تذكر أنه رسم خطًا فاصلاً لنفسه ؛ بأنه يمكنه التظاهر بحبها كما يشاء ، لكنه لن يحبها حقًا.
حتى الآن ، كان من النوع الذي يضع معايير صارمة لفتاة أحلامه التي قد لا توجد في هذا العالم ، متمسكًا بفكرة أنه إذا لم تكن هي فتاة أحلامه ، فهي ليست قدره.
عندما بدأت القدّيسة الرثة تبدو لطيفة في عينيه.
عندما بدأ مزاجه يرتفع و ينخفض مع كل كلمة تافهة أو تصرف بسيط منها.
و عندما وجد نفسه عاجزًا عن إبعاد نظره عن رأسها المستدير الصغير ، ظن حينها أن قلبه قد مال قليلاً فحسب.
تهاون مع الأمر و اعتبره قدرًا مسموحًا به.
فرغم أن هدفه كان مختلفًا ، إلا أنها في النهاية هي المرأة التي سيتخذها زوجة.
لذا اعتبر أن وجود قدر من الإعجاب أمر جيد.
فهو بالتأكيد أفضل من أن تكون شخصًا لا يطيق رؤيته.
و لكن ، هل هذا يعني أنه يحبها بالفعل؟
بمجرد أن أدرك حقيقة مشاعره ، شعر و كأن رأسه يدور.
‘… يا للهول’
في الواقع ، السبب الذي جعل أليستو ينكر أن القدّيسة هي فتاة أحلامه طوال تلك الفترة كان يعود لوعي باطن راسخ في أعماقه: ‘الأشخاص الغالون هم نقاط ضعف’
هذا ما رآه و نشأ عليه.
فوالدته ، رغم فقدانها لزوجها ، اضطرت لعيش حياة لا ترغب بها فقط لحماية طفلها الغالي.
و جيرولد ، لأنه يعتبر والدته غالية عليه ، يذهب لزيارتها كالأحمق في كل مرة رغم كل الكراهية التي يتلقاها منها.
و لأنه يدرك ذلك ، فقد استغل أليستو نفسه مرارًا و تكرارًا الأشخاص الغالين على خصومه كنقاط ضعف يضغط بها عليهم ليحصل على ما يريد.
لذا ، لم تكن لديه أدنى رغبة في امتلاك شخص غالٍ على قلبه.
خاصة و أن والدته أو جيرولد يملكان على الأقل القوة الكافية لحماية أنفسهما ، أما القدّيسة …
سحقًا.
كان الخيار الأمثل هو عدم حبها منذ البداية.
‘هل سينفع الأمر إذا حاولتُ عدم حبها بدءًا من الآن؟’
نظر إلى القدّيسة لبرهة.
لم تكن تملك أدنى فكرة عما يدور في ذهنه.
بمجرد رؤيتها و هي تحدق فيه بعينيها المستديرتين ، و تومئ بذقنها نحو حبة الفراولة ، مشيرة إليه أن يرفع الشوكة بسرعة.
رفع الشوكة التي تحمل الفراولة بطاعة ، و فكر و هو يراقبها و هي تفتح فمها الصغير “واااه” لتلتقط الفراولة: أنه لا يملك الثقة في عدم حبها ، حتى لو حاول من الآن.
لا يدري كيف يمكن لشخص أن يكون بهذا اللطف و اللطافة.
بما أنه أدرك حبه لها ، و توصل لقرار بأنه لا يمكنه التراجع عن مشاعره ، فليس أمامه خيار الآن.
سوى أن يصبح أقوى دفيئة (بيت زجاجي) لحماية هذه الزهرة الهشة.
‘أولاً …’
“أنا ، أحبكِ حقًا”
***
للمفارقة ، تسبب اعتراف أليستو في تعكير مزاج آثا بدلاً من إبهاجه.
لأن تعبيرات وجهه و هو يقول “أحبكِ” بدت بائسة و معقدة للغاية.
لقد شعرت بجو المواعدة بكل تأكيد.
كان هناك خفقان ، و دلال ، و لحظات حلوة ، فلماذا يقول كلمة “أحبكِ” بهذا الوجه؟
و علاوة على ذلك.
لم يقل “أنا أحبكِ” ، بل قال “أنا أحبكِ حقًا” (بمعنى: يبدو أنني أحبكِ بالفعل)؟
‘… هل تحبني حقًا؟’
تبادر هذا السؤال إلى ذهنها للحظة ، لكنها في الحقيقة لم تشك في كلامه.
هل يعقل أن يكذب “الطاغية الواعد” الذي لا يظهر الدفء إلا لامرأته ، و “المغفل الأول” في العالم ، و يقول إنه يحب امرأة بينما هو لا يفعل؟
لا يوجد انهيار للشخصية أكبر من هذا.
لذا ، كانت كلمة “أحبكِ” بحد ذاتها موثوقة.
لكن لماذا كان وجهه هكذا؟
‘هل يزعجه كونه يحبني؟’
هل هو يحبني رغمًا عنه بينما لا يريد ذلك؟
هل لأن هذا هو “إعداد” الشخصية في الرواية؟
هل هو ليس سعيدًا بخفقان قلبه ، بل قام فقط بتعريف مشاعره على أنها حب؟
‘هذا …’
هل يمكن تسمية هذا بحبي؟
حتى شعوره بحبي هو أمر زائف إذن.
>
“حسنًا. لنذهب معًا”
“ألا نبدو متناسبين تمامًا؟ تزوجيني”
“إذا شعرتِ بالخوف و أردتِ الهروب ، فتعالي إليّ”
<
ربما لم يملك الحرية منذ البداية.
إذا كان قد اختار فقط الأقوال و الأفعال التي حددها “الكاتب” لشخصيته.
فهل يمكن اعتبار اللطف و الإعجاب الذي أظهره لي حقيقيًا؟
بمجرد أن فكرت في أن كل هذا مجرد سيناريو محكم ، تملكها شعور مفاجئ بالوحدة الشديدة.
هذا العالم الذي كانت تتوقع أن تعيش فيه بسعادة و هي تنعم بـ”الحبس الإمبراطوري” ، بدأ يشعرها و كأنه عالم يفتقر للحقيقة.
اختفت الشمس خلف الجبال البعيدة.
و رغم أن الدنيا لا تزال مضيئة ، إلا أن وقت الظلام قد اقترب.
“بدأ الجو يبرد ، ما رأيكِ في العودة الآن؟”
وافقت آثا التي كانت شاردة الذهن لفترة على كلام أليستو بسرعة: “فكرة جيدة”
كانت بحاجة لوقت تنفرد فيه بنفسها لترتيب أفكارها و مشاعرها.
‘سأتصرف كالمعتاد حاليًا ، و أعود فورًا إلى جناح آلموند’
بدأت آثا في وضع علب الطعام الفارغة داخل سلة النزهة بنظام.
بينما كان أليستو يراقب القدّيسة و هي تتحرك بمهارة ، فكر لبرهة في كيفية فتح الموضوع.
سيكون سؤالاً حساسًا لأنه يخص قدرتها ، فكيف يبدأ؟
و علاوة على ذلك ، لقد أنكرت القدّيسة معرفتها بالوحي منذ قليل ، فهل ستجيبه لو سأل؟
و بينما كان يراقبها و يفكر في الأمر.
وقفت القدّيسة التي وضعت الأطباق و الشوك في السلة و سألته أولاً: “هل لديك ما تقوله أيضًا؟”
بما أنه لم يتعمد إخفاء ملامحه ، فقد توقع أن تكتشف أمره ، فبدا وجهه محرجًا قليلاً: “هل كان الأمر واضحًا؟”
“أنا سريعة الملاحظة جدًا. ما الذي تريد قوله؟”
لم يطل الانتظار و سألها مباشرة.
ببساطة شديدة ، و كأن السؤال لا أهمية له: “قدرة إعادة الزمن ، هل يمكنكِ استخدامها متى شئتِ؟”
هزت رأسها نافية: “كلا؟ لا أستطيع. في الحقيقة ، هي قدرة كأنها غير موجودة … هب”
غطت فمها بسرعة و كأنها ارتكبت خطأً ، لكن الكلمات التي خرجت لا يمكن استعادتها.
بالطبع ، تظاهر أليستو بأنه لم يلحظ تصرفها ولا كذبتها السابقة بشأن الوحي.
اكتفى بالنظر في عينيها البنيتين بجدية و تابع سؤاله التالي: “هل تعرفين طريقة استخدامها؟”
ترددت القدّيسة للحظة ، ثم ابتلعت ريقها و أومأت برأسها مرة واحدة.
“هل يمكنكِ إخباري؟”
فكرت آثا لبرهة.
هل تخبر أليستو بكل شيء؟
بكل صدق؟
لا يوجد سبب يمنع ذلك.
إذا كان لا يملك حرية الإرادة و مضطرًا لحبها ، فمن المؤكد أنه سيحميها في كل الظروف.
و إذا كان قلبه ناتجًا عن إعدادات الرواية ، فهذا يجعل تأثيره موثوقًا أكثر.
فما لم يحدث سبب استثنائي ، ستستمر مشاعره بثبات.
و لكن ، ماذا لو …
ماذا لو كنتُ مخطئة بشأن أليستو و هذا العالم؟
“……”
هذا مستحيل.
كانت آثا مقتنعة أن هذا العالم من ورق ، أو عالم رقمي.
و علاوة على ذلك ، لقد قال إنه يريد منع أي شخص من استغلال قوة القدّيسة—
<سأفعل كل ما بوسعي من أجل سلامتكِ>
كلما فكرت أكثر ، شعرت أن إخباره بالحقيقة و طلب مساعدته سيكون أفضل لنجاتها مستقبلاً.
و عندما بدأ قلبها يميل لجانب الصراحة—
“إذا كانت الإجابة ستكون في غير مصلحتكِ ، فلا بأس بتجاوز السؤال”
هل كانت كلماته بأنها لا يجب أن تتحدث هي ما منحتها الثقة أكثر؟
مال قلبها تمامًا و بسرعة.
نظرت آثا حولها بحزم.
رغم أنها غابة هادئة و خالية ، إلا أنها اقتربت خطوة من أليستو و كأنها تخشى أن يسمعها أحد.
ثم همست بصوت خافت: “… إذا متُّ ، سيعود الزمن للوراء حوالي ستة أشهر”
***
في اللحظة التي سمع فيها إجابة القدّيسة—
اشتعل ضوء أحمر للتحذير في رأس أليستو.
القدّيسة لا تستخدم أداة ما لإعادة الزمن ، بل القدّيسة نفسها هي الأداة؟
في السابق ، أي قبل أن يدرك حبه للقدّيسة—
لم يكن يتأثر كثيرًا حتى لو افترضنا تعرضها للاختطاف في حادث مؤسف.
لأنه كان واثقًا من قدرته على استعادتها في أي وقت و مهما كان الخصم ، ما دامت حية.
بالطبع ، حينها كان أليستو يحتاج لقدرة القدّيسة فقط ، و لم تكن حالتها من ضمن اعتباراته أصلاً.
لكن الآن تغير الوضع.
و بغض النظر عن كونه يكره فكرة وضع القدّيسة في موقف مرعب فقد وجد سببًا يجعل ارتكاب خطأ واحد في حقها أمرًا غير مسموح به.
إذا علم شخص يحتاج لقدرة القدّيسة أنها هي نفسها الأداة التي تعيد الزمن بموتها …
التعليقات لهذا الفصل " 46"