دوق ، هل تُحب الدمىَ المحبوكةَ؟ - 4
لم يمضِ وقت طويل منذ أن تلقيت عرض الزواج من إيميل، لذا كان هو أكثر ما شغل تفكيري.
إذا مُت بهذه السرعة بعد خطوبتي، فلا شكَ أن ذلك سيترك جرحًا عميقًا في قلبه.
“ربما كان من الأفضل رفض عرضهِ منذ البداية…”
بينما كنت أفكر في ذلك، استدرت لأنظر إلى ايميل وتجمدتُ كليًا في مكاني.
كان إيميل واقفًا هناك مرتديًا ملابس الحداد السوداء، بوجه جامد تمامًا.
لم يكن فيه أثر للحزن، ولا حتى لمحة من الأسى أو الحنين.
بل كان ينظر إلى جثتي كما لو كانت مجرد ورقةً ممزقةٌ.
بدأتْ يداي ترتجفان بشدة من شدة الصدمة.
“من هذا الرجل؟! لا أعرف هذا الوجه البارد!”
إيميل كان دائمًا يبتسم لي بلطف.
لم يسبق له أن نظر إليّ هكذا من قبل.
“هل هذا حقًا إيميل؟”
بينما كنت أحدق فيه بوجه شاحب مثل الجثة الممددة أمامه، تغير تعبيره أخيرًا، لكن ليس إلى الحزن بل إلى شيء يشبه الاشمئزاز وهو ينظر إلى جثتي قائلاً:
“دائمًا ما كنتِ ملتصقةً بسلة الحياكة… على الأقل الآن، لن أضطر لرؤية هذا المشهد الممل مجددًا.”
تجمد الدم في عروقي.
“إيميل… هل هذا أنتَ حقًا؟!”
كنتُ بارعة في الأعمال اليدوية الخياطة، التطريز، لكن أكثر ما كنتُ أبرع فيه هو الحياكة.
في كل شتاء، كان إيميل يرتدي كنزات من صنع يدي.
«يا إلهي، إيفون! ستكونين زوجة رائعة!»
دائمًا ما كانت الكونتيسة كليين تمتدح مهارتي في الحياكة أمام الجميع.
كلما أهديتُ إيميل وشاحًا أو سترة، كان يبتسم لي بلطف ويقول:
«إيفون، شكرًا لكِ دائمًا. أنا سعيد حقًا.»
“لكن… هل كان يضمر هذه المشاعر طوال الوقت؟”
هل كان يعتبرني “مشهدًا مملاً” يستحق التخلص منه؟
لم أستطع التمييز بين الحقيقة والسحر، وبدأ عقلي في الدوران.
في تلك اللحظة، لمحتُ خصلة شعر حمراء كاللهب تمر بجواري، وتبعها صوت أنثوي ناعم ينادي إيميل بلطف:
“تعالَ إلى هنا، إيميل. لقد ودّعتَ زوجتك بما فيه الكافية، أليس كذلك؟ بصراحة، ألا تظن أن هذا الجنازة كانت مبالغًا فيها بالنسبة لإيفون؟”
اقتربت المرأة منه، ولفّت ذراعها حول ذراعه بحميمية.
ولم تكن المفاجأة فقط في أنها لم تبدُ متأثرة بوفاتي، بل في أن إيميل نفسه، الذي كان بلا تعابير طوال الوقت، قد ابتسم لها أخيرًا.
“أجل، معكِ حق.”
“لنعد إلى المنزل ونشرب نخبًا بالمناسبة. لقد أعددتُ كل شيء بالفعل.”
“حسنًا، فلنذهب.”
لم أستطع تصديق ما كنتُ أراه. كانوا يحتفلون بموتي!
“روزيان بيرغاموت!”
كانت تلك المرأة أقرب صديقاتي.
حتى بعد عودتي إلى الحاضر، ظلت يداي ترتجفان بشدةٍ بسبب الصدمة.
“لماذا كانت رؤياي عن المستقبل بهذا الشكل؟”
احتضنتُ جسدي المرتعش بقوة، محاوِلة تهدئة نفسي.
لشم تكن الرؤية مجرد وهم، فقد شعرتُ بها وكأنها شيءً حقيقي شعرتُ بجسدي ميتًا داخل التابوت، ورأيتُ إيميل وهو ينظر إليّ ببرود…
“إيميل لا يمكن أن يكون هكذا!”
أخذت أهز رأسي بشدةٍ، محاوِلة محو المشاهد من ذهني.
كان إيميل دائمًا يبتسم لي بلطف… لكنني رأيتُ أيضًا وجهه القاسي والساخر. أيهما الحقيقي؟
“هـ-هذا ليس حقيقيًا… مجرد وهم! لا بد أنني كنت متوترة للغاية، ولهذا رأيتُ ذلك.”
لكن… كيف يمكنني تجاهل مستقبل كهذا؟
تمنيتُ لو أتمكن من نسيانه تمامًا، لكنني لم أستطع.
نظرتُ إلى الدمية الصغيرة المصنوعة من الصوف، ذات العيون المستديرة بلون اليشم، التي كانت تحدّق بي بصمت.
كانت كأنها تمنعني من الهروب من الحقيقة.
「هل أنتِ بخير، إيفون؟ إذا أردتِ البكاء، يمكنكِ احتضاني」
“فيبي…”
كانت بيبي تحاول مواساتي، رغم أن تعبيرها كان مليئًا بالندم وكأنها توبّخ نفسها على إلقاء ذلك السحر.
عانقتُ الدمية الصغيرة بإحكام. رغم أنها كانت مجرد دمية محاكة، إلا أن دفئها جعلني أشعر أنني لستُ وحدي.
أخذتُ نفسًا عميقًا، ثم فتحتُ فمي بصعوبة، وصوتي يرتجف:
“ما رأيته… كان حقيقيًا، أليس كذلك؟”
「حسنًا…」
“لقد رأيتُ موتي في المستقبل القريب.”
بمجرد أن لفظتُ الكلمات، شعرتُ وكأن المستقبل يقترب مني أكثر فأكثر، وصورتي داخل التابوت أصبحت أوضح في ذهني.
شددتُ قبضتي على الدمية.
“خطيبي، إيميل… كان يمسك بذراع روزيان ويبتسم بينما يسخر مني. ما الذي يحدث بحق الجحيم؟!”
「اهدئي، إيفون…」
لكن حتى مع محاولة فيبي لتهدئتي، لم أستطع التوقف عن الارتجاف.
أغمضتُ عينيّ بإحكام، محاوِلةً كبح دموعي.
“كلاهما… كانا أقرب الناس إليّ.”
* * *
“إذن أنتِ إيفون؟ سررتُ بلقائك، أنا روزيان.”
كانت روزيان بيرغاموت أجمل فتاة في إقليم الكونت كليين.
كان والدها يعمل تحت إمرة الكونت، ولذلك كانت تزور القصر كثيرًا.
مع مرور الوقت، أصبحت جزءًا من حياتي، وصديقتي المقربة، إلى جانب إيميل.
لم تكن فقط جميلة، بل كانت واثقة وقوية أيضًا.
“إيفون، حافظي على توازنكِ جيدًا.”
‘هل كانت صداقتي معها كلها مجرد كذبة؟’
“لا تهتمي بمن يسخر منك.”
“نحن إلى جانبكِ دائمًا.”
كانت روزيان دائمًا تدعمني عندما أشعر بالضعف.
كيف يمكن أن تكون هي نفسها التي كانت تبتسم بسعادة أمام جثتي؟
ما أثار قلقي أكثر هو الطريقة التي تشابكت فيها ذراعها مع ذراع إيميل، وكأنهما عاشقان منذ زمن طويل.
“هل كانا يحبان بعضهما طوال هذا الوقت؟”
أملتُ رأسي بتفكير عميق.
“إذا كان الأمر كذلك، فلماذا طلب إيميل يدي للزواج؟ لماذا لم يتقدم مباشرة لروزيان؟”
عندها، خطرت لي صورة الكونتيسة، والدة إيميل.
“يا إلهي! لا أستطيع أن أكون أكثر سعادة لسماع خبر زواجكما!”
عندما عرض إيميل الزواج عليّ فجأة، اندفعت الكونتيسة كما لو كانت تنتظر حدوث ذلك.
والأغرب أن إيميل لم يبدو عليه أي اندهاش، كأنه كان يتوقع رد فعلها مسبقًا.
كان هناك تفسير واحد فقط لهذا الوضع الغريب
“إيميل كان يعلم بالفعل أن والدته أرادتني كزوجة له.”
إذا كان هذا صحيحًا، فالأمور تتضح أكثر. ربما لم يكن يريد خذلان والدته، ولهذا طلب يدي بدلًا من روزيان.
لكن السؤال الحقيقي هو: إلى متى كان ينوي الاستمرار في هذه المسرحية الهزلية؟
“حتى أموت؟!”
هل كانا يخططان للعيش كعاشقين في الخفاء بينما أبقى أنا مجرد واجهةٍ؟
مجرد التفكير في ضحكاتهما أمام جثتي جعل الدم يتجمد في عروقي مرةً أخرى.
كنتُ أعض شفتي بشدة عندما شعرتُ بيد صغيرة تربت على يدي.
“يبدو أن عقلك مليء بالأفكار السلبية. توقفي عن ذلك.”
نظرتُ إلى فيبي، الذي كانت تحدق بي بجدية.
“ما رأيناه هو مجرد لمحة صغيرة من المستقبل. لا شيء مؤكد.”
ثم أضافت ببطء، كما لو كانت تريد أن ترسّخ كلماتها في ذهني.
“يمكن تغيير المستقبل.”
اتسعت عيناي.
“ماذا قلتَ؟!”
يمكن تغيير المستقبل؟!
قبل أن أتمكن من استيعاب كلامه بالكامل، سمعتُ صوت الخادمة من الخارج.
“آنسة إيفون، يجب أن تنزلي.”
“مـ-ماذا؟”
انتفضتُ واقفة كما لو كنتُ مذنبة تم ضبطها متلبسة.
نظرتُ حولي بسرعة، لكن الخادمة لم تكن قد دخلت بعد.
نظرتُ إلى فيبي بقلق، لكنها أسرعت وقال:
“سأتصرف كدمية!”
صحيح! من الطبيعي أن يكون من الغريب أن تتحدث دمية، لذا كان من الأفضل لها أن تتظاهر بالصمت.
رأيتُها تسترخي فجأة وتسقط على السرير كما لو كانت مجرد قطعة قماش بلا حياة.
“عليّ أن أتصرف بشكل طبيعي… لا شيء مريب هنا.”
تنفستُ بعمق، محاوِلة تهدئة ضربات قلبي، ثم تقدمتُ نحو الباب. لم أكن متأكدة مما إذا كنتُ أهدأ أم أكثر توترًا مع كل خطوة.
أخذتُ نفسًا عميقًا وفتحتُ الباب.
نظرت إليّ الخادمة بقلق.
“آنسة، هل أنتِ بخير؟ وجهك يتصبب عرقًا!”
“آه… كنتُ… أمارس الرياضة!”
“في غرفتك؟”
“أ-أجل.”
حتى أنا شعرتُ أن كلماتي لم تكن مقنعة أبدًا. حاولتُ رسم ابتسامة طبيعية.
“بما أن حفل الخطوبة يقترب، فكرتُ أن عليّ أن أخسر بعض الوزن.”
رغم أنها لم تبدُ مقتنعة تمامًا، أومأت الخادمة برأسها.
“أفهم أنكِ متوترة، خاصة بعد إعلان الزواج رسميًا. لكنكِ في الوزن المثالي الآن، ولن يكون من الجيد تغيير شكل جسمك قبل ارتداء الفستان الذي تم تفصيله خصيصًا لكِ.”
“صحيح…”
لم تكن مخطئة. بفضل استعجال الكونتيسة، تم بالفعل اختيار فستان الزفاف وتصميمه وفقًا لقياساتي الحالية.
أي تغيير قد يفسد الأمر تمامًا.
تمتمت الخادمة بصوت منخفض:
“الغريب أنكِ كنتِ تكرهين الرياضة دائمًا.”
ثم التفتت إليّ، وسوت ثنيات ثوبي قائلةً:
“لدينا زائرة في القصر. يجب أن تذهبي إلى غرفة الاستقبال فورًا.”
“زائرة؟”
شعرتُ بالارتباك. هل كان من المفترض أن أستقبل أحدًا اليوم؟
قبل أن أتمكن من طرح سؤال، ألقت الخادمة القنبلة..
“إنها الآنسة روزيان.”
تجمدتُ في مكاني.