قبل سبعِ سنوات، وبعد أن توفّيت والدة غلوريا فجأة، تزوّج والدها، الكونت ماكّين، من البارونة كورتيس.
كانت البارونة كورتيس امرأةً باردةً وجافّة الطّباع. بذلت غلوريا جهدًا كبيرًا لتتقرّب من زوجة أبيها الجديدة، لكنّ الأخرى لم تُبدِ أيّ نيّةٍ للانفتاح.
وكان للبارونة كورتيس ابنٌ يكبر غلوريا بخمس سنوات. وعلى عكس أمّه القاسية، كان جوناثان كورتيس عطوفًا وحنونًا.
“غلوريا، ليس لكِ في هذا العالم سواي.”
وفي العام التالي، تُوفّي والدها أيضًا، فاضطرّت غلوريا أن تعيش تحت رقابة زوجة الأب القاسية، وأصبحت تعتمد على لطف أخيها غير الشّقيق، ففتحت له قلبها.
لكنّ ذلك اللّطف بدأ يتحوّل تدريجيًّا إلى كابوس.
“مَن الذي قابلتِه من تلقاء نفسِك؟”
بدأت القيود والمراقبة تحت غطاء القلق والاهتمام. صار جوناثان يتدخّل في كلّ صغيرةٍ وكبيرة: إلى أين تذهب غلوريا، ومن تلتقي به.
وإذا خرجت من دون أن تُخبره، فإنَّ سيلًا من الإهانات الجارحة كان ينتظرها بلا شكّ.
كانت غلوريا ترفضه بالكلام الطيّب في كلّ مرّة، لكنّ سيطرته كانت أكثر إصرارًا وإلحاحًا ممّا تحتمل.
وحين لم تَعُد قادرةً على الاحتمال، صارحَت زوجة أبيها بالحقيقة. لكنّ ردّ الفعل لم يكن كما توقّعت أبدًا.
“أيتها الناكرة للجميل! أهذا جزاء مَن ربّاكِ؟! تتّهمين جون بهذا الشكل؟!”
“ليست اتّهامات، أرجوكِ يا أمّي، استمعي إليّ!”
“كلّ ما تقولينه كذب! لماذا قد أفعل شيئًا كهذا؟!”
“إنّها الحقيقة! ليست كذبًا!”
“ما زلتِ لا تعين ما تقولين… لا بدّ من تأديبك كما ينبغي. جون، اذهب وأحضِر السّوط!”
“أمّي! أرجوكِ!”
تعرّضت غلوريا لضربٍ مبرح، ثمّ حُبِست في علّيّة المنزل. ومع أنّ جراحها المُهملة أصابها بالتهابٍ وحمّى شديدة، لم يهتمّ أحدٌ لأمرها.
وبينما كانت تحتضر، شبه فاقدةٍ للوعي، ظهرت والدتها الرّاحلة أمام عينيها.
“… غلوريا، يا ابنتي الحبيبة. أتمنّى أن يكون مستقبلكِ هادئًا وسعيدًا.”
نظرت إليها أمّها بحزنٍ عميق، ثمّ احتضنتها بقوّة قبل أن تختفي فجأة.
وعندما أفاقت، كانت الحُمّى قد زالت، واختفى الألم من جسدها.
‘هل كنتُ أحلم؟’
وفيما كانت تتفقّد المكان الذي ظهرت فيه والدتها، اكتشفت تحت أرضيّة الخشب دفتر مذكّراتٍ قديمًا مخبّأ، كان من بقايا أمّها.
[مرّ ٢٥ يومًا منذ جئتُ إلى هذا المكان. مَن أكون يا ترى؟]
[مرّ ١٠٣ يومًا منذ جئتُ إلى هذا المكان. ما زال كلّ شيءٍ غير مريح، لكنّي بدأتُ أتأقلم. لا أعرف حتّى الآن في أيّ روايةٍ أنا.]
[مرّ عامٌ كامل، ٣٦٥ يومًا منذ جئت. ولم أفعل شيئًا يُذكَر. هل أنا لستُ في الرّواية التي قرأتُها؟]
[مرّ ٥٤٤ يومًا. أشتاق لأمّي وأبي كثيرًا. كيف لي أن أعود؟]
بدأت غلوريا تقرأ المذكرات بعناية. معظمها كان يحتوي على تفاصيل يوميّة عاديّة، لكن بين السّطور كانت هناك عبارات غريبة لا تفهمها.
[مرّ ٨٤١ يومًا. تمّت خطبتي على الكونت ماكّين. كنتُ آمل بعلاقةٍ ناريّة، لكنّها كانت زواجًا مدبّرًا. يبدو أنّني حقًّا شخصيّةٌ ثانويّة.]
وكانت اليوميّات تُسجَّل مرّةً كلّ بضعة أسابيع أو أشهر، وتوقّفت عند الحديث عن الزّواج المدبّر.
وبينما كانت غلوريا تقلّب الصفحات مرة أخرى بشعورٍ من الحزن، لاحظت أنّ إحدى الأوراق الفارغة كانت متجعّدة كما لو أنّها تعرّضت للرّطوبة.
‘هل يُعقل؟’
راودها شكّ، فأحضرت شمعةً وقرّبتها من الورقة، فبدأ الحبر الخفيّ يَظهر وسط آثار الاحتراق.
[مرّ ٢٦٢٥ يومًا. الآن فقط فهمت. كنتُ مخطئةً طوال الوقت. هذه ليست قصّةً بدأت بعد، بل هي ما قبل بداية القصّة.]
[مرّ ٤٣٨٠ يومًا. غلوريا، يا ابنتي الحبيبة. أكتبُ لكِ هذه الكلمات راجيةً ألّا تكتشفي هذه اليوميّات أبدًا. ولكن إنْ وجدتِها، عليكِ أن تفعلي تمامًا ما كُتب فيها.]
لم تكن الكلمات بخطٍّ مرتّب، بل مكتوبةً على عَجلٍ بخطٍّ مهتزّ. كانت تحوي ماضي غلوريا، وحاضرها، ومستقبلها المأسويّ.
لم يكن دفتر مذكّرات، بل كان أقرب إلى نبوءة.
‘سأموت على يد جوناثان في عامي العشرين؟ وستسقط الإمبراطوريّة في الفوضى؟!’
كان أمرًا يصعب تصديقه، لكن من المستحيل أيضًا أن يكون مزيّفًا، إذ يحتوي على أحداثٍ لم تكن أمّها لتعرفها وهي على قيد الحياة.
‘لا يُعقل… لا يُعقل أبدًا. ومع ذلك…’
سواءٌ كانت محتويات المذكّرات حقيقيّةً أو لا، بقي شيءٌ واحدٌ واضح: إن بقيت هنا، فستلقى حتفها على يد جوناثان وزوجة أبيها.
السبيل الوحيد للنّجاة هو الهرب إلى مكانٍ لا يستطيعان الوصول إليه.
قرّرت غلوريا أن تتبع ما جاء في المذكّرات.
***
‘لا بُدّ أنّني بأمان الآن. جون لن يصل إلى هنا.’
راحت تتحسّس آثار الكدمات على جسدها، ثمّ هزّت رأسها بعنف عندما تذكّرت وجهه الشّيطاني.
‘أمّي ستَحميْني…’
تماسكت غلوريا، وبدأت تستعيد قوّتها.
طرقٌ خفيف على الباب قطع أفكارها.
“آنستي، لقد أعددتُ لكِ ماء الاستحمام.”
“نعم، سأخرج حالًا!”
***
“ألن تنام بعد؟”
قال لوغان وهو يبتسم، جالسًا قبالة أستان في المكتب.
“وأنت، ألستَ متعبًا؟”
“أنا مُرهق، لكن أشعر أنّني لو انتظرتُ قليلًا فقط، سأشهد شيئًا ممتعًا.”
كاد أستان يتخيّل نفسه وهو يرشّ البراندي في وجه لوغان المتذاكي، لكنّه طرد تلك الفكرة من رأسه.
“ماذا تفعل تلك المرأة الآن؟”
“إنّها تستحمّ.”
أدار أستان كأس البراندي بين يديه، ثمّ نظر إلى لوغان بحدّة.
“أنتم لا تعرفون الخوف. كم مرّة حذّرتكم ألّا تتراخوا في التّأهّب مهما كانت الظّروف؟”
“نحنُ في أقصى درجات الحيطة.”
“وهل تقديم غرفةٍ لامرأةٍ مجهولة الهويّة يدخل ضمن هذه (الحيطة)؟”
“أنت مَن سمح لها بدخول القصر، يا سيدي.”
ردّ لوغان رافعًا كتفيه بلا مبالاة، فشعر بالرضا وهو يرى ملامح الانزعاج ترتسم على وجه أستان.
“ألّا تعرفها حقًّا؟”
“لا.”
“أرجوك، حدّثني بصراحة. لا يُعقل أن تأتي امرأةٌ لا تعرفك، مخترقةً عاصفةً ثلجيّة، فقط لتراك.”
“عِشْ طويلًا، سترَ كلّ شيء.”
شرب أستان كأس البراندي دفعةً واحدة، وغاص في التفكير.
“غلوريا ماكّين؟ الاسم مألوف، لكن لا أستطيع أن أتذكّره بوضوح.”
دوقيّة شولتسمير تقع في منطقةٍ نائية، ولم تكن له علاقةٌ تُذكَر بالمجتمع الأرستقراطي، لذا لم تكن لديه معرفة تُذكر بالنبلاء. بل لم يكن متأكّدًا أصلًا ما إذا كانت تلك المرأة تنتمي إلى طبقة النّبلاء.
ماكّين، ماكّين، ما…
طَرق. رفع أستان رأسه من شروده إثر الطّرق على الباب.
“المعذرة، هل يمكنني الدّخول؟”
فتح الباب مسحورًا بذلك الصّوت العذب.
كانت غلوريا واقفةً أمام الباب، وجهُها لا يزال رطبًا من بعد الاستحمام.
خدّاها المتوردان جعلاها تبدو كفتاةٍ خجولة، وربّما كانت بالفعل كذلك.
“رائع…”
همس لوغان من خلف الباب، مُنبهرًا بجمالها.
مع أنَّ ثوب الخادمة الواسع الذي ارتدته بدا فضفاضًا، إلّا أنّه زادها جاذبيّةً لا تُقاوم.
شعر أستان برغبةٍ في أن يُغلِق فتحة الصّدر الظّاهرة في ثوبها، لكنّه أجبر نفسَه على صرف النّظر.
وقبل أن يقول لها إنَّ الوقت متأخّر ويمكنها أن تتحدّث غدًا، سبقه لوغان بالكلام:
“الجوّ بارد، تفضّلي بالدّخول. لقد سخّنتُ لكِ المقعد أيضًا…”
“لوغان، اخرج فورًا من هنا.”
ركله أستان خارج الغرفة، بينما دخلت غلوريا من دون تردّد.
لم يستطع أستان طرد الضّيفة التي أصبحت الآن داخلةً رسميًّا، فتنفّس بعمقٍ وأشار لها بالجلوس.
“اجلسي.”
فعلت ذلك وكأنّها كانت تنتظر تلك الكلمة.
جلس أستان في الجهة المقابلة، يراقبها بصمت.
رغم تعبيرها المليء بالحَزم، إلا أنَّ النّعاس كان يغلب على ملامحها. وكان يظنّ أنّها قد تسقط أرضًا في أيِّ لحظة.
قرّر أن يُنهي اللّقاء قبل أن تنهار.
قال بنبرةٍ باردة:
“كان يمكنكِ أن تنتظري للصّباح. لماذا أتيتِ الآن؟”
“لم أرتَح لفكرة الاستفادة من كرمك قبل أن أوضّح سبب قدومي.”
أجابته بثقةٍ أثارت اهتمامه.
“وهلّا أخبرتِني بهذا السّبب؟”
“جئتُ لأوافق على عرض زواجك، يا دوق.”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 2"