لم يُفتح الباب إلّا بعد أن ابتعدت خطوات فيوليت الغاضبة. تحدّثت روميا دون أن تنظر نحو الباب.
ابتسم بسخرية وهو يراها وقد نزلت من السرير وجلست على الأريكة.
“أصبحتِ تميّزين حتى وقع خطواتي، على ما أرى.”
“….”
“بل وبدأتِ تتكلّمين أيضًا.”
فقط قبل أيام، مهما حاول إغراءها أو استرضاءها لم تنبس بكلمة، أمّا الآن فقد فتحت فمها بنفسها كأنّ جهده لم يكن ذا معنى. قال ذلك وهو يخلع معطفه ويفتح الصينية التي لا بدّ أنّ آنا تركتها قرب السرير.
عندما لاحظت روميا أنّ نظره اتجه بطبيعته إلى طعامها، سبقت لتجيبه:
“لقد أكلت.”
“أحسنتِ.”
ضحك جيهاردي بعدما تأكّد أنّها لم تكذب. لكنّها، رغم مدحه البسيط، بقيت ترسم خربشات بلا معنى في دفتر فارغ، وكأنّها لا تنوي أن تلتفت إليه مهما فعل قربها. الخطوط المنحنية تكاثرت حتى كوّنت دوّامة كبيرة، وفجأة انكسر سنّ قلم الرصاص.
ومثلما انكسر السنّ، انكسرت معها رغبتها. عندها سألت وهي تشير إلى الطاولة الصغيرة قرب النافذة خلف مكتبه:
“تلك الخزانة الصغيرة… لما دون غيرها عليها قفل؟”
“ألم تقولي إنّك لا تهتمّين بأشيائي؟”
“تصفّحت الغرفة قليلًا بسبب الملل.”
منذ أن نزلت من السرير قبل قدوم فيوليت، لم يكن في وسعها إلّا التحرك قليلًا داخل الغرفة، خاصّة بعدما أصرّت آنا أنّها بحاجة إلى المزيد من الراحة. الصغيرة كثيرة الثرثرة أصلًا.
ولعلّ هذه أوّل مرّة تنظر روميا في أرجاء غرفته بعناية. لطالما كرهت أن تلمس شيئًا ليس لها، بل حتى مجرّد وجودها داخل مساحته لم يرق لها من قبل.
علبة موسيقى ثمينة، دمية خشبية منحوتة بعناية، شريط لا تعرف إن كان يعمل، قلم حبر فاخر ذو إطار ذهبي يستخدمه كثيرًا… وبينما تتجوّل عيناها في الأرجاء، توقّفت عند الخزانة المقفلة.
الباقي فارغ أو مرتب بعناية، إلّا هي، فقد كانت مقفولة بقفل ثقيل.
“……لا معنى له.”
“الناس عادةً يضعون أقفالًا ليخفوا أسرارًا لا يريدون لأحد أن يكتشفها.”
“هل أثار فضولك؟”
قال إنّه بلا معنى، لكن روميا لم تصدّق. فمن يغلق شيئًا بقفل لا بدّ أنّه يخفي إمّا شيئًا ثمينًا أو سرًّا لا يريد كشفه. على الأقل، في نظرها، جيهاردي لم يكن وحشًا بلا مشاعر، بل كان صريحًا معها أكثر من أي أحد آخر.
لكن إن كان ما في داخله سرّه الحقيقي… فهي لم تعد ترغب بمعرفته. أومأت برأسها نافية. فكلّما عرفته أكثر، انهالت عليها مشاعر ضخمة لا تستطيع تحمّلها. ولأنّ عبء تحمّلها يقع عليها وحدها، فضّلت ألّا تعرف.
مدّ جيهاردي يده إلى خدّها المنتفخ من صفعة فيوليت.
ارتجف جسد روميا من ألم وخز الحرارة الباقية.
“متورّم.”
“سيزول قريبًا.”
“قد يزول… لكنّه يؤلم، أليس كذلك؟”
“….”
بالفعل، لم يكن بلا ألم. إنّما اعتادت فقط.
لم تجد روميا ما تقول في قلقه المفاجئ. كانت قد اعتادت تمامًا على عنف فيوليت، لكن كلماته ذكّرتها فجأة أنّها لم تُضرب يومًا بلا ألم. والموجع أكثر أنّه لم يكن هناك أحد ليقلق عليها أو يعتذر لها. والآن، هو بالذات من يفهم تلك المشاعر.
لأنّه قبض على ذقنها لم تستطع الحركة، فأجابته بامتثال. ثم غطّى ظهر يدها بيده الأخرى. دفء راحته جعلها تبتسم بخفة.
“دافئة.”
“نعم.”
وانتقلت يده إلى أسفل أنفها، يستشعر أنفاسها.
“أنفاسك أيضًا.”
“نعم.”
وأخيرًا تلاقت عيناهما، وهي عاجزة عن الفرار من قبضته، فقال:
“تنظرين إليّ اليوم.”
كان راضيًا للغاية وهو يرى صورته منعكسة في عينيها، كما كان يرغب دائمًا. ارتجف جسدها قليلًا، ثم وضعت يدها على يده التي تمسك بذقنها، وأخيرًا قالت ببطء:
“……قبّلني.”
مصدر بؤسها كان آل بيرلوس، واستمراره كان بسبب الرجل أمامها. ولم تطلب منه قبلة لملء فراغ الحب، بل لتتأكّد أنّه لا يزال يحبّها، وعندما يغفل عنها، ستستطيع أن تهرب.
أملها الوحيد أن لا يكتشف الرسالة الممزّقة من إيزابيلا، المرمية فوق الطاولة الصغيرة التي أحضرها من أجلها.
“لطالما كنتِ بارعة في تقليد الآخرين.”
أبعد يده عن ذقنها، وتراجع قليلًا إلى الوراء.
“افعليها بنفسك.”
“…….”
“قلّدي ما كنتُ أفعله معك دائمًا.”
ارتجفت عيناها المرتبكتان، وقد تأخر استعابها. أمّا هو، فبدا مستمتعًا بل وأكثر سرورًا.
حدّقت في وجهه، فشعرت بالارتباك. مجرّد رجل يستمتع بإذلالها، ومع ذلك ظهر عليه الفرح.
هزّت رأسها، ثم تقدّمت نحوه ببطء وهي تسند يديها على الأريكة، إلى أن رفعت وجهها نحو شفتيه البارزتين بابتسامة خفيفة. ابتلعت ريقها بصعوبة. جسدها المرتجف من التوتر رفض أن يطيعها.
‘تماسكي، روميا.’
ردّدت ذلك مرارًا في داخلها، ثم أغمضت عينيها بقوة وأطبقت شفتيها على شفتيه. كما حين أجابته ذات مرة بقبلة خفيفة حين سألها ماذا يمكنها أن تقدّم له… أمر كان ينبغي أن يكون بسيطًا، فلماذا ترتجف هكذا؟
الحرج اجتاحها كموجة تريد ابتلاعها. يداها التي تسند جسدها كانت على وشك أن تنهارا.
مرّرت لسانها برفق على شفتيه، لكنّه لم يفتح، بل تركها تنتظر. حتى حين توسّلت بلعقٍ أصدق، ظلّ صامتًا. توقّفت وهي تسبل عينيها بالدموع، تحدّق فيه بعتاب.
وفي تلك اللحظة، انقلب الموقف. ظهرها ارتطم بالأريكة، وقد بدّل الوضع في لحظة. ثم التهم شفتيها ضعفَ ما صبرت عليه هي، بل ثلاثة أضعاف.
“آه!”
رغم أنين الألم، شقّ طريقه داخل فمها، يلحس أسنانها واحدًا واحدًا. سال لعابه على شفتيها فجعلهما تلمعان.
ثم امتدّت يده إلى فستانها، تدفع داخله. انزلقت ملابسها الداخلية المربوطة بخيط بسهولة. كفّه وهو يداعب فخذها كان ملحًّا. حاولت رفع ساقيها لتمنعه، لكنّ ارتباكها لم يزده إلا إثارة.
‘هل العنف هوايته؟’
نظر جيهاردي إلى وجهها المرتعش بالبكاء من شدّة اللذة التي يغمرها بها، فانقبض جبينه. وعدها بأن التورّم سيزول سريعًا، لكن خدّها المنتفخ الأحمر أمامه نفّر مزاجه.
كيف يجرؤ أحد غيره أن يمدّ يده إلى ما يملكه؟ والأسوأ أنّه، هو نفسه، لم ينل قلبها رغم كلّ ما بذل من عناية.
أن تفعل بها أسرتها ذلك، باسم العائلة، كان أكثر ما يثير سخريته.
تذكّر يد فيوليت المرتفعة على روميا في نادي سينسيا. فاقترب الآن، ببالغ حذر رغم لا مبالاته، وطبع قبلة على خدّها.
قبلة، قبلة. ارتفعت الأصوات عالية. اختلط صوت القبلات ببلل الشفاه، مع صرير الأريكة، وصرخاتها المرتجفة الممزوجة بالحرارة والدموع.
جيهاردي استساغ هذه الأصوات كلّها معًا على نحو غريب.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 80"