن بالأمر المعتاد.
‘منذ اليوم الأوّل كان الأمر غريبًا.’
خصوصًا أنَّ السّيّدة ميري وذار قد أحسنت معاملتها حتّى قبل أن ترى وثيقة الزّواج التي أحضرتها.
كانت غلوريا ممتنّة، لكنّها أيضًا لم تستطع كبح فضولها.
راقبت ظهر السّيّدة وهي تُجهّز فراشها بعناية، ثم تكلّمت بتردّد:
“أنا لا أفعل شيئًا، وكلّ ما أقوم به هو تلقّي رعايتكم… إنّي مجرّد ضيفةٍ غير مرغوبٍ بها، ومع ذلك أنتنّ تولينني كلّ هذا الاهتمام…”
“ضيفةٌ غير مرغوبٍ بها؟ ماذا تقولين؟!”
استدارت السّيّدة ميري وذَر فجأةً وهي تفرد طرف اللحاف.
“بصفتي رئيسة خادمات قصر الدّوق، من الطّبيعي أن أُقدّم أفضل خدمةٍ للشّخص الذي سيصير جزءًا من هذا البيت لاحقًا. رجاءً لا تُفكّري بهذه الطّريقة، واعتبري القصر بيتكِ.”
“أنا ممتنّةٌ لكِ على هذه الكلمات.”
“لا داعي للشّكر. بل أعتذر إن لم أكن على القدر الكافي من العناية. لا بدّ أنَّ غياب الخادمة الخاصة بكِ قد سبب لكِ بعض المتاعب…”
أوه. توقّفت السّيّدة فجأة عن الكلام.
في الواقع، هذا السّؤال كان يُراود غلوريا منذ فترة.
لم تُشاهد أيَّ خادمةٍ في القصر طوال هذه المدّة.
رغم كِبر حجم القصر، لم تكن هناك خادماتٌ يُقمن بخدمتها. في الواقع، لم تكن هناك سوى ميري وذَر، ولا امرأةٍ سواها.
“بالمناسبة… ألا يوجد خادماتٌ في هذا القصر؟”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 7"