لم يحدث قط أن تقدمت روميا نحوه من تلقاء نفسها. كانت دائمًا تُساق إلى حضنه بالقوة، ولا تعانقه إلا بعدما ينهكها البكاء والتعب. ذلك كان ما اعتاد عليه، بل كان يظن أنه ما يليق بها أكثر. أن تقاوم، أن تبكي، ثم لا ترضخ إلا حين يصرّ على ألا يتركها.
كان يظن أنه إن روّضها أكثر وضغط عليها بقوة أكبر، فستأتي إليه يومًا بمحض إرادتها.
غير أن حضنها العفوي الصادق هذه المرة باغته كصفعة غير متوقعة. دفئها وحنانها أوقفا كل تفكيره، وكأن الزمن تجمّد. لحظة جعلته يتيقن: روميا تتحرك من تلقاء نفسها، حتى من دون أساليبه، وكأنها تكاد تفتح له قلبها.
ابتسامة رقيقة، لم يكن ليراها منها إلا نادرًا بسبب ضعفها أمام النبيذ، أشرقت على محياها. وجه اعتاد أن يكون غارقًا في الدموع صار مزدانًا بابتسامة خجولة، جعلته غير قادر على صرف نظره.
تحركت شفتاه المطبقتان بصعوبة:
“……غريبٌ أن أُهنّأ على أمر كان بديهيًّا منذ البداية.”
صوته بدا متكسرًا متصدعًا.
فقد كان تعيينه كوريث لعرش كاتاس أمرًا محسومًا منذ زمن بعيد.
ملك، بطل، يوم تاريخي… لم تثر تلك الكلمات فيه أي مشاعر حقيقية. لطالما نظر إليها ببرود، لكنه حين سمع التهنئة من روميا، أحسّ بشيء غريب في قلبه.
“لقد تلقيتم التهاني من الكثيرين غيري، أليس كذلك؟”
قالت وهي تدس رأسها في صدره بدهشة طفولية. فضمها دون تردد، ولما تذكّر شكواها قبل قليل من البرد، مد يده إلى طرف الأريكة يسحب بطانية ويغطي ظهرها الأبيض. ثم، كأنه يتصدى لعطش غامض، طبع قبلة على خصلات شعرها البني. رائحة جسدها المميزة تسللت منه كما اعتاد دومًا.
“لكنها ليست منهم… بل منك أنتِ. تهنئتك مختلفة.”
أطبقت روميا عينيها، وقد أذهلتها كلماته. خدّاها المحمّران بالخمر ازدادا توهجًا. للحظة لم تجد ما تقول، ثم دفنت وجهها في صدره، كأنها تحمل العالم كله في ابتسامتها.
“أنا… أحبّ هذا الجانب الحنون من جلالتك.”
***
بعد حفل التتويج، خيّم الهدوء التام على القصر الملكي. كأن الجميع قد غُلبوا بإرهاق التحضيرات أو بالسكر من طول الاحتفال. الأروقة بدت ساكنة على غير العادة.
“قليلًا… لكنها أول مرة أثمل فيها، لذا رأسي يؤلمني لا غير.”
ابتسمت إيزابيلا برفق: “إن كان الأمر متعبًا عليكِ، فدعي الليدي هيرين وشأنها واذهبي لتستريحي. ألم تعودي إلى جناحك قرب الفجر؟”
ارتبكت روميا للحظة. كانت قد غفت في غرفة الملك جِهاردي حتى وقت متأخر من الليل، فعادت متثاقلة عند الفجر. بدا واضحًا أن إيزابيلا قد لاحظت ذلك. فحاولت بسرعة قطع الحديث: “أنا بخير… لا تقلقي.”
لكن توترها لم يدم، فقد توقفت حين رأت مشهدًا غير مألوف: الدوق آيدن يقف على مقربة من جناح هيرين.
“هل لي أن أسأل، ما الذي أتى بك إلى هنا يا سيد آيدن؟” قالت هيرين ببرود.
ابتسم بتصنّع: “صدفة… كنت أعبر الطريق.”
“غريب. فالجناح الذي تقيم فيه والدتك، صاحبة السمو الأميرة شارون، في الجهة المقابلة تمامًا.”
كان آيدن قد طُرد من جناحه في القصر بعد فضيحته، ولم يعد له سبب للمجيء سوى لزيارة والدته. لذا بدا وجوده قرب جناح هيرين مثيرًا للشبهة.
وما إن واجهته، حتى ثار غاضبًا: “أخطأت الطريق فحسب!”
رمقته هيرين بنظرة صارمة: “إذن ما زال يُسمح لك بالتجول في القصر بحرية، على ما يبدو.”
لكن آيدن لم يطق أسلوبها. كيف تعاملُه كمذنب لمجرد “خطأ واحد”؟ لقد ارتكب حماقة مع امرأة متزوجة، لكنها لم تكن سوى وصيفة سابقة في بيتٍ نبيل. برأيه، جدته الملكة أوليفيا بالغت في عقابه حين جرّدته من مكانته.
أثناء سخطه، التفت بعينيه نحو الصف الخلفي من الخادمات، حيث وقفت روميا. عيناه الجائعة تجوّلتا عليها بوقاحة، وتذكر منحناها الذي رآه البارحة في قاعة كِينزي.
‘وجه جميل، جسد متناسق… وفوق هذا، من أسرة ثرية حديثة المال… مثالية للهو.’
لمع بريق طامع في عينيه. رأى في روميا فريسة يسهل التسلية بها، ثم التخلي عنها.
لاحظت هيرين نظراته، فخطت للأمام لتحجب روميا وبقية وصيفاتها. غضب آيدن من ذلك، وقال بفظاظة: “أما يحق لي حتى أن أنظر؟”
لكنها كانت متأكدة: لم يخطئ الطريق. لم يكن يمر صدفة. كل ذلك كذب. كانت عينه معلقة بروميا وحدها.
‘الزهرة قد تفتحت أخيرًا…’ فكرت هيرن بغيظ، وعينيها تحذّران.
تراجع آيدن تحت وقع نظرتها الحادة، لكنه تمتم مستهزئًا وهو يبتعد: “ستقتلينني بنظراتك! حسنًا، سأرحل!” ثم بصق على الطريق، كاشفًا عن انعدام أي مظهر من مظهر النبالة كـدوق.
بعد رحيله، انفجرت الوصيفات المرتجفات بالشكوى:
“لقد حدّق بنا بوقاحة!”
“يا للفظاعة! لو لم تحجبينا يا سيدتي لظل يلتهمنا بعينيه!”
بعضهن حتى كادت تبكي خوفًا من أن تقع تحت أنظاره فتصبح عشيقته دونا عن إرادتها. وحدها روميا لم تفهم شيئًا تمامًا.
ابتسمت هيرين لتهدئة وصيفاتها، لكنها في داخلها كانت تتأمل: لو أن آيدن ركّز أنظاره على روميا بالذات…
“روميا، عودي إليه واسأليه بلطف إن كان يرغب بفنجان شاي قصير.”
كانت عيناها تعكسان عزمًا باردًا.
لقد قررت أن تستعمل آيدن كسلاح… فهي تعرف تمامًا كيف تذبل زهرة قبل أن يكتمل تفتحها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 42"