بعد أن غادرت لافانتوار وتفقدت روميا الوقت المتأخر، سارعت إلى إغلاق باب الصالون. سيطر عليها القلق من أن تفوتها آخر عربة متجهة إلى القصر الملكي إن تأخرت قليلًا. وقفت على أطراف أصابعها لتغلق الباب بإحكام، وما إن همّت بالتوجه نحو محطة العربات حتى التفتت مذعورة إلى أثر حركة غريبة غير مألوفة.
“ماذا تفعل هنا؟”
لم تصدق عينيها. لقد رأت رجلًا طويل القامة، أنيق الملبس، واقفًا أمام صالونها، فسألته بدهشة. سرعان ما أضاءت أعمدة الإنارة مع غياب الشمس سريعًا.
انتبه الرجل إلى روميا، فاعتدل واقفًا بعد أن كان متكئًا، ثم أجابها:
“لقد جاء أشخاص من الدولة الاتحادية. وأنا في طريقي للعودة بعد جولة في متحف ديلفونيا، فتوقفت قليلًا هنا.”
تحركت يد جيهاردي من تلقاء نفسها دون وعي، فأحكم إغلاق معطفها الصوفي الأحمر. بدت الحركة طبيعية للغاية. روميا فركت يديها المرتديتين قفازين، ثم نفخت فيهما أنفاسها الدافئة، وكأنها تبعث الدفء في يديها الباردتين. فقد كان الجو قارسًا لدرجة لا يقي منها حتى القفازات الصوفية الناعمة.
ما لبثت روميا أن تأملت جيهاردي مباشرة. لم تعلم منذ متى أو كم من الوقت كان هناك، لكنها تأكدت من شيء واحد، وهو أن يده التي لامستها لبرهة كانت باردة للغاية. فترددت قليلًا، ثم نزعت قفازيها وقدّمتهما له.
“الجو بارد.”
ألقى جيهاردي نظرة على القفازين الصغيرين اللطيفين، ثم ضحك باستهزاء. هل تظن أن يديه الكبيرتين ستدخلان في ذلك الحجم الصغير؟ إزاء هذه المراعاة الساذجة، هزّ رأسه رافضًا.
“أشكرك، لكن لا داعي.”
بعد أن ودّع الوفد القادم من الدولة الاتحادية وأرسلهم مسبقًا إلى القصر، تبع قلبه وخطا إلى هنا. كان متحف ديلفونيا قريبًا نسبيًا من صالون روميا، كما كان هذا الطريق يمر في طريق عودته. والأهم أنه لم يرها منذ أيام إلا وهي نائمة.
عبر زجاج النافذة لمح زبونًا يجلس، فانتظرها دون أن يزعجها. لم يدر كم من الوقت مرّ، لكنه ظل يترقب خروجها بلا كلل.
ولحسن الحظ، لم يكن الانتظار مملًا. فقد أخرج دفتره الذي يحمله دائمًا، وتفقد مسبقًا جدول أعمال الغد الذي رتّبه له الكونت كيلدرو، ثم اشترى صحيفة من طفل عابر وأخذ يقرأها بتمعّن، حتى انقضى الوقت وخرجت روميا أخيرًا.
لاحظ وجه روميا وقد احمرّ من الخجل بعدما رفض قفازيها، فألقى نظرة جانبية نحوها، ثم قال:
“اختاري واحدة من اثنتين: إما أن تكرهيني بشدّة، أو…”
كانت كلماته موجهة إلى روميا التي تهرب منه في الأيام الأخيرة بمزاج فاتر، ثم ما تلبث أن تقترب منه بغير قصد حين تلتقيه وجهًا لوجه.
غير أن روميا تهربت بمهارة من موضوعه بصوت هادئ متماسك:
“لا أستطيع كره جلالة الملك، ملك هذا البلد. وإن مرضتَ بسببي فسيتهمني الناس بأني السبب. فأنت أصبت بالبرد أثناء انتظارك لي.”
وسرعان ما وجدا نفسيهما يسيران في ساحة بدأت تخلو من المارة.
“وماذا عن العربة؟”
“أرسلتها أولًا.”
“وهل يجوز هذا؟ أن تترك الملك وحده هكذا؟”
قالت روميا باندهاش، غير مصدقة، فأجاب جيهاردي بابتسامة قصيرة وهز رأسه:
“أنا لست طفل مثل الآنسة روميا بيرلوس.”
“…ومن قال إنني طفلة؟ كم أنت سيئ.”
“في عيني، ما زلت بحاجة إلى أن تكبري أكثر.”
“انسَ الأمر. أنا لست قصيرة، بل جلالتك طويل جدًا.”
كان واضحًا أنه يمازحها، فانتفخت وجنتاها بالهواء. لمجرد أن تمنحه فسحة صغيرة، يدخل إلى قلبها بحدة. وبينما انجرفت دون وعي في إيقاعه، توقفت فجأة عن المشي.
عندما فتحت باب الصالون ورأته واقفًا هناك بلا توقع، تدفقت إليها مشاعر تحمل اسمًا لم تعد قادرة على إنكاره.
ارتجفت. مجرد أن تعرفت على ذلك الاسم جعل جسدها يرتعش بلا تحكم.
“روميا؟”
سألها جيهاردي بعدما لاحظ اضطرابها، لكنها لم تجب. قبل لحظة فقط، كانت تضحك وتحادثه بهدوء، كأن شيئًا لم يكن. لقد كان الأمر طبيعيًا لدرجة أنها نسيت.
ما إن رأته ينتظرها، شعرت بالسعادة. بالبهجة. بالسعادة الغامرة…
لم يقل بوضوح إنه انتظرها، بل اكتفى بذكر أنه مرّ مرورًا عابرًا، لكن أفعاله كلّها صرخت بذلك. فشعرت روميا بسعادة حمقاء، وفرح غبي، وخوف قاتل من شدّة ما ملأها ذلك الإحساس. حتى ضاق صدرها.
لقد أيقنت أن الألفة العميقة التي يبعثها جيهاردي في قلبها أمر مخيف. ومع تلك الألوان العاطفية المتشابكة، سيطر عليها خوف مبهم.
“هل أنتِ بخير؟”
رنّ صوته الحاني بجوارها، فجرت الدموع في عينيها بلا سبب.
في الصباح ذاته، قبل أن تغادر الصالون، كانت قد أقسمت على الابتعاد عنه لحماية الطفل. والآن بدا ذلك العهد هزليًا.
ولم تستطع البوح بالحقيقة، فاكتفت بجواب خافت مرتجف:
“أنا بخير. ربما شعرت بالدوار لأني لم أتناول شيئًا اليوم.”
“……لنعد إلى العربة.”
“حسنًا.”
“حين نصل إلى القصر، تناولي طعامك أولًا.”
“حسنًا، سأفعل.”
رغم أنها شعرت بنظراته الحادة تمسحها بعناية، فقد لبّى رغبتها الصامتة ولم يسأل شيئًا.
قال فقط: “لنعد.” ومع ذلك، شعرت روميا بغصة خانقة.
لم يكن هناك باب مغلق، ولم يكن يسجنها خلف قضبان حديدية. لو أرادت الهرب، كان بإمكانها أن تفعل في أي لحظة. لكنها لم تستطع. شعرت بالدوار، وتعثرت قليلًا، لولا أن ذراعه القوية أمسكت بها لكانت سقطت أرضًا. أغمضت عينيها بشدة، وهي تشعر بأغلال ثقيلة تقيدها في كل جزء من جسدها.
“لستِ بخير.”
“لقد خرجت كثيرًا في الأيام الأخيرة. يبدو أنني بالغت.”
أجابت بابتسامة باهتة وهي تمسك ذراعه لتقف مستقيمة.
في صمتٍ تام، وصلا إلى محطة العربات. أخرج جيهاردي النقود من جيبه، فترجل السائق ليفتح الباب.
“أغلقوا النوافذ بإحكام، الجو بارد والهواء قارس.”
انتظر السائق حتى رآهما يصعدان ويغلقان النافذة، ثم أمسك باللجام.
وبدأت عجلات العربة تدور ببطء.
وفي داخلها، لم يتبادل الاثنان أي كلمة أخرى.
***
“إنها زهور لصنع الباقة. أليست جميلة؟”
كانت شارون مدعوة إلى عشاء هيرين. وما إن رأت الزهور التي قدمتها لها حتى ارتسمت على شفتيها ابتسامة ساخرة باردة. بدا أن الآنسة هيرين، المشغولة بالتحضيرات للزواج الملكي القريب، لا تعلم إطلاقًا ما يحدث في القصر الرئيسي.
‘حتى لو علمت، فهل ستهتم؟’
تأملت شارون وهي تعقد حاجبًا واحدًا ببطء.
فآل فوتاميا لم يحبوا الملك قط، وكل ما سعوا إليه طويلًا كان تثبيت مكانة متينة كملكة. سواء كان للملك ابن غير شرعي، أو عشيقة، لم يكن يعنيهم. المهم أن تصل هيرين فوتاميا إلى عرش الملكة.
“هل تنظرين أيضًا يا أميرة؟ هذه زهور لتزيين عجلات عربة الموكب الملكي. ما رأيك؟”
“إنها الزهور المفضلة للملكة الثالثة عشرة، الملكة كرانيان. خيار ليس سيئًا. فقد تزوجت أيضًا في الشتاء.”
ما إن ذكرت اسم الملكة كرانيان حتى تبدلت ملامح هيرين بارتباك، وتوقفت يدها التي كانت تقدم كتاب الزهور.
لكنها تمالكت نفسها، وردّت بصوت مبتهج مصطنع:
“إذن، الملكة كرانيان كانت تحب هذه الزهور أيضًا.”
كان واضحًا أنها تحاول كبت مشاعرها. لكن شارون لم تترك لها مجالًا.
“نعم. لقد أحبتها بشدة حتى أنها زيّنت بها حفل زفافها بالكامل. حتى الباقة. لكنك تعرفين بالطبع… من يستخدم زهور الديفون في حفلات الزفاف؟ وأيضًا، في الباقة التي عرضتها عليّ، رأيت ورود ديفون.”
“…”
خفضت هيرين رموشها الطويلة، وأطبقت شفتيها بصمت.
الملكة الثالثة عشرة، كرانيان، انتهى بها الأمر مطلّقة بسبب عشيقة الملك الثالث عشر دوكافو. وفي شيخوختها ماتت وحيدة في دير، بعد أن ضاع مجدها كملكة. ومع معرفة هيرين الواسعة بتاريخ العائلة المالكة، فهمت تمامًا ما قصدته شارون.
زهور الديفون لا تنمو إلا في الشتاء، ونادرًا ما تستخدم في الباقات أو حفلات الزفاف، إذ غالبًا ما تقام في الربيع أو الصيف. فلم يكن هناك سبب لاستخدامها.
لكن شارون تعمدت ذكرها الآن لتجرح كبرياءها. وفي هذا التوقيت، لم تكن كلماتها أقل من لعنة في نظر هيرين.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات