شعرت شارون بصدمة وهي ترمش بعينيها. فقد واجهت لأول مرّة التعبير الواضح عن مشاعر ابن أخيها، ولم يطل ارتباكها، إذ سرعان ما رتّبت ملامحها بما يليق بعضوٍ من العائلة الملكيّة.
“كلماتك قاسية جدًا، جيهاردي.”
كانت تظن أنّها قد سيطرت على نفسها تمامًا، لكن صوتها المرتجف ممزوجا بالغضب خرج دون تصفية. وفي النهاية، من انجرف وراء العاطفة وخسر كان شارون نفسها.
“يبدو أنّك تعتبر أيدن عارًا على العائلة الملكيّة… لكن ماذا عنك يا جيهاردي؟”
“لقد انجرفت وراء تنّورة امرأة حقيرة، وأدخلت وصيفة لابنة دوق فوتاميا لتكون خادمتك الخاصة، أليس كذلك؟”
“آه.”
أجاب جيهاردي بجفاف كمن تذكّر الأمر للتو، وكأنّ قصّة روميا لا تؤثّر فيه مطلقًا.
غير أنّ عينيه الموجّهتين نحو شارون اشتعل فيهما مجددًا لهيب غامض. نار بطيئة ودقيقة.
“لا تنس أنّ سكوت مجلس الشيوخ سببه أنّي أنا من أوقفته. قد تقول إنّك جلبت تلك الفتاة لحاجتك إلى وصيفة، لكن هل هناك شخص لا يعلم أنّها محظيتك؟”
قهقهت شارون ساخرة. كانت تحركات جيهاردي الأخيرة، التي لم تحِد يومًا عن المسار، خبرًا سارًا بالنسبة لها وهي التي تترصّد العرش منذ زمن.
على وجهها المتغضّن ارتسمت ابتسامة باردة غائرة.
“ليس أيدن وحده من ينزّل من مكانة العائلة الملكيّة، بل أنت أيضًا. هل يليق بملك هذه البلاد أن يُستَدرج إلى تنّورة امرأة حقيرة؟”
حاولت الحفاظ على وقارها، لكن الرغبة التي غلبت عقلها قفزت فجأة إلى السطح. وكلّما ازداد اعوجاج ابتسامة شارون، طال صمت جيهاردي أكثر.
“أتمنى بصدق أن تكون مخاوفي، كعمة تحرص على حماية سلالة كاتاس، مجرّد أوهام لا أكثر.”
أنهت شارون كلماتها متصنّعةً حرصها على ابن أخيها، وارتسمت على وجهها ابتسامة متماسكة توحي بإحساسها بالنصر.
كان جيهاردي يحدّق بهدوء في ما تبقّى من الشاي في فنجانه. انعكاس صورته على السطح الساكن بدا صامتًا تمامًا، أشبه بدُمية خشبيّة منحوتة بدقّة، ساكنة لدرجة أن المرء قد يتساءل إن كان يتنفّس. بدا وكأنّ الزمن قد توقّف عنده.
غير أنّ الزمن توقّف لديه عند نقطة واحدة فقط.
‘امرأة حقيرة.’
لم تكن كلمات شارون خاطئة. فـ روميا بيرلوس، حتى باعتراف نفسها، كانت امرأة تافهة، بلا قيمة ولا شيء يُذكر. أرخى جيهاردي كتفيه بتراخٍ.
لم يرَ تقييم شارون لـ بيرلوس على أنّه قاسٍ. بل كان يتفق معها في جانبٍ منه.
“كما قلتِ عمّتي، روميا بيرلوس امرأة حقيرة.”
شهقت شارون خلسة. كانت تحتسي الشاي برشاقة وتنتشي بنصرها، لكن جواب جيهاردي غير المتوقع جعلها تعقد حاجبيها. نبرته كانت هادئة خالية من أي غضب. وضعت شارون الفنجان جانبًا.
وعندما واجهت ابن أخيها الشاب، الملك، لم يكن في وجهه أي ارتعاش.
‘يا له من وحش…!’
شعرت بالاشمئزاز. أن يُهاجَم في مكمن ضعفه ولا يرمش له جفن، بدا كوحش منزوع العاطفة.
“أن تهتز سلالة كاتاس العريقة بسبب امرأة كهذه… أمر لا يُصدّق. فلا تفكّري أن تغطي على جرائم أيدن بأقوال واهية كهذه.”
لم يتصرّف جيهاردي بتهديد مباشر، لكن شارون أدركت بفطرتها أنّ سيفًا قد وُضع على عنقها.
ترك جيهاردي شارون الغاضبة ووجهها المحمر خلفه، بينما استمر يحدّق في الشاي المسكوب. لم يلتفت إليها ولو لحظة.
“جلالتك.”
“…….”
“ينبغي أن تناديني بلقب الجلالة. كفى هذا القدر من المجاملة بدافع صلة القرابة. في اللقاء القادم، عامِليني بما يليق.”
لم يفعل جيهاردي أكثر من الاستناد إلى قوانين العائلة الملكية. ومع ذلك، سقطت شارون في مقعدها ثانية، وقد انحلت قواها دون وعي.
شعرت وكأنّ إعصارًا جرفها. فهو يعرف تمامًا كيف يطحنها دون أن يرفع سيفًا. مخلوق مخيف… وحش. ضغطت شارون على أسنانها وسألت:
“ألا… ألا بدّ من أن تقف ضدي هكذا؟”
“ليس أحمقًا إلا من يمدّ يده ليصافح سيفًا حادًا موجّهًا إليه.”
“سأجعل من تصرفك هذا قضية كبرى.”
قالت شارون بلهجة ملؤها الغضب موجّهةً حديثها لابن أخيها الذي أدار لها ظهره حتى النهاية.
كان قد وقف من مكانه بالفعل. وحركاته خالية من التردّد كمن قال كل ما يريد. قبضت على يدها بقوة وهي تنظر إلى ابن أخيها يمر بجانبها.
كانت تعلم أنّ جيهاردي ليس من النوع الذي يمكن أن يُستَخدم كدمية مطيعة. لكن لولا ما حدث الآن، لكان من الممكن أن يتظاهر بذلك على الأقل. عضّت شارون على شفتيها.
حان الوقت لتطفو القضايا التي طالما كُتمت على السطح واحدة تلو الأخرى.
“حتى مسألة دمك المشبوهة… أتظنّ أنني لا أعلم؟ ألا يكون موقفك هذا مني ومن أيدن كي تُخفي الأمر عني؟”
كان على جيهاردي أن يعرف. كم من المرات تغاضت عنه. وأنّ بفضل رحمتها وحدها ظلّ محتفظًا بمكانه.
خرج صوتها الممزّق بغضب ممزوج بحقد.
“ذلك اليوم! يوم قُتل أخي وزوجته! من كانت يدك تمسك؟ لا تظنّ لحظة أنني لم أكن أعلم!”
ابتعد جيهاردي بخطوات واثقة، دون أن يتوقف للحظة واحدة.
—
“فكرة جيدة. أحسنتِ التفكير.”
“أتُراني أستطيع النجاح؟”
“بالطبع.”
بعدما استعادت روميا عافيتها كليًا، قصدت كارلايل. كانت تخشى أن تُجبر على البقاء حبيسة غرفتها، لكن لحسن الحظ لم يتدخّل جيهاردي في خروجها.
كان الجو باردًا منعشًا لكن الشمس مشرقة ودافئة. جلس الاثنان في مقهى متقابلَين، وارتسمت على وجهيهما ملامح ارتياح وسط الأجواء الهادئة.
ولأنّ روميا قررت أن تستعين بـ دويْن لبدء عملها الجديد، فقد شجّعها كارلايل بحرارة على هذه البداية.
وكان جسدها وعقلها، اللذان اعتادا على التوتر، ينفكان دومًا أمام كارلايل ويهدآن على نحو خاص.
وبينما يتحدّثان طويلًا، فتحت روميا موضوعًا بحذر.
“…لماذا لا تسألني شيئًا؟”
“عن الشائعات تقصدين؟”
“قد لا تكون مجرد شائعات.”
صحيح أنّها قضت أيام مرضها حبيسة غرفتها، لكن روميا لم تكن تجهل ما قيل عنها في الخارج. فالعلاقة بينها وبين جيهاردي لم تكن لتغيب عن أحاديث الناس الدائمة. وكان من الغريب أن يتجاهلها كارلايل بهذا الشكل.
بل إنّ صمته هو ما جعل روميا تشعر بعدم ارتياح.
في هذه المرحلة، ألم يكن عليه أن يسأل على الأقل؟ إذ بدأ ذلك الثقل يضغط على صدرها.
أخيرًا لم تحتمل وصاغت السؤال، ثمّ راقبت ردّ فعله بقلق.
خشيت أن يقطع كارلايل التعامل معها بسبب سلوكها، لكن لحسن الحظ استمر في الحديث معها وكأنّ شيئًا لم يكن. ومع ذلك، بدا أنه يعرف أنّه موضوع لا بد من المرور به، فانشغل بالتفكير مليًا قبل أن يرد.
وكان طول صمته يضاعف توترها.
وبعدما أنهى تفكيره، التفت إليها وهو يراها تنتظر بتوتر كمن يترقب حكمًا قاسيًا. لم يبدُ عليها النقاء الذي كان يظهر عليها قبل قليل وهي تتحدث عن عمل القبعات، بل خيّم على وجهها قلق كثيف.
ولم يكن كارلايل يجهل الشائعات الدائرة. فالصحف تكتبها، والناس يفتتحون بها أحاديثهم.
“ما يُقال من قيل وقال لا يعنيني إلا بقدر ما يدخل في صفقات البيع والشراء. أما حياتك الخاصة يا آنسة بيرلوس، فلا أنوي أن أكون وقحًا بالتطفل عليها. وأعلم أنّ لك أسبابك الخاصة.”
كان امتناعه عن ذكر الشائعات مجرّد احترام منه تجاه روميا، تلك المسكينة التي أصبحت على ألسنة الناس.
لأسباب لم يعرفها، كان كارلايل يفضّل رؤية ابتسامتها المشرقة على ملامحها الكئيبة.
فـ روميا، وهي تتحدث عن أحلامها بوجه مرتاح، كانت تلمع بوضوح.
“ليست شائعة.”
“أجل، فهمت.”
رغم أن روميا خصّت نفسها بكلام يحطّ من قدرها، اكتفى كارلايل بهزّ رأسه دون أي انفعال.
هذا كل ما كان.
لم يثر ضجّةً ليسأل من جديد، ولم يحاول أن يعرف التفاصيل بدقّة.
لقد قال فقط جملة واحدة أزاحت كل قلق روميا الذي كانت تخفيه في داخلها.
‘…إنه حقًا إنسان طيب. السيّد كارلايل.’
بفضل هذه المراعاة الدافئة، التي لم يسبق أن تلقتها من أحد، شعرت روميا بأن قلبها قد هدأ أخيرًا.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 51"