11
“الاحتمالان لا يخرجان عن أمرين.”
أخيراً تكلّم كاليوس، بعد أن ظلّ يتبع ديزي بصمت طوال الطريق.
“إما أنك مجنونة، أو أنّ ذاك الساحر حقاً ذو هوية مريبة.”
“كما تعلم، أنا إنسانة سليمة تماماً!”
“أعرف. لستِ سوى ناقصة قليلاً، لكن عقلك سليم. ثم إن بشراً عادياً لن يفكر: ‘لديّ خلل في الروح والجسد، عليّ أن ألجأ إلى كبير السحرة كاليوس’، إلا لو كان مجنوناً تماماً. وذلك أمر يصعب حدوثه.”
“أغغ…”
انطفأ بعضٌ من شعورها بالظلم، لكنها في الوقت ذاته شعرت بظلم من نوع آخر.
“على أية حال، فهذا يعني أنّ ذلك الساحر لم يكن شخصاً عادياً. من يملك القدرة على التحكّم بذاكرة قرية بأكملها وقراءة الأرواح… قلائل هم المرشحون.”
راح كاليوس يتمتم لنفسه كأنّ ديزي لم تكن موجودة أصلاً. فأخذت هي تدحرج عينيها ثم وخزته بإصبعها.
“يا، كاليوس.”
“ماذا؟ أما زلت هنا؟ لم ترحلي بعد؟”
“ألا ترى أن هذا الأمر يخصّني أيضاً؟”
فعقد كاليوس إحدى عينيه وكأنّه تذكّر شيئاً. عندها مدّت ديزي إصبعها السبّابة بجدية.
“برأيي، الأولى أن نبحث عن ‘جوهر العالم’ قبل أن نكشف هوية ذلك الساحر العجوز.”
كانت ديزي واقعية. بالنسبة لها، حلّ المشكلة العاجلة أولى من البحث عن أسباب ما جرى.
‘حياتي على المحك هنا!’
لكن تفكير كاليوس كان مختلفاً تماماً.
“أما أنا، فلا بدّ أن أعرف من يقف وراء الأمر أولاً.”
“هـه؟ ولماذا؟”
“لأن أول ما يجب التأكد منه، هو ما إذا كان من سرق قواي هو نفسه ذلك الساحر الذي التقيتِه.”
وكما أشار من قبل، ما وقع بينهما لم يكن محض مصادفة، بل بدا وكأن هناك يداً تدبّر الأمر من الخفاء.
‘وما يزيد الشكوك أنّ هذا الطرف خفيّ للغاية.’
كاليوس بطبعه لا يثق بأحد، ولعلّ مجرد كونه لم يتهم ديزي مباشرة يُعَد أمراً محموداً.
تنهدت ديزي طويلاً ثم سألت:
“…ولو تبيّن أنّ ذاك الساحر العجوز له علاقة بما حدث، فماذا ستفعل؟”
ابتسم كاليوس ابتسامة باردة وقال:
“سأذيقه عذاباً يجعله يعدّ الموت نعمة.”
“وإن لم يكن هو من سرق قواك؟”
“حينها سأقلب العالم رأساً على عقب حتى أعثر على الوغد الذي ألقى عليّ اللعنة.”
بلغ الأمر حدّاً دفع ديزي لطرح السؤال البديهي:
“وهل معرفة ذلك الشخص ستساعد في شفاء مرضي؟”
“لا.”
“…لا؟ إذن متى ستشفيني؟”
فجاءها الجواب الفاتر:
“حين أنتهي من عملي كله.”
“ماذا؟”
الخلاصة: يريد الانتقام أولاً، ثم ينظر في أمرها.
تعلّقت ديزي بردائه فجأة وصرخت:
“ما الذي تقوله!”
“أما سمعتِ؟ أعيدها: سأعالج مرضك بعد أن أفرغ من شؤوني.”
“لكن هذا متأخر جداً! ماذا لو متّ وصرتُ شبحاً تائهاً قبل أن تنتهي؟”
“حينها… للأسف.”
“للأسف؟! هكذا بكل بساطة؟! لقد عقدنا اتفاقاً!”
فقد كتب الاثنان عقداً ملزماً بالسحر، ينصّ على أن:
“تساعد ديزي كاليوس على استعادة قواه، وفي المقابل، يبذل كاليوس جهده لإيجاد جوهر العالم ومعالجة مرضها.” وكانا قد ختمَا العقد بختم سحري ملزم.
‘كيف ينقلب عليّ هكذا بعد أن وقّعنا عقداً؟! ألا يخاف حتى من عواقب نقض السحر؟’
قرأ كاليوس نظرتها وأجاب بابتسامة ساخرة:
“لم يُذكر في العقد أولوية العمل ولا مدته. يكفيني أن أبدي الاستعداد لبذل الجهد في أي وقت.”
“ماذا… ماذا تقول!”
كم بدا محتالاً في تلك اللحظة! ارتجفت أهداب ديزي غيظاً.
ثم حرّر كاليوس ردائه من يدها وهمس في أذنها:
“من البداية، كان عليكِ أن تدققي في بنود العقد قبل أن تضعي ختمك.”
‘آه… أي خيبة! لكن لا، لم يكن كاليوس يوماً “فأساً يمكن الوثوق به”. بل الخطأ خطئي، إذ علّقت أملاً ما على الشرير الأكبر في هذا العالم.’
تنفست ديزي بعمق وهي تلعن سذاجتها في سرّها، ثم تمكّنت بالكاد من فتح فمها:
“مع ذلك… يجب أن تفي بوعدك! لا يجوز أن تفعل هذا! وأنت كبير السحرة، كيف تكون بهذه الوقاحة؟!”
ابتسم كاليوس بابتسامة مائلة وقال:
“هذه ليست وقاحة، بل عقلانية. أنا فقط أقدّر وقتي المخصص لفضولي أو انتقامي أكثر من الوقت الذي قد أبذله لأجلك.”
ثم مدّ يده ولمس خدها بخفة، كأنه يتفضل عليها:
“لكن يمكنك البقاء في برجي كما تشائين. لعلّني أجد وقتاً يوماً ما فأعالج مشكلتك. فلا تفقدي الأمل.”
كان يتصرف وكأنه يمنحها منّة عظيمة. فأحست ديزي بدمها يغلي.
‘إه… حياتي كلها على المحك، وهو يتعامل بهذه الخسّة لمجرد أنّ الأمر لا يخصه؟ أيها الوغد اللعِين!’
لقد ظنت أنّه مجرد ساحر غريب الأطوار، لكنه لم يكن غريب الأطوار وحسب، بل *مختلّ الشخصية*، أنانيّ لا يرى إلا نفسه!
صرّت ديزي أسنانها بقهر.
‘أتمنى أن يعود صغيراً مرة أخرى! حينها أطرحه أرضاً وأجلده كما يستحق!’
وما إن كانت تحدّق فيه بعينين متقدتين غضباً، حتى دوّى فجأة:
-فووووش!
هبت عاصفة حادة قلبت الأوراق على المكتب وجعلتها تتطاير في كل اتجاه.
“ماذا الآن؟!”
تراجعت ديزي وأخفت وجهها بذراعيها.
-كراااااك! كرااااك!
ارتجّ البرج كله بعنف، ومعه دوّت انفجارات متتابعة:
-بوم! بوم!
صرخت ديزي وسقطت أرضاً تلصق وجهها بالتراب:
‘ماذا يجري؟ كم كارثة ستقع اليوم بعد؟!’
طال انتظارها حتى هدأت الأصوات شيئاً فشيئاً، فرفعت رأسها بحذر.
‘يا إلهي، يا لها من فوضى…’
كانت غرفة كاليوس قد تحولت إلى خراب كأن قنبلة سقطت فيها.
وبينما كانت تزفر بأسى، وقعت عيناها على *شيء*. عندها ارتسمت على وجهها ابتسامة خبيثة.
“أهاا…”
والسبب؟ كان يقف في وسط الغرفة كاليوس نفسه—لكن بحلّة مختلفة.
“هاهاها! لقد عدت قزماً من جديد يا كاليوس!”
لم يعد هناك أثر لذلك الشاب الطويل ذي الهالة المهيبة؛ بل عاد طفلاً قصيراً بأطراف صغيرة.
“يا للروعة! ما ألذّ هذا المنظر!”
انفجرت ديزي ضاحكة من أعماقها. شعرت وكأن النصر قد أتاها من السماء.
اقتربت منه وهي تقول بسخرية خفيفة:
“والآن، ما العمل يا كاليوس؟ أظن أنّك بحاجة إلى مساعدتي مرة أخرى، أليس كذلك؟”
عضّ الطفل الصغير على أسنانه غيظاً.
“…اللعنة! لقد صار الوضع معقداً بحق.”
ابتسمت ديزي بانتصار وقالت:
“إذاً، فلنذهب لتعديل عقدنا اللطيف الذي كنتَ قد شرحتَ لي شروطه بكل تفصيل، أليس كذلك؟”
لقد وهبها القدر فرصة ثانية، ولن تفوّت هذه المرة.
—
[يتعيّن على كاليوس أن يتناول، مرة واحدة على الأقل في اليوم، جميع الأطعمة التي تقدّمها له ديزي دون أن يترك منها شيئاً.]
عندها صرخ كاليوس:
“هذا عقد ظالم!”
فانفتح فم ديزي من الدهشة حتى كادت لا تصدق ما تسمع.
“يا للوقاحة يا كاليوس! لم أظن أنك ستجرؤ حتى على قول شيء كهذا.”
لقد وضعت ديزي ذلك البند فقط لتتخلّص من عناء التعامل مع كاليوس المتذمّر صعب الإرضاء في الطعام. أي إن الأمر في النهاية كان لمصلحته هو، فلا يمكن اعتباره شرطاً ظالماً!
‘حسناً… لا أنكر أن بعض الضغينة قد اختلطت في الأمر.’
وفيما كانت ديزي غارقة في أفكارها، كان كاليوس يلهث خلفها ويصبّ غضبه في الكلمات:
“أنا لست وقحاً! العقد السابق وُقِّع لأنك كنتِ ساذجة وغبية، أما هذا العقد الجديد فأنا أُجبر عليه تحت ضغط خارجي، وهذان أمران مختلفان تماماً!”
ضحكت ديزي بسخرية.
‘حقاً إنه شرير بكل ما تحمله الكلمة من معنى. يحتال عليّ أولاً، ثم يزعم أنني أنا من خدعته؟ أي وقاحة هذه!’
لم يكن هذا تصرفاً يصدر عن أناني عادي، بل عن شخص يفيض بالوقاحة حتى أقصاها.
هزّت ديزي رأسها يمنة ويسرة، ثم توقفت وأشارت بيدها نحو غرفة نوم كاليوس.
“كاليوس، كفّ عن الإزعاج وادخل غرفتك. ألا ترى أن الشمس أوشكت على المغيب؟ إن أردت أن تكبر مجدداً عليك أن تنام باكراً.”
زمجر وهو يرد:
“يا لكِ من ثرثارة.”
“ثرثرة؟ بل هو نصح مخلص لخيرك ونموك واستعادتك لقوتك.”
“تِف!”
“بالمناسبة، ستحضر وجبة الغداء غداً، أليس كذلك؟ هذا وعد.”
قطّب كاليوس حاجبيه بشدة وكأن الأمر يزعجه إلى أقصى حد.
“…ثرثرة فوق رأسي، والآن أوامر أيضاً!”
قالت ديزي بنبرة حازمة:
“بغض النظر، ستفي بوعدك، صحيح؟ مرة واحدة في اليوم، عليك أن تأكل كل ما أعدّه لك دون اعتراض أو ترك. هذا ليس بالأمر الصعب.”
ذكّرته مجدداً بالبند الذي أضافته في العقد.
فلم يرد، بل ظل يحدّق بها بغضب، ثم استدار فجأة واختفى داخل غرفة نومه.
أخرجت ديزي لسانها ساخرة خلفه.
‘هه! لستُ خائفة من طفل مدلل يعبس لأنه لا يحب الطعام. يا له من ساحر محتال!’
ومنذ تلك اللحظة لم يتبقَّ في قلبها ذرة احترام لذلك “الساحر العظيم” كاليوس. لقد أزال كل أثر من الهيبة التي كانت تحيط به بفضل سوء خلقه وتعامله الأناني.
“على كل حال، انتهى اليوم بخير، وهذا أهم شيء.”
تنفّست ديزي الصعداء ودوّنت الدرس جيداً في أعماقها:
‘الشرير سيبقى شريراً، فلا تثقي به أبداً!’
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات