زفرت آثا تنهيدة لم تحاول إخفاء استيائها فيها ، فقدم الحاكم ما يشبه الاعتذار بوجه بدا عليه الحرج.
“ممم … أنا آسف ، و لكن أيًّا كان هدفكِ ، من الأفضل ألا تفعلي شيئًا يستفز ولي العهد. ذلك الفتى ‘مجنون’ (طوارئ) بعض الشيء”
بينما كان يحرك عينيه يمنة و يسرة ، أدركت آثا فورًا أنه يراقب رد فعلها.
أن يقوم كائن بمقامه بمراقبة رد فعلي؟
كان شعورًا غريبًا.
لكن الأغرب من ذلك كان شعورها هي تجاهه.
هل من الطبيعي الشعور بالبهجة و الراحة كما لو كنتِ تقابلين صديقًا قديمًا؟
لم تكن تكرهه أو تخشاه رغم أنه أفسد خطتها كما يحلو له.
“حسنًا ، فهمت. على أي حال ، كل ما كان يهمني هو أن يُكتشف أمري و أنا أحاول الهروب”
عندها ، أطلق تنهيدة ارتياح بتعبير مبالغ فيه ، و تمتم بأن وقت رحيله قد حان.
“إذن ، أراكِ في المرة القادمة”
بعد اختفاءه فجأة ، وصلت آثا بدورها إلى بلوسوم.
جاء صوت السائق من خارج العربة: “لقد وصلنا”
شعرت بنوع من الأسف ؛ فلو كان هناك متسع من الوقت لكان أفضل.
‘رغم أنه لم يملك ذرة وقار و كان طائشًا بعض الشيء …’
إلا أن الحديث معه لم يكن سيئًا.
بل في الحقيقة ، كان رائعًا ؛ فقد شعرت براحة شديدة تجاه ذلك الحاكم الصريح ، و نشأت لديها ثقة غريبة بأنها تستطيع قول أي شيء له دون خوف.
بفضل ذلك ، استطاعت لأول مرة منذ فترة طويلة أن تنطق بما يدور في عقلها دون تصفية.
و الأهم من ذلك ، كان الحاكم هو الوحيد الذي يعرف حقيقة أنها “مستحوذة” على هذا الجسد.
لكنها لم تستطع الغرق في هذه المشاعر طويلاً.
زفرت آثا نفسًا عميقًا كأنها تستعد للعودة إلى واقعها ، ثم ترجلت من العربة.
و توجهت مباشرة نحو أليستو.
***
من جهة أخرى ، و بعد تلقيه تقريرًا عن محاولة القدّيسة للهروب بملابس الخادمة ، ثم عودتها لسبب مجهول ، اجتاحت أليستو مشاعر متباينة.
كان أولها الغضب.
‘مغادرة دون إذن؟ لا أعتقد أن أمرًا كهذا سيحدث’
لقد أكدتْ هي بنفسها و بكل ثقة أن مغادرتها دون إذن أمر مستبعد.
‘كما توقعتُ ، كانت تنوي طعني في ظهري’
رغم أنها أكلت اللحم من يدي في الحفلة ، و كانت تنظر إليّ بعينيها الدائريتين اللامعتين.
خطرت ببال أليستو صورة وجه القدّيسة و هي تبتسم برقة وجنتاها محمرتان.
ظننتُ أنها تكنّ لي بعض الإعجاب.
أكان ذلك مجرد “تمثيل”؟
و حتى عندما قالت إن قلبها يخفق بشدة لدرجة الإغماء عند عرض الزواج ، أكان ذلك مجرد عرض مسرحي؟
و لكن لماذا؟
إذا كانت ستهرب في النهاية ، فلا أفهم لماذا بعثرت كياني و مشاعري إلى هذا الحد.
مهما فكرتُ.
لا أستطيع الفهم أبدًا.
أما الشعور الثاني فكان الحيرة.
‘آه! هل تدركين كم أن سموه شخص لطيف و محبب؟’
ألم تقولي إنني كالعصفور الصغير؟!
ألم تقولي إنني محبب.
و أن أسناني متراصفة و لساني دائري.
أكان كل ذلك كذبًا؟
من يكذب هكذا؟ ها؟
من يكذب بمثل هذه التفاصيل الدقيقة في مكان لا يوجد فيه الشخص المعني؟
ألم تكن هناك آذان صاغية حولها؟
لقد كان متأكدًا من حبها له عندما رآها تثرثر في حفلة شاي الإمبراطورية ، بدت و كأنها حمقاء تتباهى بحبيبها أمام الجميع دون خجل.
ظن أن حدسه في محله.
حتى إنها قبلت عرض زواجه …
‘… بالتفكير في الأمر’
رغم أن القدّيسة أظهرت رد فعل إيجابيًا تجاه العرض ، إلا أنها لم تعطِ جوابًا قاطعًا بالزواج.
هل كانت تتهرب من الإجابة ببراعة و هي تضع الهروب في اعتبارها؟
حقًا؟
‘لا أستطيع التصديق’
و إذا كان الأمر كذلك ، فلماذا عادت مجددًا؟
هل شعرت أثناء طريقها أن استعداداتها للهروب لم تكن كافية؟
هل نسيت شيئًا ما؟
‘يجب ألا أتخلى عن حذري’
فلا أحد يعلم متى ستحاول الهروب مرة أخرى.
عندما وصل بتفكيره إلى هنا ، راوده سؤال فجأة.
بدلاً من المجازفة بالهروب بهذه الطريقة ، أليس من الأفضل إعادة الزمن؟
على سبيل المثال ، لو أعادت الزمن إلى اليوم الذي التقيا فيه لأول مرة ، لاستطاعت الهروب دون الحاجة لإنشاء هذه العلاقة المزعجة مع ولي عهد الإمبراطورية.
كان هذا سؤالاً راوده أيضًا عندما حاولت القدّيسة الهروب للمرة الأولى.
‘لماذا تختار الطريق الصعب و المرهق؟’
في تلك اللحظة—
طق طق— سُمع صوت طرق ضعيف على الباب.
‘… القدّيسة؟’
نظر إلى الباب بتعبير ينم عن الدهشة للحظة ، ثم توجه نحوه و هو يرتب أفكاره.
في السابق ، كان يتوقع أن القدّيسة لا تعرف قدرتها ، أو ربما لا تملك الوسيلة لإعادة الزمن ، لكنه لم يستطع اختبارها بشكل مباشر.
خوفًا من أن تشعر بالخطر فتبدأ بالتخطيط للهروب بشكل أكثر دقة.
لكن الآن ، يبدو أنها على الأقل اليوم لا تملك وسيلة لإعادة الزمن.
لذا ، اليوم—
كان عازمًا على معرفة ما الذي تحتاجه القدّيسة لإعادة الزمن ، مهما كلف الأمر.
‘سأحرص على ألا يقع ذلك الشيء في يدها أيًّا كان’
لم يكن في عقله أي نية لتركها تذهب ، أو السماح بضياعها منه.
ولا حتى بمقدار ذرة.
عندما فتح باب جناح أكاليا ، وجد كما توقع تمامًا—
امرأة نحيلة و قصيرة القامة تقف بتردد أمام الباب.
رفع زوايا فمه بابتسامة خفيفة.
و بغض النظر عن استيائه من فكرة هروبها ، فإن خطته لكسب قلبها لم تنتهِ بعد.
“ألم تنامي بعد؟”
اتسعت عيناها بذهول: “هل عرفتَ أنها أنا؟”
لم يرد عليها مباشرة ، بل فتح الباب أكثر ليفسح لها المجال للدخول.
“هل تفضلين الدخول للحظة؟”
ترددت آثا قليلاً ثم أومأت برأسها و دخلت إلى أكاليا.
قام أليستو بغلي الماء بنفسه لتحضير الشاي ، و بدا أداؤه طبيعيًا و كأنه اعتاد فعل ذلك.
في هذه الأثناء ، كانت آثا تراقب ملامحه بحذر.
لحسن الحظ ، لم يبدُ عليه الغضب كما حذرها الحاكم
كان يبتسم كعادته ، و صوته كان في غاية اللطف.
بدأ أليستو حديثه و هو يضع أمامها كوبًا جميلاً من شاي بتلات الزهور.
“مجيئكِ في هذا الوقت المتأخر أمر غير متوقع ، لكن ملابسكِ أيضًا تبدو مألوفة؟”
“آه”
صحيح ، كانت لا تزال ترتدي ملابس الخادمة.
وفقًا لكلام الحاكم ، فإن أليستو يعرف بالفعل عن هروبها.
و قيل أيضًا إنه كان سيقبض عليها فور تجاوزها بوابة القصر.
و ذكر الحاكم أيضًا أن ولي العهد “مجنون”.
تحدث الحاكم بنبرة قلق شديد ، لكن في الحقيقة ، لم تجد آثا فكرة كون أليستو “مجنونًا” أمرًا سيئًا.
لماذا؟
لأن كليشيه [إنه دافئ فقط مع امرأته] لا يزال ينطبق على أليستو!
أجل.
في البداية ، شعرت آثا بالحيرة من حقيقة أن هذا العالم واقعي ، لكنها سرعان ما رتبت أفكارها بعقلانية مرة أخرى.
وتوصلت أخيرًا إلى استنتاج واحد.
و هو أنها لا تزال تملك “دعم بطلة الرواية”.
قد تقولون: ما هذا الهراء؟ لقد أخبرها الحاكم بوضوح أن هذا هو الواقع.
لكن فكروا في الأمر.
‘لو لم أكن أملك دعم بطلة الرواية ، هل كان لكائن بمقام حاكم أن يظهر لي؟’
لماذا سيفعل ذلك؟
لقد شعرت بالألفة تجاهه منذ لقائنا الأول ، بل و تصرفت بوقاحة معه رغم أنه حاكم يجب أن يرهبه البشر.
و مع ذلك ، لم يبدُ عليه أي انزعاج ، بل عاملها كصديقة مقربة.
حسنًا ، دعونا نرتب الأمور مجددًا.
لماذا لا بد و أنها لا تزال بطلة الرواية؟
1. لقد استُحوذت على جسد القدّيسة.
2. لقد تلقت عرض زواج من ولي العهد الذي هو “طاغية واعد” و لكنه لطيف معها فقط.
3. الحاكم هو من اقترب منها وتحدث معها كصديق مقرب!
‘هذا لا يمكن تفسيره إلا بكونه دعمًا لبطلة الرواية’
أي أنه ، و على عكس ادعاء الحاكم ، كانت الاحتمالية كبيرة جدًا في أن هذا العالم لا يزال داخل رواية 〈حياة القدّيسة في الأسر〉
هي تعتذر لذلك الشخص الذي يُعتقد أنه الحاكم ، و لكن من المؤكد أنه هو الآخر مجرد شخصية من شخصيات الرواية.
لو كان شخصًا لا يعرف روايات الرومانسية و الفانتازيا لربما انخدع ، و لكن أنا؟
‘لن أُخدع’
على أي حال ، هذا أمر جيد.
لم يكن يهمها إن كان هذا المكان داخل كتاب أو حتى داخل حلم.
طالما أنها تستطيع الاستمتاع بحياة حبس هادئة و مريحة أثناء وجودها هنا ، فهذا يكفي.
فتحت فمها بحذر و قالت: “أنا ، في الحقيقة كنتُ أحاول الهروب قبل قليل”
“……”
ظل يراقبها بصمت لفترة ، مما أشعرها بعدم الارتياح.
لو أبدى أي رد فعل لكان من الأسهل عليها تقديم الأعذار.
و بينما كانت تراقبه بحذر و تستجمع شجاعتها للحديث—
“لماذا عدتِ؟”
جاء سؤاله ردًا عليها.
لكن آثا لم تجد إجابة مناسبة.
لأن ما فكرت فيه كان سبب هروبها ، و ليس سبب عودتها.
بالطبع ، خطرت ببالها إجابة.
‘لأن الحاكم طلب مني العودة’
‘وفقًا لقوله ، أنتَ كنتَ تنتظر هروبي لتقوم بحبسي ، هل هذا صحيح؟’
‘آه ، صحيح. أضاف أيضًا أن شخصيتكَ “رائعة” جدًا’
‘و بالتحديد ، قال إنك “مجنون”؟’
التعليقات لهذا الفصل " 38"