2
2
ديزي لم تدرك أنها قد بعثت من جديد داخل كتاب إلا بعد مرور عشر سنوات على ولادتها من جديد.
حين بلغت العاشرة من عمرها، أقيم مهرجان عظيم في أرجاء الإمبراطورية احتفالًا بالأميرة أدريانا ـ بطلة الرواية ـ التي نالت بركة الحاكمة.
‘كان الأمر مألوفًا فسألت والدي… ويا للدهشة! لقد كان هذا هو عالم رواية رومانسية!’
غير أنّ امتلاك سر كهذا لم يكن مفيدًا جدًا في حياتها اليومية.
‘أي فائدة تُرجى من قصة بالكاد أتذكر عنوانها؟’
زمّت ديزي شفتيها وهي تسترجع الخطوط العريضة للأحداث.
‘قصة حب بين الأميرة أدريانا المباركة من الحاكمة، والكونت فيليتشي.’
كانت القصة متوقعة. العقبات تنهال عليهما، لكن قوة الحب تتغلب في النهاية.
حتى الشرير كان تقليديًا، إنه الساحر الشرير من غابة الغرب.
لقد حاول الظفر بقلب الأميرة أدريانا لكنه فشل، فاستبد به الحقد وأطلق العنان لجرائمه، حتى بلغ به الأمر إلى اختطافها.
‘لكن في النهاية، شجاعة الكونت فيليتشي وحكمة الأميرة أدريانا حسمتا كل شيء لصالح الخير، هكذا انتهت القصة، أليس كذلك؟’
ومع ذلك، فمعرفة تفاصيل قصة حب لا تخصها لم تنفع ديزي في شيء.
غير أنّ أمرًا جديدًا طرأ مؤخرًا جعل ذكرياتها السابقة نافعة لأول مرة!
‘بالضبط! مكان إقامة الساحر الشرير!’
ذلك لأن الساحر اختطف الأميرة وحبسها في برجه الكائن في غابة الغرب.
‘موقع البرج كان يُذكر مرارًا في النص الأصلي.’
حتى ديزي، التي لم تكن تملك ذاكرة قوية، تذكرته بوضوح.
‘الحمد لله أني لم أنسه.’
بعد جهد استمر ثلاثة أيام من البحث المضني في أعماق الغابة الغربية، نجحت ديزي أخيرًا في العثور على برج الساحر.
وقفت أمامه وابتلعت ريقها، إذ تسلل إليها شعور بالتوتر.
‘هل كان قدومي إلى هنا قرارًا صائبًا؟’
فالساحر الذي يقيم هنا مقدّر له أن يصبح شريرًا في المستقبل.
هزّت ديزي رأسها سريعًا محاولة طرد القلق.
‘لا، لا بأس. لم يكن شريرًا منذ البداية، وإنما صار كذلك بعد أن رفضت الأميرة حبه، فتحول إلى شخص حقود، أليس كذلك؟’
لكنها اعترفت في داخلها: لو كان طيب الجوهر حقًا، لما انقلب إلى الظلام لمجرد أنه رُفض من امرأة…
“أياً يكن، حتى لو كان مثيرًا للشفقة قليلًا، فقد يكون أفضل مما أتصور! ما دام لم يُرفض بعد!”
سواء كان خيرًا أو شرًا، فقد كان هذا رهان ديزي الوحيد، وكان عليها أن تمضي فيه.
أخذت نفسًا عميقًا، وتقدمت إلى باب البرج وطرقت.
* طَرق طَرق.
“ألا يوجد أحد هنا؟”
* طَرق طَرق طَرق.
“ألا يوجد أحد بالداخل؟”
* طَرق، طَرق، دَمدَمة، دَمدَمة دَمدَمة!
“أيها الساحر؟”
* دَمدَمة! دَمدَمة! دَمدَمة!
“أما من أحد هنـاااك؟!”
استمرت تطرق الباب بطريقة لا تكاد تُسمى طَرقًا، حين أحست فجأة بحركة خلفها.
“من أنتِ؟”
قفزت ديزي في مكانها فزعًا.
“آآه! من هناك!”
“أنا من بادر بالسؤال أولًا.”
“إيييك!”
استدارت بسرعة لترى رجلًا يقف أمامها.
كان ذا شعر أسود قاتم، وعينين بلون السبج، ووجه وسيم يبعث على الدهشة. بدت ملامحه متراخية، غير أن هالة غامضة من الهيبة أحاطت به.
السبج ( جوهرة لونها اسود لامع )
‘ذكرت الرواية أن الساحر يملك شعرًا وعينين سوداوين… أيمكن أن يكون…؟’
مظهره الوسيم لم يكن متوقعًا، لكنه طابق تمامًا وصف الساحر الشرير في القصة.
وضعت ديزي يدها على صدرها وابتلعت ريقها.
“أنا… أنا اسمي ديزي. هل… هل أنت الساحر العظيم لغابة الغرب؟”
كان واضحًا أن الساحر اعتاد مثل هذه المواقف، إذ أجاب ببرود وهو يستقبلها كأنها زائرة عابرة:
“ما حاجتك؟ المقابل؟ تكلّمي بسرعة وارحلي. وقتي أثمن من الذهب.”
…كان هذا استقبالًا فظًا، لكنه لم يثنِ ديزي.
“جئت لأن صحتي متدهورة بلا سبب واضح، وأردت أن أرى إن كان بإمكانك معالجتي.”
“مرض؟ أنا لست طبيبًا، بل ساحر.”
“قال لي ساحر القرية إن شفائي يحتاج إلى جوهر العالم.”
“وماذا في ذلك؟”
تشبثت ديزي بردائه برجاء.
“أنت، الساحر العظيم لغابة الغرب، لا بد أن تملك جوهر العالم! رجاءً، شاركني قليلًا منه…”
فأجاب الساحر دون تردد:
“ليس عندي.”
“…ماذا؟”
“قلت لك، لا يوجد شيء اسمه جوهر العالم. لا أملكه، ولا يثير اهتمامي.”
“لماذااا!”
أمسكت ديزي رأسها بيأس.
‘يا إلهي، هل يمكن أن أكون بهذه الدرجة من سوء الحظ! لا بد أن الأمر أنني في زمنٍ يسبق أحداث الرواية، ولهذا لم يحصل بعد على جوهر العالم!’
لكن صدمتها لم تدم طويلًا. استجمعت شجاعتها وارتمت على ركبتيها عند قدمي الساحر.
“حتى روث البهائم إذا جُمع يمكن أن يُستعمل دواءً. إذن، ألا يجدر بك أن تجمع جوهر العالم مسبقًا؟”
قطّب الساحر حاجبيه.
“ماذا؟ روث البهائم؟ …الجنون نفسه أن أُضيع وقتي على فتاة مخبولة.”
نفض يده بعنف ليحرر ردائه من قبضتها، ثم اختفى داخل البرج.
أُغلق الباب الخشبي بقوة أمام أنفها، فشرعت ديزي تضربه وتصرخ:
“انتظر! أنا لن! أستسلم! بهذه السهولة!”
—
مرّت ثلاثة أيام منذ أن نصبت ديزي خيمتها بجوار برج الساحر.
وخلال تلك الفترة، اكتشفت عدة أمور:
أن اسم الساحر الشرير هو كاليوس. وأن طباعه فظيعة لا حد لها، وقلبه بارد لا يعرف الرحمة!
“كيف لإنسان أن يتجاهلني تمامًا بهذا الشكل؟ لو كنت أعرف نقطة ضعف له، لكان الأمر أسهل بكثير. لكن… أي زعيم نهائي يملك ثغرات أصلًا؟”
كانت تتمتم بمرارة عندما وقع ما لم تتوقعه.
* كوااااااااانغ!
اهتزت الأرض بعنف كأنها ستنشق.
“آآاااه!”
فزعت ديزي واعتدلت جالسة بسرعة. الغبار المتصاعد حال دون أن ترى أمامها.
وبعد وقت بدا طويلًا، خفتت العاصفة الترابية وساد السكون.
“ما… ما الذي حدث؟”
جالت بنظرها حتى وقع بصرها على دخان كثيف يتصاعد من برج الساحر.
“مستحيل… هل اندلع حريق؟”
لو أصاب مكروه كاليوس فستكون الكارثة عليها أيضًا.
“يا ويلي! حياتي!”
ركضت بكل قوتها نحو البرج، وطرقت الباب بجنون لم يسبق له مثيل.
“سيدي كاليوس! سيد كاليوس؟ ما الذي يجري؟ لستَ ميتًا، صحيح؟ على الأقل اشفِ مرضي قبل أن تموت!”
استمرت تدق حتى آلمتها قبضتها. وأخيرًا، فُتح الباب فجأة. ارتسمت ابتسامة الارتياح على وجهها.
“الحمد لله! كنت أعلم أنك بخير!”
وكانت تتوقع أن يخرج كاليوس كعادته ليمطرها بالشتائم…
لكن…
“هاه؟ أين أنت، أيها الساحر؟”
لم يظهر له أثر. نظرت حولها مرتبكة.
“غريب… هل فُتح الباب بفضل السحر وحده؟”
وبينما هي تميل برأسها في حيرة، سمعت صوتًا صغيرًا عند قدميها.
“…هنا.”
“مم؟ ما هذا؟”
“أنا هنااا!”
كان الصوت طفوليًا.
“يا إلهي…”
خفضت ديزي بصرها، فشهقت دهشة.
كان هناك طفل لا يتجاوز الرابعة أو الخامسة، ذو شعر أسود وعينين سوداويين لامعتين، شديد الوسامة واللطافة.
اقتربت ديزي بنبرة حانية.
“ومن تكون أنت يا صغيري؟ ما الذي تفعله هنا؟ هل جئت لتتعلم السحر؟ على كل حال، أين سيد كاليوس؟”
“ذلك هو أنا!”
ظنت ديزي أنها لم تسمع جيدًا، فأعادت السؤال:
“ماذا قلت؟”
فصرخ الطفل:
“أنا، كاليوس! أنا الساحر نفسه!”
—
الطفل ـ أو بالأحرى ‘كاليوس’ ـ أخذ يذرع الغرفة جيئة وذهابًا بقدميه القصيرتين، يضرب الأرض بغضب. حتى إنه رفع أصابعه الصغيرة إلى ذقنه متظاهرًا بالتفكير العميق.
حدّقت فيه ديزي بذهول.
‘حقًا هذا الطفل هو الساحر كاليوس؟’
كانت نظراته الحادة وطباعه المتجهمة مطابقة بالفعل.
“أي سحر هذا الذي جعلك تصغر… لا، أعني تستعيد شبابك هكذا؟”
“لا أعلم أنا أيضًا! أثناء بحثي، فجأة انفجرت طاقتي السحرية.”
وكان صوته القصير المتلعثم يضفي عليه لطافة قاتلة… لكن ديزي حاولت طرد هذه الفكرة سريعًا. فالمشكلة الحقيقية كانت شيئًا آخر.
“إذن… سيد كاليوس، تقصد أنك لم تعد قادرًا على استخدام السحر؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 2"