“اعتبر نفسك محظوظًا. لقد كدت أن تقع أسيرًا في يد العدو، هل تفهم ذلك؟”
“…”
“على أي حال. لماذا شخص مثلك موجود في منطقة المعركة أصلًا… هذا مكان قد تُقتل فيه برصاصة طائشة دون أن يدري أحد.”
جندي مسلح ببندقية وسيف نقر بلسانه، وهز رأسه استنكارًا لطيش الرجل. ففي وقت كان الجميع يهرع للفرار، كان هذا الرجل الوحيد الذي دخل بنفسه رافعًا يديه أمام البنادق الموجهة إليه، مبرزًا شارة هوية تابعة لإمبراطورية كاتاس.
وكان ذلك ممكنًا فقط لأنه عرف أن المحيطين به والمهددين له هم جنود كاتاس.
“هذا معسكر جيشنا. هناك سفن إمداد تتحرك سرًا جيئة وذهابًا. لا أستطيع أن أشرح أكثر لأنه أمر عسكري سري، لكننا سنبذل جهدنا لإعادتك إلى كاتاس.”
“لا، أنا أتيت لأذهب إلى ريلنوك.”
“ألم تسمع الأخبار؟ قوات لوماهوي انضمت إلى الحرب، وأرض ريلنوك أصبحت خرابًا. هذه المرة الأولى التي يُهزم فيها امبراطور ريلنوك. أليس هذا سبب وجودنا هنا أيضًا؟ الوضع ليس جيدًا. من الأفضل أن تعود قبل أن تصاب بأذى.”
“لدي شخص عليّ أن ألقاه هناك. إن أوصلتني فقط إلى قرية تبعد قليلًا عن خط الحدود فسأتمكن من تدبر أمري بنفسي.”
أمسك الرجل بذراع الجندي متوسلًا، لكن الأخير هز رأسه رافضًا. ثم نظر سريعًا إلى شارة الهوية التي أبرزها كارلايل، وأجاب بحزم
“لا أحد يعلم كيف ستؤول الأمور لاحقًا. هذه هي الحرب. يا ابن عائلة دُوين.”
دوين كارلايل. عضّ على شفته بقوة. ولم يستطع إلا أن يحدق في ظهر الجندي الذي ابتعد ببطء بعدما أمره بالانتظار. وجوه الجنود المارين كانت كلها متماسكة، لكن بعضهم بدا عليه القلق النفسي قبل المعركة.
‘اللعنة.’
أدار كارلايل نظره في أجواء المكان المثقلة، وتجرع الشتيمة التي كادت تفلت منه.
كان وصوله إلى ماهانك وشراؤه شارة هوية هناك من شخص رشاه مسبقًا يسيرًا. لكن ما إن نزل في ريلنوك حتى التف حوله الجنود وبدأوا في تفتيشه. بدا الأمر وكأنهم يحددون من بين الناس جواسيس العدو. وبرغم امتلاكه شارة ماهانك، شعر كارلايل بقشعريرة تسري في عموده الفقري.
كان متأكدًا أن تلك الشارة ستنقذ حياته، لكن ماذا لو واجه قوات لوماهوي بدلًا من كاتاس؟ هل كان من الحكمة أن يضع حياته في يد هوية مزورة؟
جلس كارلايل على طرف المعسكر وزفر أنينًا منخفضًا.
لم يظهر على وجهه، لكنه كان خائفًا لدرجة أنه لا يرغب بتكرار تلك التجربة أبدًا.
“عائلة دوين فعلًا، تنخرط في أنواع شتى من الأعمال.”
كان الصوت يجيء من خلفه، قبل أن تهدأ نفسه المذعورة. فانتفض كارلايل على الفور عند سماع الصوت المألوف، والتفت ليرى الرجل الذي رافقه أولًا يقف بجانب شخص آخر.
جهاردي كاتاس.
“……جلالتك؟”
كان قد سمع أن جهاردي خرج إلى ريلنوك في حملة، لكن أن يلتقي به هنا بالذات لم يخطر له.
حدّق كارلايل في جهاردي بوجه مذهول.
“هل أصبح عملكم الجديد هو الحرب؟ أم أن الابن الثاني لعائلة دوين يمتلك بضع أرواح إضافية؟”
“….”
“بما أن كل السفن بين كاتاس وريلنوك توقفت، فهذا يعني أنك هربت سرًا.”
الأعين السوداء تفحصت كارلايل بحدة. وعند سماع كلمة “هروب”، ارتجف كتفاه قليلًا لكنه لم ينطق.
كان جهاردي، المتسلح مثل بقية الجنود، قد كفّ عن مراقبته. بدا كأنه فقد اهتمامه بكارلايل الذي ظل صامتًا. استدار وتحدث مع أحد تابعيه.
وقبل أن يبتعد تمامًا، قال جملة واحدة فقط
“سنعيدك سريعًا. هذا ليس مكانك.”
لم يتغير شيء في وقاره المهيب ونظراته الباردة.
عيناه، اللتان بدتا قاسيتين بلا رحمة، لم تتغيرا أيضًا.
لكن بشرته التي شحب لونها وعيناه المتعبتان أظهرتا أنه لم يكن في أفضل حالاته. ظل كارلايل يحدق مذهولًا بظهره الواسع الذي يبتعد، قبل أن يستعيد وعيه فجأة.
“لماذا لا تسألني؟”
فتوقف جهاردي عن السير. وأعاد نظره القاسي والفارغ نحو كارلايل. نظرة لا تحمل شيئًا لكنها تخترق كالسيف، جعلت كارلايل يبتلع ريقه جافًا. ثم تكلم من جديد
“لماذا لا تسألني لماذا جئت إلى ريلنوك وسط الحرب؟”
“….”
“حتى لو تسللت خفية إلى هنا، ألا يثير سبب ذلك فضولك؟”
شعر وكأنه سيُسحب إلى أعماق سواد عينيه. كانت نظراته متجهمة وكأنه يفكر. ثم فجأة تقدم جهاردي بخطوات سريعة، واقترب حتى صار أمامه.
وأمال جسده قليلًا وهو يسأل
“ولماذا عليّ أن أهتم بذلك؟”
من مسافة قريبة، أطلق ملك كاتاس الشاب هالة من الهيبة كانت أقوى مما تخيل. وصوته المنخفض الذي همس به جعله يشعر بجفاف في فمه. لقد انكمش جسده بلا إرادته، مما أثار حنق كارلايل.
فشد قبضته، وحاول أن يقاوم دون أن يظهر ضعفه.
“……يجب أن تهتم.”
فقط هو كان يعلم أن روميا موجودة هنا. أما جهاردي الذي جاء بسبب الحرب فلن يعلم أبدًا أنها في ريلنوك.
“لا يوجد شيء أكثر حماقة في الحرب من إضاعة الوقت على ما لا طائل منه. يا كارلايل دوين.”
مجرد نظرته التي تستهين بأقواله كانت كافية لتؤكد أنه لن يشك أبدًا بوجودها هنا.
إنه لا يعرف، لكن كارلايل يعرف. روميا بيرلوس موجودة هنا. وامتلأ قلبه بنشوة عارمة. وفي الوقت نفسه، انتفضت كبرياؤه التي خدشها الملك في نادي النخبة.
“لماذا ألغيت الخطبة؟”
“قصص السياسة الملكية يمكن أن تُناقش لاحقًا، إن عدنا أحياء.”
لكنه كان يتمنى أن يرى كبرياء الملك ينهار كما انجرح كبرياؤه. فمع كل تمسكه ورغبته في الاحتفاظ بها، فشل في النهاية بحماية المرأة التي أحبها.
حاصرها وحبسها، لكنه خسرها في النهاية. رجل بائس.
التقت عينا كارلايل المليئة بالحقد بنظرات جهاردي الباردة في الفراغ.
لم يكن يرغب أن يكشف له أنها هنا، لكن قسوته التي جعلت روميا تعاني دفعته لأن يهاجمه بالأسئلة بلا توقف.
“لماذا لم تفكر حتى بالبحث عنها؟”
“…”
“في ذلك اليوم، قلت لي إنها غالية عليك.”
كان قلبه يتمزق وهو يفكر فيها، هاربة إلى بلد غريب، تصارع الوحدة والاغتراب. فتدفقت من فمه كلمات لوم نحو جهاردي كأنها تخرج من قلبه الممزق.
حتى أنه أعاد عليه نفس الكلمات التي قالها له من قبل.
ذلك الملك المتكبر، الذي امتلك كل شيء، لم يستطع امتلاكها.
والمفاجئ أن عيناه، اللتان بدتا باردتين غير آبهتين، تغيرتا عند سماع اسم روميا بيرلوس. اختفى منهما التعب، وبدت نظراته أكثر حدة وتركيزًا على كارلايل.
لقد أدرك الملك الذكي مقصد كارلايل الحقيقي.
“……هل هي هنا؟”
“…”
“هل هي هنا، في ريلنوك؟”
“…”
ورغم أن كارلايل لم يرد، فقد حصل جهاردي على جوابه.
كان ينظر إليه بإصرار، كأنه على وشك أن يمسكه من ياقة قميصه ويهزه ليسأله عن مكانها. لكنه لم يفعل. وبصمت كارلايل، استدار وأدار ظهره مجددًا.
وعندما اختفى من نظر كارلايل تمامًا، لم يبقَ سوى اليأس.
لقد باح بمشاعره الطائشة، وظن أن صدره سيشعر بالراحة، لكنه لم يجد ذلك. لو أنه فقط سأله مباشرة عن مكانها، لربما شعر ببعض النشوة.
‘لقد شعر بالراحة.’
قبل أن يدير ظهره، كان وجهه مطمئنًا. كان مطمئنًا لأنها ما تزال على قيد الحياة، ومطمئنًا لأنها أقرب إليه مما ظن.
فهم كارلايل عندها أنه ارتكب خطأ.
مشاعر طائشة غير ناضجة منه أعادت إشعال أمل كاد أن ينطفئ.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات