لم يكن صباح اليوم التالي كسابقيه.
فحتى قبل أن تفتح سيلينارا عينيها، كانت تشعر بأن شيئًا ما قد تغيّر في الهواء.
هدوء القصر الإمبراطوري لم يكن سوى قناع رقيق يُخفي قلقًا خفيًا يهمس في الزوايا.
قاعة الفجر الكريستالية
حين دخلت سيلينارا قاعة الفجر الكريستالية لتناول إفطارها المعتاد مع الوفود والنبلاء المدعوين للمهرجان، بدت القاعة كأنها لوحة رسمتها يدٌ ملكية.
الجدران من الرخام الأزرق المرصّع بخيوط فضية ملتفّة على شكل أغصان كرمة، والسقف مرتفع تتدلّى منه ثريات ضخمة من الكريستال الشفاف تُشبه رقاقات الثلج المتجمّدة في الهواء.
ضوء الصباح يتسلّل من نوافذ مقوّسة ذات زجاج ملوّن، يعكس ألوانًا حالمة كأنها موسيقى صامتة ترقص على الأرض.
أما طاولات الطعام، فمكسوّة بمفارش عاجية، وأوانٍ من الذهب الوردي، وورود بنفسجية وزهرية متناثرة كأنها زُرعت خصيصًا ليومها.
زيّ سيلينارا
كانت ترتدي فستانًا من التول الأبيض النقي، مطرّزًا بخيوط فضيّة دقيقة تُشبه تساقط الثلوج في ليلة مقمرة، بياقة مرتفعة من الدانتيل المُخرّم، وأكمام طويلة تنتهي بريشة ناعمة كالنسيم، مع خصر يضيق برقة ليُبرز جمال قامتها.
شعرها الأبيض كالثلج كان مرفوعًا بنصفه، مزينًا بمشبك من الياقوت الأزرق الداكن. أما عيناها، فكانتا أكثر اتساعًا هذا الصباح… تبحثان، دون اعتراف، عن ظلّ بعينه.
الحوارات والشخصيات الجديدة
جلست سيلينارا إلى طاولة تضم شخصيات من مختلف أنحاء القارة:
البارونة إلينور ديسولين: سيدة أرستقراطية فرنسيلية الأصل، ترتدي قبعة من الريش الأحمر، معروفة بفضولها المفرط وحدّتها الناعمة.
السير ألريك غراندهولم: محارب عجوز متقاعد، يحكي دومًا قصص معارك لا يصدّقها أحد.
الأميرة ريفايا من مملكة فالين: شابة حالمة، تغني أثناء تناول الشاي وتؤمن بأن كل لقاءٍ قَدَر.
وبين نغمة الحديث وأزيز الملاعق، تسلّلت الهمسات:
> “ألم تسمعي؟ الأرشدوق كايرون غادر منتصف الليل!”
“يقولون إن خطرًا ظهر على الحدود الشمالية… الذئب الذهبي لا يرحم حين يستنفر.”
“لكنه لم يُعلِم الإمبراطور حتى… غريب! أليس كذلك؟”
لم تتدخل سيلينارا، لكنها سمعت كل كلمة.
وفي داخلها، تعالت أسئلة لم تكن تعرف أنها تحملها:
> “لماذا رحل دون كلمة؟”
“لماذا بدا وكأنه سيقول شيئًا… ولم يفعل؟”
“ولماذا أشعر أن مقعده الفارغ… يضجّ أكثر من مئة وجه؟
اللقاء مع السفير الإمبراطوري
خلال الفطور، اقترب منها رجل أنيق في أواخر الثلاثينات، ذو لحية مرتّبة وعينين بلون الفحم اللامع.
> “سيدة الريشة الفضية… يُشرّفني أن أُعرّف عن نفسي. اسمي السفير أزريت فالماين، المبعوث الخاص لشؤون الثقافة الإمبراطورية.”
ابتسمت له سيلينارا بلطافتها المعتادة:
> “شرفٌ لي، يا سيد فالماين.”
قال بنبرة رسمية مغلّفة بإعجاب:
> “مولاتي، الإمبراطور معجب للغاية بعرضك الأخير، وقد أمر ببناء جناح خاص لكِ في القصر، إن رغبتِ بالبقاء لما بعد المهرجان.”
رفعت حاجبًا بدهشة خفيفة:
> “يبدو أن الإمبراطورية لا تكتفي بالضيوف المؤقتين.”
أجابها بلطف:
> “ولا أنتِ، يا سيدة الظلال، ضيفة مؤقتة على قلوبنا.”
ضحكت بخفة، لكن ما أرادته لم يكن جناحًا، ولا مديحًا…
كانت تنتظر خبرًا واحدًا فقط.
الهواء يتغير… وكأن الذئب يقترب
في لحظة هدوء بعد الفطور، صعدت سيلينارا إلى شرفتها في الجناح الشرقي.
السماء رمادية، والهواء يحمل برودة مبكرة رغم ضوء الشمس.
وقفت، وعيناها الزرقاوان تحدّقان في الأفق البعيد نحو الشمال.
> “هل ستعود…؟”
وفجأة…
صوت خطوات قوية يُسمع في البهو أسفل الجناح.
صوت لم يُخطئه قلبها…
وإن أنكره عقلها.
التعليقات لهذا الفصل " 6"