الفصل 4 :
تباًّ لك يا كولين. لماذا تقوم بأشياءٍ لم يُطلب منك فعلُها؟
ألقى أستان لعناتِه على خادمه الوفيّ ولكن عديم البديهة، الذي تسبّب في هذه الفوضى غير المعقولة، ثمّ أجاب:
“أظنّ أنه لا داعي لتكرار أنَّ هذا العرض للزواج لا يعكس إرادتي، أليس كذلك؟ وعلى أيِّ حال، سبع سنواتٍ مدّةٌ طويلةٌ جدًّا.”
“مثل ماذا؟”
“كأن يُصبح طفلٌ بالغًا، أو أن يتحوّل العاشقان إلى زوجَين.”
تأمّلته غلوريا مطوّلًا قبل أن تسأله:
“هل تزوّجتَ من قبل؟”
“لا.”
“هذا جيد. إن كنتَ قد فقدتَ زوجتَك أو طلّقتَها من قبل، أرجو أن تخبرني بصراحة. لا أحبّ أن أسمع بمثل هذه الأمور من الآخرين.”
قالت غلوريا وهي تبتسم ابتسامةً مشرقة.
كاد أستان أن يُجيبها: ‘كما تشائين’، لكنه عضّ على لسانه في اللحظة الأخيرة.
ما قصة هذه المرأة؟
كان يظنّ أنه سيطرد هذه الفتاة الصغيرة الساذجة بسهولة، لكن كلّما طال الحديث، وجد نفسه يغرق أكثر فأكثر.
هزّ أستان رأسه نافيًا وهو يُحاول طرد صورة وجهها اللامع المليء بالأحلام عن ذهنه.
“لا أعلم كم مرّةً يجب أن أكرّر أنَّ كوني متزوّجًا أو مطلّقًا لا علاقةَ له بكِ. لماذا تظنّين أنّي قد أُقدم على زواجٍ لا طائل منه أصلًا؟”
“لا طائل منه؟”
أومأ أستان برأسه وهو يتكئ على ظهر الكرسيّ بتكبّر.
“أعني أنّني لا أستفيد شيئًا من الزواج بكِ.”
ثمّ رمقها بنظرةٍ حادّة متفحّصة.
(ترتدي ملابسَ غير مناسبةٍ مستعارة، ولا تملك حتى ثيابًا تغيّر بها مظهرها، وتطمح بالزواج من دوق؟ يا لها من وقاحة). كانت تلك نظرة عينيه.
لكن غلوريا لم ترتبك من نظرته المتعجرفة، بل حافظت على هدوئها.
“أنا أستطيع أن أحقّق ما يريده سموّ الدوق.”
“ما أُريده أنا؟ وما هو ذلك بالضبط؟”
“هو…”
بلعت ريقها بصعوبة، ثم قالت:
“بالطبع… زوجةٌ حكيمة وجميلة.”
“هاه.”
ضحك أستان ضحكةً فارغة، لكن الفتاة تابعت كلامها دون أن ترفّ لها عين.
“رجلٌ لم يتزوّج حتى هذه السنّ، أمرٌ نادر حتى بين العامّة، أليس كذلك؟ هذا يعني أنّك لم تجد بعدُ عروسًا تليق بكَ.”
“وأنتِ ستُصبحين تلك الزوجة الحكيمة والجميلة التي لم أجدها بعدُ؟”
“نعم.”
“لا أعتقد أنّني أُوافق على ذلك.”
“ستُوافق قريبًا.”
أجابت غلوريا بثقة رغم ردّه البارد.
أستان، الذي رأى أنَّ عنادها لا ينكسر، فقد رغبته في الاستمرار بالحديث.
“إن كان لديكَ فضول تجاهي أيضًا، فلا تتردّد في السؤال. سأُجيب بكلّ صدق.”
فتح أستان فاه أخيرًا:
“فهمتُ غرضكِ. فلنؤجّل ما تبقّى من الحديث لاحقًا…”
ثمّ تابع وهو ينظر إليها بطرف عينه.
“الوقت متأخّر، من الأفضل أن تعودي إلى غرفتكِ للراحة.”
“أُقدّر لَكَ هذا. إذًا، أرجو لكَ ليلةً طيبة.”
قالت ذلك ونهضت بسلاسة وغادرت المكتب كأنها تنتظر تلك اللحظة.
“…هاه.”
تنفّس أستان، الذي بقي وحيدًا، الصعداء بعد أن كتمها طويلًا.
‘التعامل مع سيكون أهون من هذه.’
كانت ليلةً قاتمة، تمامًا كطقسها.
***
بسبب الضجّة التي حدثت في الليلة الماضية، لم ينم أستان إلا قبيل الفجر، واستفاق متأخّرًا.
كان جسده مُتثاقلًا، وكأنّه استيقظ من كابوسٍ مزعج.
أزاح الستائر ونزل من السرير. لا تزال عواصف الثلج تتساقط من خلف النّافذة.
كانت الغرفة باردةً كلوح الجليد بعد أن انطفأ الموقد ليلًا. ارتدى معطفًا ثقيلًا وغادر الغرفة وكأنه يفرّ.
‘عليّ الذهاب إلى غرفة الطعام وتناول شيءٍ أوّلًا.’
‘لكن لا بدّ من أن أطلب من لوغان إشعال المدفأة أوّلًا’
قال ذلك في نفسه بينما كان يخرج إلى الممرّ، ثمّ توقّف فجأة في منتصف الصالة.
كانت المرأة التي تسبّبت له بكابوسِ تلك الليلة تجلس على الأريكة تقرأ كتابًا.
بكلّ هدوء، مغطّاةً ببطانيةٍ دافئة، تحتسي الشاي وتقلب صفحات الكتاب وكأنها في بيتها.
أطلق أستان ضحكةً ساخرة.
“ما الذي تفعلينه هناك؟”
“آه؟ استيقظتَ، سموّ الدوق.”
وضعت غلوريا الكتاب على الطاولة وكأنها لم تكن تعلم بقدومه.
عنوان الكتاب: “مئة وواحد طريقة لتُصبحي دوقةً فاضلة”.
‘…هذا جنون.’
لو علم أنّها ستبقى، لكان طردها البارحة بلا تردّد. أمّا الآن، فقد كانت تتحدّث بمرحٍ لا يزعجها شيء.
“هل نمتَ جيدًا؟ الطقس رائعٌ اليوم، أليس كذلك؟”
“يبدو أنّكِ تُحبّين الطقس الذي تعصف فيه العواصف الثلجيّة، أليس كذلك؟”
ردّ عليها بحدّة، ثم أشار إلى الكتاب.
“وماذا عن هذا الكتاب؟”
“استعرته من السيدة ميري. ظننتُ أنني بحاجةٍ إلى تعلّم الكثير لأكون زوجةً مناسبة.”
“ماذا؟”
“رغم أنّها تجربتي الأولى كدوقة، لستُ واثقةً إن كنتُ سأُحسن التصرّف، لكنّني سأبذل قصارى جهدي حتى لا أُسبّب لكَ أيَّ متاعب.”
“…”
‘دعك منها. سيُؤلمني رأسي إن واصلتُ الحديث معها.’
كان يُريد أن يسأل: ‘من قال إنّكِ ستُصبِحين دوقة القصر؟’، لكنّه لم يكن واثقًا من الفوز في الجدال، فتجاوزها دون أن ينبس بكلمة.
الغريب أنَّ الخدم، الكُثُر، لم يُرَ منهم أحدٌ اليوم.
‘ألم أُنبّههم مرارًا أنّه كلّما اشتدّ البرد، وجب عليهم التحرّك أكثر؟.’
عزم على توبيخهم، ثم واصل سيره، لكن غلوريا لحقت به.
“ماذا عن الفطور؟”
“سأتناوله في غرفتي.”
“لِمَ لا تتناوله في غرفة الطعام؟”
“إن كنتِ تُحبّين الحساء البارد، فلا بأس.”
“لا أحبّ الحساء البارد، لكن لا بُدّ أن نتناول الطعام سويًّا إن كنا نرغب بالتعرّف إلى بعضنا، أليس كذلك؟”
“وهل علينا التعرّف أساسًا؟”
“اكتشاف جوانب جديدة من الطرف الآخر كلّ يوم أمرٌ ممتع، لكنّ الزواج دون معرفة حقيقيّة لا يُساعد في بناء حياةٍ سعيدة.”
‘كيف يُمكنها قول مثل هذه الكلمات المحرجة بوجهٍ بارد؟’
تفوقها في الوقاحة جعل أستان يلتفت إليها.
“افعلي ما شئتِ. أنا سآكل في غرفتي.”
“إذًا، هل أتناول الطعام في غرفتكَ معك؟”
“ماذا؟!”
ارتفع صوت أستان بغتةً، وكاد يصرخ، لكنه كتم غضبه بشدّة.
‘تمالك نفسك. لا يليق بالرجال أن يصرخوا على النساء.’
“لا أهتمّ أين تأكلين، لكن لا تُزعجي فطوري.”
“تعاملك مع الضيوف فظٌّ جدًّا.”
“ضيوف؟”
“آه، معذرة، لا يجب أن اقول ‘ضيف’ للزوجة المستقبليّة، أليس كذلك؟ زلّة لسان.”
“هاه.”
‘هكذا يشعر المرء حين يعجز عن الردّ.’
كان قد قرّر أن يتجاهلها بما أنّها لن تبقى طويلًا، لكن وقاحتها تجاوزت التحمّل.
‘تُريد أن تُصبح دوقة؟… لا، هذا لا يُحتمل.’
ولمّا همّ بالابتعاد منها، سمع فجأة:
“تبدوان رائعَين معًا.”
خرج صوتٌ من الزاويةٍ المهجورة في الممرّ، مصدره صوتٌ متهكّم.
كان لوغان، الذي بدا فرِحًا بشدّة منذ الصباح، يقترب من غلوريا ليُحيّيها.
“صباح الخير، آنستي. هل نِمتِ جيدًا البارحة؟”
“بفضلك. آه، ما اسمُكَ؟”
“لوغان ميري وذار. يُمكنكِ مناداتي لوغان فقط.”
غمز لوغان بعينٍ واحدة، بينما بدت هذه حركاتٍ تافهة في نظر أستان، ضحكت غلوريا ضحكةً مرحة.
“أرجو أن تعتني بي، لوغان.”
“بل أنا مَن يُفترض به أن يعتني بكِ. إن احتجتِ شيئًا، فأخبِريني فقط.”
انحنى لوغان على ركبةٍ واحدة، فردّت عليه غلوريا برفع طرف فستانها بلُطف.
‘…يلعبون لا غير.’
أستان الذي شعر أنَّ هذا الحوار البسيط يزعجه أكثر من اللازم، قاطعه بوجهٍ عابس:
“لوغان، كفّ عن هذا الهراء واذهب أشعل الموقد في غرفتي.”
“الموقد؟”
“أجل. نفدت الحطب، وكدتُ أتجمّد الليلة.”
“مَن يصدق أنَّ دوق شولتسمير العظيم كان على وشك أن يتجمّد؟! لو كنتَ بهذه الإنسانيّة، لما كنتَ تعيش بهذا الشكل طو… أُوه!”
ركله أستان في ساقه بحذائه المدبّب، فقفز لوغان من الألم. قطّبت غلوريا حاجبَيها بجمال وقالت:
“زوجٌ عنيف؟ هذا لا يُبشّر بالخير. ألا يُمكنك التحدّث بدلًا من الضرب؟”
“أنا أضرب الرجال فقط.”
“آه، هذا يُطمئنني.”
عاد الابتسامُ يلوح على وجهها. صاح أستان بوجه لوغان مجدّدًا.
“ماذا تنتظر؟ هيا اذهب!”
“حاضر! أوه، بالمناسبة، قال الخادم إنَّ الفطور جاهز، ويُرجى حضوركَ في غرفة الطعام.”
“قلتُ إنّني سأتناول فطوري في الغرفـ ــ”
‘تبًّا له.’
لم يُكمل كلامه، فقد كان لوغان قد اختفى راكضًا. فطحن أستان أسنانه غضبًا.
“ستذهب لتناول الطعام، صحيح؟ أنا لا أعرف أين تقع غرفة الطعام.”
“…حسنًا، هيا نذهب.”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 4"