ركض أستان إلى داخل المكتبة، ثمّ توقّف بخطًى متردّدة، وعيناه مليئتان بالدهشة. كانت غلوريا جالسة على الأرض، تتفحّص كومةً من الكتب، رفعت عينيها المستديرتين نحو أستان.
“لقد سمعتُ صراخًا للتوّ…”
“آه، انزلقتُ أثناء محاولتي إخراج كتاب.”
أشارت إلى أعلى رف في المكتبة. كان سلّم الرفوف ملقاة على الأرض، وكأنها قد سقطت منه للتوّ.
“هل أنتِ بخير؟”
“بالطّبع. لم يُصِبني شيء. أوه؟ هل ركضتَ إلى هنا بسببي؟”
ابتسمت بوجهٍ مشرق، بينما تنفّس أستان الصعداء، ورفع يده يمسح بها على شعره المتشابك.
تسرّعتُ في المجيء على ما يبدو.
فكّر: لا يوجد ما يستدعي القلق داخل القصر على أيّ حال.
حول نظره إلى الكتاب الذي كانت غلوريا تمسك به.
“تاريخ الإمبراطوريّة” — كتابٌ قديم وثقيل كما يبدو من عنوانه الكلاسيكي، كان على رُكبَتيها.
“لماذا تقرئين هذا الكتاب؟”
“أردتُ فقط أن أُطالعه.”
وقفت غلوريا بابتسامةٍ خفيفة، لكن خطواتها كانت غير طبيعية، كما لو أنّها التوت كاحلها. وعندما همّ أستان بالخروج من المكتبة، عاد إليها وهو يضغط لسانه بامتعاض.
“دُ… دوق؟”
“لا تتحركِ، ابقي ساكنة.”
حملها أستان بسهولة، ووضعها على الأريكة، ثمّ جثا على ركبةٍ واحدة ورفع أطراف تنّورتها بحذر.
“مـ… ماذا تفعل؟”
“لن أفعل شيئًا مريبًا، فلا تركليني.”
أمسكت يده الكبيرة بكاحلها النحيل بلُطف.
“حرّكيه قليلًا.”
دارت غلوريا بكاحلها بخفّة.
“كيف هو؟”
“لا بأس، مجرّد التواءٍ بسيط فقط.”
“ولِمَ صعدتِ إلى هناك؟ كان يمكنكِ أن تطلبي من أحدهم.”
“بدا وكأنَّ الجميع مشغولون.”
أجابت بتعبيرٍ معتذر، ثمّ وضعت يدها على صدرها، تضغط برفق كما لو أنَّ الجرح يؤلمها بسبب الحركة العنيفة، فراحت غلوريا ترفع حاجبًا بتساؤل.
“هل يؤلمك؟”
“نعم. وبسبب من تعتقدين؟”
“أنا لم أطلب منك أن تحملني… دعني أُلقِ نظرة.”
“لا بأس، كنتُ فقط أُعبّر عن شعوري.”
عندما لاحظ محاولتها فتح ياقة قميصه، أشار بيده رافضًا، وجلس على الأريكة.
ما الذي يجعلني بهذه الحساسيّة لأمرٍ بسيط؟
تساءل في نفسه.
ثمّ وقعت عيناه على معصمها، حيث السوار.
نعم… بسبب هذا السوار. إنّه يجعل الناس حسّاسين دون داعٍ.
لكن… هل كان كذلك حين ارتداه لوغان؟
لا يذكر أنَّ السوار أظهر أيَّ ردّة فعل آنذاك.
غرق في تفكيره، وفجأةً سمع غلوريا تُغلق الكتاب وتفتح فمها بهدوء.
“طالما أنّك جالس، هل لي أن أستعير كتفك؟”
“…..”
“لم أنم جيدًا منذ عدّة أيّام.”
قالتها بوجهٍ شاحب، بصوتٍ خافت.
تذكّر حين قال لوغان إنّها لم تستطع النوم منذ ظهور سيكون. أومأ أستان برأسه ببطء.
“كما تشائين.”
وما إن حصلت على موافقته، حتى أسندت رأسها على كتفه. وبعد أن عدّلت من وضعها قليلًا، راح صوت تنفّسها المنتظم يتردّد في أُذنيه.
“ألم أقل لكِ؟ كنتُ واثقة أنَّ الأمور ستسير على ما يُرام!”
“لم يكن أمرًا عظيمًا، لقد أصررت عليه فقط، ووافق على مضض.”
“ما الذي تقولينه! سموّ الدوق ليس من النوع الذي يرضخ للضغوط.”
قالتها رئيسة الخدم بجدّية.
“سأخبركِ سرًّا، سموّ الدوق كان صخرة لا تُلين. في شبابه، كانت هناك كثيراتٌ يلاحقنه، لكنّه لم يلتقِ بأيٍّ منهن، ولا حتى ابتسم لهنّ.”
“حقًّا؟”
“طبعًا. في إحدى الحفلات الراقصة، طلبت منه شابةٌ أن يراقصها، فردّ عليها فورًا: ‘لا أحبّ الفتيات القبيحات مثلك’، ما أثار فوضى عارمة.”
“أوه… كان صريحًا للغاية حتى حينها، أليس كذلك؟”
“بل وأكثر من ذلك. في مرّةٍ أخرى، حضر حفلًا بالقصر الإمبراطوري، وحين دخل في جدال، قال: ‘يبدو أنَّ أحدنا فاقدٌ لعقله، وبحسب القانون الإمبراطوري، المجنون لا يُحاسب، لذا سأفترض أنّني المجنون وأقتلك’!”
“يا إلهي…”
فتحت غلوريا فمها بدهشة من هذه القصص المتطرّفة، فما كان من السيّدة ميري ويذر إلا أن صفعت فمها بخفّة، غيّرت الموضوع وقالت:
“على أيِّ حال، تصرّفه معكِ لا يُصدَّق. تابعي التقدّم. من الأفضل أن نحدّد موعد الزواج في أقرب وقت.”
“موعد الزواج؟”
“نعم.”
ظهرت ابتسامةٌ عريضة على عينيها المُتجعّدتين.
“صحيح أنِّ حفلات الزفاف الكبرى تتطلّب تجهيزاتٍ كثيرة، لكن يمكننا إقامة حفلٍ بسيط بلا تعقيدات، أليس كذلك؟”
“هذا صحيح، ولكن…”
“لا تُسيئي الفهم. لا أقصد إهمال التحضيرات، بل فقط…”
تردّدت قليلًا، ثم واصلت بحذر:
“أنتِ أتيتِ إلى هنا بعد تلقّي عرض الزواج، لكنّ الناس قد لا يعرفون التفاصيل، وقد يُسيئون الظن.”
“تقصدين أنَّ وجودي هنا، في قصر الدوق، دون وجود علاقةٍ واضحة، قد يُثير الشبهات؟”
“بالضبط.”
ابتسمت العجوز بهدوء.
فتاةٌ نبيلة في سنّ الزواج، تقيم وحدها في قصر رجلٍ غريب، أمرٌ لا بدّ أن يُثير القيل والقال.
حتى لو علم الناس بالتفاصيل، فالبروتوكولات والأعراف النبيلة لا تتغيّر، والإقامة الطويلة لن تنفع لا غلوريا ولا أستان.
كما أنَّ استعجال ميري ويذر في إتمام الزواج، مهما بدا مفاجئًا، فهو كلامٌ تُرحّب به غلوريا.
“هل أزعجكِ عجزي عن كبح حماستي؟”
“أبدًا، بل إنّني أودّ التعجيل بالزفاف، إن وافق سموّ الدوق.”
“إذن لا داعي للتردّد. متى يتعافى سموّه، نقيم الحفل فورًا. وسأتولّى أنا كافّة التجهيزات.”
ورغم المفاجأة، قرّرت غلوريا أن تنظر للأمر بإيجابيّة.
ففي النهاية، يجب أن تتزوّج خلال عام، وإلا…
***
“إلى أين ذهبت تلك الحقيرة؟!”
رُميَت ورقة الرسالة على الأرض بعنف. نظر جوناثان كورتيس إلى أمّه الغاضبة، ثمّ انحنى ليلتقط الورقة.
بعد اختفاء غلوريا فجأةً، أرسلت البارونة كورتيس رسائل إلى جميع العائلات النبيلة التي تعرفها، بحثًا عنها.
رغم ما في الأمر من فضيحة، إلّا أنّها لم تكن تملك رفاهيّة التفكير في كرامتها.
لكن دون جدوى… لم يأتِها سوى القليل من الردود، وأكثرها…
“تافهةٌ تلك الحقيرة!”
قرأ جوناثان بصوتٍ ساخر مقتطفًا من رسالة تقول: “لا نعلم شكل السيدة غلوريا ماكّين، وإن كانت قد جاءت إلى مقاطعتنا، فلا سبيل للتحقّق منها.”
ثمّ جعد الورقة في يده، بينما صرخت أمّه بغضب.
“لماذا لم تتمكّن من السيطرة على تلك الفتاة؟!”
“هل هذا خطئي؟ ألم أقل إنَّ علينا حبسها في غرفتي؟!”
صرخ جوناثان كورتيس بأمّه بحدّة.
“لو كنتُ قد جعلتها تحمل منّي، لما حدث هذا أبدًا!”
رمقته البارونة كورتيس بنظرةٍ ناريّة.
“اصمت! لا فائدة من هذه التفاهات الآن!”
ثمّ عضّت إبهامها بقهر، ناظرةً إلى الرسالة المجعّدة.
“ألا يمكن أن تكون قد ماتت في مكانٍ ما؟”
“لا تقولي ذلك يا أمي! إن ماتت، فمصيرنا الهلاك.”
نظر جوناثان بوجهٍ شاحب، يُتمتم في نفسه.
‘لولا تلك الوصيّة اللعينة…’
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 16"