توقفت روميا، التي كانت تهمّ بالعودة مسرعة وهي تُرفرف بفستانها السميك، لم تكن سوى داليا كانيون. تلك الفتاة ذات الجديلتين والنمش اللافت، التقطت أنفاسها التي بلغت حنجرتها قبل أن تفتح فمها قائلة:
“استفيقي من حلمك.”
“……”
“أعلم أن ما تفعلينه ليس صائبًا. وأعلم أيضًا بما اقترفتِه.”
وكأن لديها ما هو عاجل لتُبلغه، غير أنها ما إن لحقت بها حتى لم تنطق إلا بكلام مألوف: أن تعرف قدرها وتتوقف عنده.
لم يكن وصم العار الذي لحق بروميا مما يمكن أن يُمحى بتجاهلها أو هروبها، لذا أفرغت داليا ما كتمته من لوم واتهام وجهًا لوجه.
“لا تظني أنكِ قادرة على أن تلوينا كما تشائين مستندة إلى جلالته. نحن لن نذهب إلى ذلك الصالون أبدًا.”
مع أنها أعلنت بوضوح أن الملك نفسه سيفتتح الصالون خصيصًا لعشيقته، فقد عقدوا العزم على مقاطعته تمامًا.
‘لا يهم.’
فالدعوة إلى الصالون لم تكن إلا الخطوة الأولى لمشروعها. وإن حضر أحدٌ فذاك حسن، وإن لم يحضر أحد، فمجرد أن الأنظار مسلطة عليها يكفي كي يصغي الجميع لتحركاتها.
نظرت إليها داليا بتحدٍ صريح، حتى شعرت روميا وكأنها تقف أمام فتاة تراها في صورة ساحرة شريرة.
“ألأجل هذا استوقفتِني؟”
ظنّت أنها ستثور وتردّ عليها، لذلك بدا وجه داليا مشوّهًا من وقع الخيبة. فقد كان من الطبيعي أن يغضب الشخص وتحمّر وجنتاه حين يتعرض لمهانة كهذه، لكنها فوجئت بأن روميا، التي حسبتها جاهلة لكونها من أصول وضيعة، واجهتها بهدوء ورباطة جأش.
بل حتى ابتسمت لها ابتسامة رقيقة وهي تقول:
“أيتها الآنسة داليا، ما أكرمك.”
وزادت الطين بلة أنها قابلت كلماتها الجارحة بابتسامة هادئة.
‘لا بد أن ذلك محض تظاهر. فلن يمحو التمثيل حقيقة أن بيرلوس ارتكبت خِسّةً قذرة.’
ألغباء منها أم بلادة؟ عضّت داليا على شفتيها بإصرار، متمنية من أعماقها أن تكون روميا امرأةً أكثر قبحًا وشرًّا، فهي الجانية التي أوجعت قلب هيرين فوتاميا وأثارت بهذا الفضيحة غضب النبلاء.
“ستعيشين إلى الأبد وحيدة. تلك هي الكفارة التي عليك دفعها.”
“……”
كان ذلك، في نظرها، ضربةً قاضية. فقد تحدثت داليا وكأنها المنفّذة بالنيابة عن هيرين، مسكونة بشعور العدالة.
لكن روميا لم ترد، بل أطبقت شفتيها واستدارت لتغادر ببطء. كان يفترض أن تشعر داليا براحة النصر وهي تراقبها تبتعد، غير أن التعبير الحزين الذي مرّ على وجه روميا قبل أن تدير ظهرها بقي عالقًا في ذهنها يثير قلقًا غريبًا.
***
‘ستكونين وحيدة إلى الأبد…’
تردّد قول داليا في أعماق روميا كأنه لعنة. مع أنها اعتادت على سماع أقسى من ذلك، إلا أن تلك الكلمات كانت عالقة لا تفارقها، كأنها استقرت في قلبها.
جلست تحدّق في جيهاردي وقد عاد من مشاغله الخاصة.
مهما انشغلت، كان عليها أن تكون دومًا جاهزة لتكون في متناول يديه متى شاء، في أي وقت، ليلًا أو نهارًا، من دون أن تدري التوقيت مسبقًا.
رأته يجلس إلى مكتبه ليباشر عملًا لم يُنجزه، فأدركت أن ساعتين من السكون بانتظارها، فعادت لتفتح كتابها الذي أهدته لها السيدة ريتشيتو، وكان يصف بالتفصيل ثقافة الأزياء في كاتاس.
مضت الساعات وهي غارقة فيه لا تشعر بالوقت.
أما جيهاردي، فترك قلمه قليلًا وألقى نظرة عليها. كانت ممددة على السرير تقرأ، وقد ارتفع فستانها القصير قليلًا ليكشف عن فخذيها الناصعين المشدودين، وساقيها الممشوقتين تتحركان بخفة.
بلا خوف.
قطّب جبينه قليلًا. صحيح أن بإمكانه أن يطفئ شبقه متى شاء، لكنها رغبة لا يشبعها شيء. تلك العطشات التي اعتادها صارت تطارده بلا هوادة.
حتى حين يقضي معها الليل، كان يعاوده جوع أعمق، كظمأ لا يرتوي، ربما لأن روميا بعد كل ذلك تدير له ظهرها كأن ما بينهما لا يتجاوز تلك اللحظة العابرة.
لذلك كان يشدها دومًا إلى صدره بعد ذلك، يضم ظهرها الصغير بين ذراعيه، حتى يشعر بجفاف فمه يزول قليلًا.
لكن هذا أقصى ما يناله. فهي لا ترفضه، نعم، لكنها تتعامل مع الأمر كواجب مفروض عليها. وكان يدرك تمامًا أنها لا ترى نفسها سوى محظية. ولهذا لم يعرف كيف يخطو أبعد من ذلك.
كم تمنى لو امتلك القدرة التي تملكها هي على قراءة الوجوه. فقد قضى عمره يراقب الناس، يميز بين ودّهم وعدائهم، بين من يسعى لمصلحة وبين من يهب الولاء الصادق.
أما روميا، فلم تنتمِ لأيٍّ من هذين الصنفين. كانت مسألة عصية على الفهم، كتلك المسألة الحسابية المعقدة التي أعطته أوليفيا في عيد ميلاده العاشر، والتي عكف ليلًا ونهارًا على حلها حتى نجح في النهاية، لينال وعدها بهدية يختارها.
فرحت الجدة بذكائه، وأُعجب الناس بدهائه واعتبروه قدوة للملك القادم.
المغزى أنه حتى حينها، كان ثمة جواب. وهو يؤمن أنه لا توجد مسألة بلا حل.
وهكذا، فإن لغز روميا بيرلوس أيضًا لا بد له من جواب.
لم يكن يطلب منها حبًا أو عاطفة، كل ما أراده أن تجد نفسها بحاجة إليه، راغبة فيه، كي يظل يستمد منها وحدها المطر الذي يطفئ عطشه. هذا فقط.
عاد فأمسك قلمه وقال:
“هناك حفل.”
“حفل؟”
“المركيز غيرويك نجح في إبرام اتفاق للتجارة البحرية مع إمبراطورية ماتانيا. سيقام تكريمًا له، وأيضًا احتفالًا بصفقة الصداقة بين كاتاس وماتانيا. كثير من كبار التجار سيحضرون.”
رفعت روميا بصرها باهتمام بالغ وقد أوشكت أن تنهي كتابها.
“وجلالتك ستحضر أيضًا؟”
“بما أن المركيز سيكون هناك، فلا بد أن أظهر لتهنئته.”
“وأنا؟ سأذهب معك؟”
“لهذا ذكرت الأمر.”
“…وماذا عن الآنسة فوتاميا؟”
“الحفل برعاية ضمنية من العرش، لكنه ليس حفلًا رسميًا في القصر.”
“أي أنه مكان خاص، ولذا يمكنني أن أكون برفقة جلالتكم.”
“……”
وكان صمته يعني غالبًا الموافقة. في العلن يرافق هيرين فوتاميا، وفي السر يصطحب روميا بيرلوس.
‘قسوة لا تُطاق…’
كانت تعرف أن ذلك قدر موقعه، لكنها لم تملك إلا أن تشعر بضيق يطبق صدرها.
ظنت أنها بلغت أقصى ما يمكن أن تحتمله من جراح، لكنها وجدت نفسها تنهار وتبتسم وتبكي مع كل كلمة تخرج من فمه.
قرأ جيهاردي ملامحها الواهنة فتقدّم ببطء نحوها. توقفت ساقاها اللعوبتان عن الحركة حين بلغ طرف السرير.
“لا داعي للحزن.”
“ولِمَ أحزن؟”
“أو ربما عليك أن تطمحي لأكثر.”
“كلا، جلالتك. أنا أعلم قدري جيدًا.”
ارتعشت نبرتها قليلًا، فرفع جيهاردي ساقها بلطف وقبّلها. كان فعلًا جريئًا، لكنه بدا مهيبًا لمجرد أنه هو من أتى به.
موضع شفتيه اشتعل بحرارة حارقة.
ثم رفع بصره إليها بعينين يوشك أن يبتلعها بهما، نظرته الجائعة لم ترد سوى أمر واحد. وفي لحظة، وجدت روميا نفسها ممددة على الكتاب.
مد يده إلى تحت فستانها، يلامس قميصها الرقيق. أصابعه اللاهثة تجولت فوق ملمسها الناعم، حتى ارتجف جسدها كله استجابةً لحركاته.
“لا بأس، لا بأس يا روميا.”
ما كان بوسعها أن تدرك ما الذي يُفترض أن يكون “لا بأس به”. تحت وطأة اللذة التي كان يمنحها إياها، أخذ وعي روميا يتلاشى شيئًا فشيئًا. لم تعد حتى تسمع بوضوح الكلمات التي يهمس بها ليهدئها. وبينما كان يطوقها بذراعيه القويتين، راحت يده الأخرى تعبث بجسدها بلا هوادة.
كانت لمسة يده وهي تتسلل ببطء صاعدًا على ساقيها غارقةً في غواية مثيرة. الإحساس المدوِّخ أوشك أن يسلب روميا وعيها تمامًا، فمال جِهاردي نحوها وهمس بصوت عذب:
“في الأوقات الخاصة، أنا رجل روميا بيرلوس.”
غير مدرك أن تلك الكلمات بالذات كانت تمزق قلبها من الداخل.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات