لم تكن تنوي طرح هذا السؤال لاختبار أليستو ، لكن انتظارها لردّه المتأخر جعل الأفكار تتضارب في رأسها.
‘هل يعقل أن المعبد قد أرسل لولي العهد الأخبار التي كان من المفترض إرسالها إليّ أولاً؟’
الاحتمال كان واردًا جدًا.
بما أنها تقيم حاليًا في قصر ولي العهد ، فقد يرسل المعبد الأخبار إليه أولاً من باب اللياقة الإمبراطورية … هل هذا ممكن؟
لقد وصلت رسالة الحاكم إليها مباشرة من قبل.
لكن تلك الرسالة وصلت إلى غرفتها دون أن تمر بيد أحد ، و باستخدام سحر غريب جعلها لا تحترق ، لذا فلنعتبرها استثناءً.
بصراحة ، جهلها التام ببروتوكولات القصر أو المعبد كان يزيد من شعورها بالضيق.
و مع فكرة أن أليستو قد يعرف محتوى الوحي ، تصاعد القلق داخلها أيضًا.
‘هل يعقل …’
أنه يحتاج إلى إعادة الزمن لأمر ما؟
بماذا سيجيب أليستو؟
الرجل الذي لم يلحظ لهفتها و انتظارها المرير ، لم يفتح فمه لفترة طويلة حتى بعد أن انتهى من إعداد شاي البتلات و سكبه في كوب زجاجي نظيف.
في النهاية ، نفد صبر آثا و ذكرته بسؤالها مرة أخرى: “سألتُك إن كنتَ قد سمعتَ أي شيء عن الوحي. و أنت لم تجبني بعد ، يا سموّك”
تظاهرت بالهدوء قدر الإمكان ، لكن باطنها كان قد احترق و تفحم نصفه بالفعل.
***
عندما سألت القدّيسة عما إذا كان قد سمع شيئًا عن الوحي ، أراد أليستو في البداية أن يجيب بأنه لا يعرف شيئًا ، لكن شيئًا ما جعله يشعر بالانزعاج بشكل غريب.
لماذا يشعر و كأن القدّيسة تسأل و هي تعرف الإجابة بالفعل؟
و مع رؤيته لها و هي تحثه على الإجابة بتعبيرات وجه مضطربة ، تعززت شكوكه أكثر.
بدا أنها تعرف قدرتها بالفعل.
‘إنها تختبرني لتعرف إن كنتُ أعرف قدرتها أم لا’
و علاوة على ذلك ، بدا أن القدّيسة لا ترغب في كشف قدرتها.
في حالة كهذه ، هل يجب أن يتظاهر بالجهل كما ترغب؟
كلا.
قد يبدو التظاهر بالجهل حلاً مؤقتًا ، لكنه سيضر القدّيسة على المدى الطويل.
ستظل في قلق دائم ، تتساءل “هل سيُكشف أمري اليوم؟ أم غدًا؟”
و من المؤكد أنها ستعاني من ضغوط شديدة حتى لحظة إعلان الوحي بعد خمسة أيام.
<أحيانًا عندما أكون في حالة سيئة أو أشعر بالتوتر ، أشعر بتحسن بعد النوم>
هي تعاني بالفعل من سوء تغذية حاد ، ولا يمكنه السماح لها بتجاهل الوجبات و الاكتفاء بالنوم مجددًا.
حسم أليستو أمره ، و وضع كوب الشاي جانبًا ، ثم تحدث بنبرة جادة للغاية: “نعم. لقد سمعتُ عن الوحي”
راقب حركة حلقها و هي تبتلع ريقها بصعوبة ، ثم قال بصوت منخفض كأنه يلقي ترنيمة: “القدرة التي مُنحت لكِ هي إعادة الزمن. إنها قدرة هائلة لا يمكن مقارنتها بأي من القدّيسات السابقات”
أثناء حديثه ، كان يراقب تعابير وجهها بدقة.
كما توقع.
ابتلعت ريقها بتعبير بدا و كأن السماء قد انشقت فوق رأسها.
لم تكن تلك ملامح شخص يشعر بالدهشة و الارتباك لسماع حقيقة لأول مرة.
بل كانت أقرب إلى الخوف و القلق من أن أمرها قد كُشف.
و عندما تحول الشك إلى يقين ، بدأ يشعر بالحنق تدريجيًا.
“يبدو أن الآنسة آثا كانت تعرف أيضًا”
***
“هوو …”
تنفس سيدريك الصعداء بشعور من الراحة.
منذ قدومه إلى العاصمة ، كان يحلم دائما بالحصول على جناح في الطابق الثالث من قصر بلوسوم.
لم يكن يرغب فقط في أن يكون في الطابق نفسه مع آثا ، بل كان يحتاج إلى دليل على ثقة ولي العهد العميقة به من أجل مقاطعة دالبيرت.
بالطبع ، لم يظن أن الأمر سيكون سهلاً.
و مع ذلك—
بفضل تعبيره المستمر عن الامتنان للقضاء على القراصنة—و هو المطلب القديم لدالبيرت—و إظهار ولائه الدائم لولي العهد ، بالإضافة إلى تنازله عن الكثير من الأرباح الناتجة عن فتح الطرق البحرية ، حصل أخيرًا على النتيجة التي أرادها.
لقد خُصصت له مساحة عمل بالإضافة إلى غرفة شخصية في الطابق الثاني من قصر بلوسوم.
و علاوة على ذلك ، حظي سيدريك و نبلاء دالبيرت بمأدبة فاخرة في بلوسوم بعد انتهاء الاجتماع منذ قليل.
فبعد أن قبل جيرولد طلبات سيدريك بإيجابية ، أقام هذه المأدبة لتعزيز الروابط مع سكان بلوسوم في المستقبل.
و بفضل ذلك ، وجد السير هاوزر و البارون ويليام—اللذان تجادلا في بداية الاجتماع—وقتًا للمصالحة أثناء احتساء الشراب.
و كان السير هاوزر من بلوسوم هو من مد يد الصلح أولاً.
“يا إلهي يا سيادة البارون ، لقد عشتُ حياتي كلها أربح و أخسر بلساني ، لذا ما إن أجلس إلى طاولة الاجتماعات حتى أبدأ بالحسابات تلقائيًا”
في البداية ، بدا البارون ويليام غير مرتاح لاقتراب السير هاوزر منه دون تكلف.
“حسنًا … همم ، أهذا صحيح؟”
لكن بينما لم يستطع البارون ويليام إظهار استيائه تحت نظرات سيدريك المراقبة ، تابع هاوزر: “لقد رأيتُ اليوم أن بحارة الجنوب جميعًا يملكون قلوبًا حارة و صادقة. بالنسبة لأشخاص بوسطتكم ، لا بد و أنكم رأيتموني شخصًا تافهًا يسعى وراء المصالح فقط. أنا أعرف ذلك ، صدقني”
عندها ، قام السير هاوزر الذي بدأ يشعر بنشوة الشراب بقرع كأسه بكأس البارون ويليام.
شرب البارون ويليام كأسه دفعة واحدة بملامح بدت أكثر استرخاءً من ذي قبل.
ابتسم السير هاوزر بتواضع ، و بدأ يثني على نبلاء دالبيرت.
“لم أكن أعلم أن أهل دالبيرت بهذه الشهامة و الروح المبادرة. أنا سعيد جدًا و ممتن لأنني قابلتكم اليوم و عرفت ذلك”
مع وجود الشراب ، و الطعام اللذيذ ، و سماع المديح من دبلوماسي رسمي يملك جناحًا في الطابق الثالث من بلوسوم ، لم يجد البارون ويليام مفرًا من أن يتحسن مزاجه تدريجيًا.
“ليس للأمر علاقة بالامتنان. أنا أيضًا لم أكن أتوقع أن أتناول الطعام مع أشخاص يقومون بأعمال عظيمة للإمبراطورية فور وصولي للعاصمة ، إنه لشرف لي”
“يا لك من متواضع! عندما تبدأ التجارة البحرية بشكل رسمي ، سنقضي وقتًا طويلاً معًا في دالبيرت حتى ينتهي المشروع ، لذا أرجو أن تهتموا بنا”
***
غارت نظرات أليستو.
‘و مع ذلك ، تكذبين و تقولين إنكِ لا تعرفين شيئًا عن الوحي ، و إنكِ تريدين الذهاب للمعبد لمعرفة ذلك؟’
‘آه. هل كان هذا هو السبب؟’
‘مجيئكِ للمكتب و قولكِ إنكِ أردتِ رؤيتي ، و اقتراحكِ للذهاب في نزهة لتشتيت انتباهي ، ثم إمساككِ المفاجئ بيدي لتسلبيني قلبي؟!’
‘هل كانت كل تلك ألاعيب من أجل هذه اللحظة؟’
شعر فجأة بخيبة أمل يصعب وصفها ، أو ربما شعور بالفراغ.
‘يا لها من امرأة جريئة’
شعر بالحنق تجاه القدّيسة التي زارته و تلامست معه جسديًا دون مبالاة من أجل غرضها.
أجل.
رغم شعوره بالاستياء ، إلا أنه لم يصل لدرجة كرهها أو اعتبارها مقيتة.
كان الأمر مجرد حنق لا أكثر.
كان يتفهم رغبتها في إخفاء قوتها أو نقطة ضعفها.
فرغم أن الأمر يثير الغصة عاطفيًا ، إلا أنه منطقيًا يمكن تقبل حدوثه.
المشكلة فيه هو أكثر منها.
كم هو مثير للشفقة أن ينجرف وراء ابتسامات امرأة جميلة و إمساكها بيده ، و يشعر بخفقان القلب كالأحمق.
قام بلملمة مشاعره أولاً.
يجب أن يستعيد رشده الآن ، و يكتشف ما الذي تحتاجه القدّيسة لاستخدام قدرتها.
“إذا عُرف الوحي ، فسيكثر الطامعون في قدرة الآنسة آثا. أنا لا أريد أن تُستغل قدرتكِ بشكل سيء”
عند سماع كلماته ، فكرت القدّيسة في شيء ما بعمق ثم سألت فجأة: “تقول إنك لا تريد أن تُستغل قدرتي بشكل سيء؟”
أومأ برأسه.
“لذا لا أريد من الآنسة آثا زيارة المعبد. فمن المؤكد أن هناك من يعرف الوحي في المعبد ، و أنا لا أريد أن تتعرضي للخطر”
طوال حديثه، تعمد أليستو تنحية مشاعره جانبًا.
لم يكن يريد التفكير في أن القدّيسة “الحنيقة” لطيفة …
و شعر أن المشاعر لن تفيده في هذا الموقف.
كان من السهل تقديم العقل و المنطق.
لقد كان الأمر سهلاً عليه دائما ، و أصبح أسهل عندما رأى القدّيسة و هي تفشل في التحكم في تعابير وجهها بمجرد أن بدأ في اختبارها.
بدت متصلبة و هي تفكر بعمق ، لدرجة أنه شعر و كأنه يسمع صوت تروس عقلها و هي تدور.
بدا منظرها غير مرضٍ له ، مما جعله قادرًا على تجريد صوته من المشاعر.
و لكن—
فجأة ، رفعت القدّيسة التي كانت ترمش ببلادة رأسها لتلتقي بعينيه.
و سألت سؤالاً لم يتوقعه: “لا تريد أن أتعرض للخطر؟ لماذا؟”
لمعت عيناها اللتان كانتا باهتتين ببريق من الحيوية ، و كأنها تنتظر إجابة معينة.
شعر أليستو و كأنه تلقى هجومًا مباغتًا ، فتملكه الذهول.
“أليس هذا أمرًا طبيعيًا؟”
حينها أمالت القدّيسة رأسها و سألت مجددًا: “لقد قلتَ إنك قلق من أن تُستغل قدرتي بشكل سيء. إذن ، ألا يكفي ألا تُستغل القدرة ، بغض النظر عن تعرضي أنا للخطر أم لا؟”
في تلك اللحظة ، تبادرت إلى ذهنه صور لأشرار يطمعون في قدرتها ، يقبضون عليها و يعذبونها.
و على الفور ، تجعدت ملامح أليستو بغضب.
تبخرت أفكاره عن المشاعر و العقل و المنطق و كأنها لم تكن.
لقد استشاط غضبًا.
“الأشخاص الذين سيستغلون قدرتكِ سيعرضونكِ للخطر حتمًا. و هل سيتوقف الأمر عند الخطر فقط؟ سيفعلون أي شيء لإجباركِ على استخدام قدرتكِ ، فكيف تقولين ‘بغض النظر’ عن تعرضكِ للخطر؟”
كان مجرد التخيل بشعًا لدرجة تجعل الشتائم تخرج من فمه لاإراديًا.
‘سحقًا’
أطلق أليستو زفرات متتالية ، ثم نظر إلى القدّيسة التي بدت عيناها كعيني أرنب مذعور ، و قال محذرًا: “سأفعل كل ما بوسعي من أجل سلامتكِ. لذا ثقي بي في هذا الأمر ، و اعلمي أنه لن يكون هناك خروج خارج القصر الإمبراطوري في الوقت الحالي”
التعليقات لهذا الفصل " 44"