لاحقا في الضهيرة الدافئة غمرها ضوء شمس سترونيا النقي، تألقت حدائق القصر الإمبراطوري بألوان الزهور المزروعة بعناية، وزُيّنت بعقود من الستان الأبيض ومظلات ذهبية صغيرة خفيفة تتمايل مع النسيم. انتشرت الطاولات المستديرة على العشب المخملي، فوقها أطقم شاي من الخزف الأزرق، وحولها جلسَت السيدات النبيلات في فساتينهن المطرّزة وأحاديثهن التي تتنقّل بين القيل والقال.
نظمت ميلانثيا هذا الحفل بعناية فائقة. فليس مجرد حفل شاي، بل مناسبة تم انتقاؤها بحذر لتكون فرصة ناعمة لقراءة النفوس، واختبار الانجذابات، وجسّ النوايا.
كانت سيلينارا قد وصلت متأخرة قليلاً، مرتدية فستاناً من الشيفون الأبيض المطرّز بخيوط فضية، وشعرها مرفوع نصفه للأعلى، تُزيّنه دبوس ياقوتي أرجواني يُشبه دمعة ضوء.
بخطوات هادئة، اقتربت من إحدى الطاولات حيث جلست الأميرة ريفايا من مملكة فالين، بثوب بلون الخزامى وقبعة صغيرة أنيقة تُشبه أجنحة فراشة.
ابتسمت ريفايا وقالت وهي تشير إلى المقعد بجوارها:
“سيلينارا، أليس كذلك؟ لا أصدق أن لدينا كل هذه الاهتمامات المشتركة ولم نلتقِ بشكل لائق بعد.”
أجابتها سيلينارا بلطف وهي تجلس:
“بل أنا سعيدة بهذا اللقاء. لطالما جذبتني مملكة فالين بثقافتها وزخارفها الدقيقة.”
ضحكت ريفايا بخفة وهي تصبّ الشاي:
“وأنا مفتونة برقصك. ثمّة حكايات تُحاك حول كل حركة من حركاتك، وأيضًا… ذوقك في المجوهرات! الدبوس الذي ترتدينه الآن؟ مذهل.”
نظرت إليها سيلينارا بدهشة:
“إنه من شمال لورانسيا. نادر جدًا. لا أحد لاحظه قبلك.”
قالت ريفايا بعينين لامعتين:
“لأنني ألاحظ التفاصيل التي تستحق أن تُلاحظ.”
في زاوية أخرى، كانت الإمبراطورة ميلانثيا تراقب هذا التفاعل بعين خبيرة. اقتربت بعد دقائق، تحمل فنجان شايها بنفسها، وجلست بهدوء على الطاولة ذاتها.
قالت بنبرة ودودة:
“أيتها الأميرات الجميلات، بدا الجو أكثر إشراقًا الآن.”
ابتسمت لها ريفايا بلُطف، فيما وقفت سيلينارا احترامًا، فقالت ميلانثيا:
“لا حاجة لكل هذا، آرا… هل تمانعين إن ناديتك بهذا الاسم؟ سمعت أنه يُستخدم بين المقرّبين فقط.”
ردّت سيلينارا بابتسامة خفيفة: “بالتأكيد لا، جلالتك.”
قالت ميلانثيا وهي ترتشف شايها:
“أراقبك منذ الأمس، وأعتقد أنكِ لستِ فقط راقصة موهوبة، بل أيضًا امرأة ذات فكر وروح. أخبريني، ما رأيك بالإمبراطورية حتى الآن؟”
تردّدت سيلينارا قليلًا قبل أن تجيب:
“إنها… مختلفة عن كل ما رأيت. قوية، مترفة، لكنها لا تفتقد السحر.”
نظرت إليها ميلانثيا نظرة عميقة وقالت: “وهل كايرون جزء من هذا السحر؟”
شهقت ريفايا بخفة وهي تخفي فمها بالمروحة.
أما سيلينارا، فارتبك بريق عينيها، وهربت نظراتها نحو فنجان الشاي:
“إنه… شخص يترك أثرًا، بلا شك.”
أومأت ميلانثيا، وكأنها تلقت إجابة لم تكن بحاجة إلى سماعها بالكلمات.
ثم قالت برقة: “أحيانًا، أوراق الشاي تُخبرنا بما لا يقال. وأنتِ يا آرا… أظن أن فنجانكِ يهمس بالكثير.”
ضحكت ريفايا، وسرعان ما انضمّت إليهما سيدات أخريات، وبدأت الأحاديث تنتقل بين الموضة، الرقص، الأعراس السياسية، والأسرار الصغيرة التي تدور في القاعات الإمبراطورية.
لكن عيني ميلانثيا ظلّتا ترصدان سيلينارا كل الوقت،
وكأنها تحاول أن تقرأ تلك الهمسات التي اختبأت بين فواصل الكلمات.
التعليقات لهذا الفصل " 15"