كانت أنوار المهرجان الإمبراطوري تُشعل سماء سترونيا بألوانٍ متلألئة، لكنّ سيلينارا، وهي واقفة في الشرفة المخصصة لها، لم تكن تراقب السماء.
كانت تراقبه هو.
كايرون أرغالوث، الأرشدوق العظيم، يقف في الطرف المقابل من الحديقة الإمبراطورية، محاطًا ببعض الجنرالات والدوقات، إلا أن حضوره كان يطغى على الجميع. شعره الأسود ينسدل بأناقة على كتفيه، وعيناه الذهبيتان… تلك العيون، يا للسماء، كأنها شُكّلت من شمسٍ لا تغيب.
عندما التقت نظراتهما، لم تتحرك سيلينارا. لم تُخفض عينيها كغيرها من النساء، بل تمادت بابتسامةٍ صغيرة، فيها من التحدي ما يكفي ليُشعل فضول ذئبٍ لا يهاب.
تقدّم كايرون نحوها بخطوات هادئة محسوبة، حتى وقف أمامها تمامًا. للحظة، لم يتحدث أيٌّ منهما. كانت الموسيقى خلفهما، والضحكات تتعالى، لكن السكون بينهما كان عالمًا آخر.
– “أراقبكِ منذ دخلتِ القصر.”
قالها بصوته العميق الواثق.
أجابت بسلاسة:
– “وأنا كنتُ أتساءل إن كنتَ ستخترق جدار الجليد ذاك الذي تضعه بينك وبين العالم.”
انحنى قليلًا، كأنّه يعترف بسرٍّ دفين:
– “ربما أنتِ لستِ مجرد راقصة، كما يُشاع.”
ابتسمت ابتسامةً تُنذر بالخطر:
– “وأنت، يا أرشدوق، لستَ باردًا كما يُشاع.”
وعندها، ولأول مرة منذ سنوات، ابتسم كايرون… فعلًا.
ابتسامة صغيرة، بالكاد تُرى، لكنها كانت حقيقية.
في تلك الليلة، وخلال العرض الكبير في ساحة القصر، أبهرت سيلينارا الجميع برقصةٍ حملت فيها كل أوجاع القارات، وكل آمال الحب والحرية، وكل رموز الماضي المفقود. حتى كايرون، الذي نادرًا ما يُظهر إعجابه، ظلّ واقفًا يراقبها بعينين ذهبيتين تحترقان صمتًا.
وبينما كان الجميع يصفّقون، انسحبت سيلينارا بهدوء إلى الشرفة الخلفية، تلتقط أنفاسها.
ووجدته هناك.
– “راقصتكِ…”
همس كايرون، يقف خلفها مباشرة،
– “…أيقظتِ شيئًا في داخلي كنتُ أظنّه مات.”
استدارت إليه، وقلبها يخفق بشدة رغم هدوء ملامحها.
– “أحيانًا، لا نموت… بل نُطفأ فقط. أنا فقط أضأتُ ما كان فيك نائمًا.”
كان في عينيه بريق لم تره من قبل، خليط من الشغف، والتردد، والرغبة في القرب.
وفي تلك اللحظة، ولأول
مرة، شعرت سيلينارا أن شيئًا خطيرًا قد بدأ.
التعليقات لهذا الفصل " 3"