جالت روميا بعينيها في أرجاء غرفة النوم الخالية من جيهاردي، مرسلة ابتسامة مرة. كان المكان مضيئًا وفسيحًا إلى حدّ يبعث على الفراغ. لو أرادت الهرب، لكانت قد فعلت منذ زمن. أساسًا، لم يكن قد حبسها.
لكن لهذا السبب كان الأمر أسوأ. كان جيهاردي كاتاس يضعها في امتحان دائم: هل ستخرج من تلقاء نفسها، أم ستبقى من تلقاء نفسها، من دون أن يغلق الباب عليها؟
تأملت روميا المكان الذي عاشت فيه بين اليأس والنشوة. كان معصمها ملفوفًا بمنديل أزرق ناعم.
تلك الصغيرة، وعلى نحو مؤثر، كانت هدية أهدتها إياها بينما تبكي الليلة الماضية.
“سترحلين، أليس كذلك؟”
“كيف عرفتِ؟”
لم تُجب آنا على سؤال روميا، واكتفت بهز رأسها. كارلايل أيضًا، وآنا كذلك، كلاهما كان يعرف أنها سترحل، إلا جيهاردي وحده، لم يكن يعلم.
وقد أسعدها ذلك حد الجنون. أن تتحرر أخيرًا من الرجل الذي أسرها عنوة.
‘قد أنكسر، لكنني لن أفنى. قد أُحطَّم، لكنني لن أُهزَم.’
لقد كانت محظية الملك الذي صبرت وتحملت. وجودها لم يكن سوى وصمة لا أخلاقية في كاتاس، ولذا تسببت دون قصد في جرح هيرين فوتاميا وكثير من الناس.
نظرت روميا إلى رف الكتب الخشبي. لم يكن عليه ذرة غبار، مما جعلها تضحك، إذ بدا وكأنه يجسّد شخصيته بالتمام.
تلك الاستقامة التي لن تنحني حتى الموت.
ثم خطت خطواتها نحو المشجب الذي اعتاد جيهاردي أن يعلّق عليه ثيابه عند عودته من التزاماته.
للمرة الأولى والأخيرة، كانت قبعة علّقتها هي بنفسها هديةً له.
‘كنت قد قررت ألا أترك أثرًا…’
أغمضت روميا عينيها بمرارة.
كان مؤلمًا أن تدرك أنها، مثلما ألفت جسدها على اللذة التي يمنحها، ستترك أثرًا لا يُمحى في النهاية.
هل سيتذكرني حين يرى هذه القبعة؟
لقد كان رجلاً يقذف بكلمات فظيعة كأن يأمرها أن تموت بجواره. ربما سيزمجر غيظًا عندما يراها.
عندها تسللت ضحكة فارغة من فمها. ضحكة تجمع بين الاستسلام والخيبة انطلقت رغماً عنها.
أوشكت خطوات روميا في تأمل الغرفة التي شاركته فيها على نهايتها.
“أشياء لا أريد أن أفقدها.”
هل كان يخفي فيها هواية سرية للملك؟ وقفت أمام الخزانة الصغيرة المغلقة بقفل ضخم، ومدّت يدها ببطء.
“……!”
ارتجفت روميا من برودة الحديد، ثم تجمّدت مكانها. القفل الذي كانت تظنه عصيًّا على الفتح سقط على الأرض بمجرد أن لمسته بخفة.
“لم يكن مقفلاً؟”
أطلقت روميا ضحكة قصيرة ساخرة. بدا القفل منغلقًا تمامًا وكأنه لا يُفتح إلا بالقوة، لكنه لم يكن مقفلاً أصلًا، إنما فقط معلّقًا.
مدّت يدها بحذر فانفتح الدرج بسلاسة.
بمجرد أن واجهت سره، تجمد وجه روميا، وانهارت على الأرض مرتجفة.
“لِمَ… لِمَ الآن بالذات! عندما حسبت أن كل شيء انتهى! لِمَ!”
كتمت فمها بكلتا يديها لتخنق شهقاتها حتى لا تُسمع بالخارج. وحدها أشعة الشمس التي أغرقت روميا العارفة بسرّه احتضنت كتفيها المرتجفتين على نحو يثير الشفقة.
لقد كان قاسيًا، حتى آخر لحظة.
بين يديها الممدودتين بغير تصديق، وجدت قبعتها القديمة، تلك التي سقطت منها في الماء يوم رحلة القارب.
أن تكون قد خرجت من درج خزانته، كان برهانًا على أن اليأس الذي اعتقدت أنه يربطها به، لم يكن إلا حبّا.
ورغم أنها فكرت أن هذا يشبهه، إلا أن دموعها المسكوبة عنت أيضًا نهاية مؤسفة.
وبينما تضم قبعتها المفقودة منذ زمن إلى صدرها، بكت طويلًا، لكن لم تتغير حقيقة أن هذه الليلة هي الأخيرة لروميا.
***
كانت سيرا تحدّق في الراية الزرقاء المثبتة على السفينة وهي ترفرف في الرياح. طريقها للقاء أختها كان يثير حماسها، لكن غياب رفيقة السفر جعلها تزداد قلقًا.
راحت تقضم أظافرها وتنظر حولها بلهفة بحثًا عن أي أثر لرفيقتها.
حينها، أبصرت من بعيد شخصًا يقترب بخطى سريعة. وما إن تعرّفت عليه حتى لوّحت بذراعها عاليًا.
“هنا!”
“سيرا رودج؟”
تعرّفت الأخرى عليها أيضًا. أمسكت سيرا بيدها الفارغة من الحقائب.
“لقد تأخرتِ. ريلنوك مكان بعيد جدًا، علينا أن نسرع.”
انسلت معطف الرفيقة تحت نسيم البحر، كاشفًا عن وجهها.
‘روميا بيرلوس.’
لم تكفّ سيرا عن ترديد اسمها في سرّها حتى وهي تشدّها مهرولة نحو السفينة.
لم تكن سيرا قد رأت روميا من قبل، فهي لم تُقدَّم بعد في حفل الديبيوتانت، لكنّها كانت واثقة أن الفتاة التي كتبت عنها أختها في رسائلها هي روميا بيرلوس.
<تلك الفتاة غريبة، لكنها نضِرة. جميلة ونضِرة. كجنية من الأرض. عندما ترين شعرها البني المتموج وعينيها الخضراوتين المليئتين كغابة ستفهمين ما أعنيه.>
كانت الرسالة مليئة بالاستعارات الشعرية حتى إن سيرا سخرَت وتوقفت عن القراءة. جنية الأرض؟ عيناها تحملان الغابة؟ مثل هذه الصفات لا وجود لها.
لكن الآن، أمام روميا، حتى وهي محجوبة بالمعطف، فهي لم تستطع اخفاء سحر عينيها.
وكرهت أن تعترف، لكنها أدركت ما قصدته أختها بذاك “النضِر”.
وفهمت أيضًا لماذا اختارها الإمبراطور، ابنة عائلة قبعات حقيرة، لتكون محظيته.
مجرد ظهور روميا كان كفيلًا بمحو كل إنكارها.
وصلتا بالكاد في الوقت المناسب لركوب السفينة. وما إن هدأت أنفاس سيرا التي كانت تلهث حتى سألتها روميا:
“هل ريلنوك بعيدة جدًا؟”
“يستغرق الأمر خمسة أيام كاملة.”
“……هل يمكننا العودة مجددًا؟”
“عندما تكبرين وتفقدين جمالك.”
“ماذا؟”
ارتبكت روميا ورمشت ببطء. لوّحت سيرا بيدها قائلة إنها كانت مزحة.
“أنا أيضًا أذهب إلى ريلنوك لأول مرة. إنها بعيدة جدًا عن كاتاس.”
“ألَم تحضري زفاف إيزابيلا؟”
“لا. حتى والدانا لم يتمكنا من الحضور. كان هناك تحذير من عاصفة ثلجية. والغريب أن ريلنوك لا تعرف الثلج أصلًا.”
قهقهت سيرا كطفلة. صحيح أنها كانت تتحدث بفظاظة أحيانًا، لكنها كانت تجيب روميا بلطف. وبدا الاختلاف واضحًا عن إيزابيلا، مما جعل روميا تنظر إليها بدهشة.
“آنسة سيرا، لا أظنك تشبهين إيزابيلا.”
“طبيعي. أنا وأختي لنا أمهات مختلفات.”
ارتبكت روميا واعتذرت، لكن سيرا هزت رأسها بهدوء.
“كلنا نحن الأخوات لنا أمهات مختلفات. وحدها هي ابنة الكونتيسة الشرعية. ولحسن الحظ، سمحت الكونتيسة بتسجيلنا في العائلة. وأختي ليست صعبة الطبع، لذا نتعايش بشكل جيد.”
ابتسمت روميا برفق وهي تستمع إليها. لم تكن تدري سابقًا، لكنها الآن فهمت.
كم كان شاقًا أن التظاهر باللامبالاة. لسيرا، ولإيزابيلا كذلك.
“ألستِ خائفة يا آنسة سيرا؟ أن تُفشى مثل هذه الأمور؟ يمكن أن تكون سلاحًا ضدك. طُعْمًا للآخرين.”
صمتت سيرا لحظة تفكر، ثم قطّبت جبينها ونظرت إليها.
“لا أراه عارًا.”
“…….”
“وماذا في ذلك؟ هذه أنا، سيرا رودج.”
كان كلامها جارحًا بعض الشيء، وكأنه خدش صدر روميا.
ولم تنتهِ سيرا عند ذلك:
“هل اخترت أنا أن أولد هكذا؟ أنا ولدت هكذا وأعيش هكذا، فماذا يضيف الآخرون؟”
“تشبهين إيزابيلا في هذا.”
“حقًا؟ هه. على أي حال، لا أبوح بمثل هذه الأمور عادة، لكنها نسبية. فأنتِ أسوأ مني.”
أضافت كلمة “أنتِ” بعينين مازحتين. وبالفعل، ما كانت روميا تحمل من ألقاب العار يفوق ما تحمله عائلة رودج.
حينها فقط انفجرت روميا ضاحكة بوجه مطمئن.
وفيما كانت السفينة تطلق بوقها، أخذت تبتعد شيئًا فشيئًا عن كاتاس.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 90"