مرّت ليلة مروعة. وبسبب الطقس البارد، لم ينظر أحد بغرابة إلى فستانها المرفوع حتى الرقبة، لكن روميا شعرت بالدناءة الشديدة أمام هيرين التي سألت عن حالها. رغم أن الليلة الماضية لم يعرف بها سواها والأمير جهاردي، إلا أن شعور الخوف من احتمال معرفتها بكل شيء ضغط عليها بشدة.
“هل أعجبكِ حفل ظهورك؟ هل وجدت أي رجل أعجبك، مثلاً؟”
“…لست متأكدة. كنت مشغولة جدًا.”
كان تأثير الليلة الطويلة واضحًا عليها. لم يكن هناك أي جزء من جسدها لم يؤلمها. تمكنت روميا بصعوبة من الوقوف، لكن كانت تعرف أنه إذا كان لديها أي ذرة ضمير، فلا بد أن تظهر نفسها بشكل لا يشير إلى تعبها أمام هيرين.
بعد ذلك، لم تتحدث هيرين مع روميا مجدّدا. حولت روميا رأسها نحو الأوراق المتساقطة التي كانت تراقبها.
بدت تلك الأوراق وكأنها تمثلها، معلقة على الغصن بصعوبة قبل أن تسقط في النهاية على الأرض.
لم تستطع روميا فهم ما الذي فعلته بالضبط الليلة الماضية. رغبت في أن تصدق أن كل ما فعله جهاردي الليلة الماضية كان حلمًا. كعادتها، كانت كل سهام اللوم تتجه نحوها.
أمام هيرين البراقة والمشرقة، رغبت روميا في الركوع وطلب المغفرة عن الليلة الماضية، لكنها لم تجرؤ على ذلك.
كانت تفكر بقلق في احتمال اكتشاف الأمر يومًا ما، أو في مستقبلها البائس إذا قالت الحقيقة هنا، فعضت لسانها.
لم يكن المستقبل بائسًا فقط، بل كانت تعيش حاليًا بؤسًا كافيًا. كانت الذكريات التي أثقلت جسدها كما لو أنها وُسِّمت بها واضحة بشكل مروع، من الشعور بشفاهه على شفتيها إلى ردود فعلها المتصلبة. حتى أنفاسها المتهالكة التي خرجت من فمها كانت لا تزال عالقة في ذاكرتها.
‘أسفة. آسفة.’
هل كان هذا اعتذارًا لهيرين التي أحبتها وأحسنت إليها؟ للسيدة ريتشيتو التي كانت دائمًا تشجعها؟ أم لفيوليت التي رددت مرارًا إنها راهنت بحياتها على روميا؟
أم ربما للملكة أوليفيا التي منحتها فرصة الاقتراب من حلمها بالرحمة تجاهها؟
اعتذار روميا الصامت ظل محبوسًا في فمها، ولم يخرج أبدًا إلى الخارج، وكأن شفتها مثقلة، لكنها شعرت أن مجرد هذا الاعتذار الصامت قد يكون كافيًا لتخفيف ذنبها.
تغيرت النظرة في عيناها تدريجيًا لتصبحا سوداوية مثل نظرة جهاردي.
تكرر صوت جهاردي المنخفض الذي علمها الفارق الضئيل بين أصحاب الأعمال والنبلاء، محذرًا أن الطموح لأكثر من ذلك يعد ترفًا، وكأنها مجرد رسالة واضحة بأنها ليست من أصحاب الأعمال ولا النبلاء ولا أيًا منهما.
في هذه اللحظة شعرت بوضوح أنها لا تنتمي إلى أيٍ منهما.
حتى ولي العهد الذي ظنت أنه غير مبالٍ بها، عاملها بازدراء مثل البقية الذين إعتبروها اشترت لقبها بالمال، ليجعلها تدرك واقعها. ربما كان جهاردي يراها أدنى من ذلك أيضًا، وإلا لما كان قد أسرف في استغلالها بلا رحمة الليلة الماضية.
الخوف الذي شعرت به في البداية تحول تدريجيًا إلى كراهية.
روميا كرهت جهاردي بشدة.
—
“هل فكرتِ بالأمر؟”
كان كارلايل شخصًا طيبًا، لم يتأثر بتحيزات المجتمع تجاه عائلتها. شعرت روميا بالراحة والدعم من موقفه الحسن. عند لقائهما مرة أخرى، أظهر كارلايل دوين أسلوبه المهذب كما في المرة الأولى.
بينما كانت تلعب بكوب الشاي بيدها، ابتسمت روميا ابتسامة محرجة ردًا على كلامه. علمت أن هذه فرصة جيدة وأنه شخص طيب، لكنها لم تكن طموحة بما يكفي لقبول تحدٍ جديد.
كانت واحدة من الأشخاص الذين يفضلون حياة هادئة وسلمية، يحلمون بحياة سعيدة عادية مثل الآخرين.
“أعتقد أنني لا أستطيع.”
“أوه. توقعت ردًا إيجابيًا في هذا اللقاء المبكر.”
أعجب كارلايل بقبعاتها وعرض عليها شراكة، لكن روميا لم تستطع قبول عرضه بسبب كلام جهاردي. عندما تغيرت تعابير وجهه للخيبة، شعرت روميا بالحرج وشكرته متأخرة.
“أنا ممتنة حقًا لأن عائلة دوين عرضت عليّ رعايتي. هذا يعني أنهم يُقدّرون قدراتي تقديرًا كبيرًا.”
عبس كارلايل قليلًا، لكن صوته ظل هادئًا. تذكر عينيها المتفاجئتين اللتين اتسعتا عند عرضه الفرصة لأول مرة، وأبدى تساؤله الذي بقي عالقًا.
“إذا لم يكن إزعاجًا، هل يمكنني أن أسألكِ لماذا رفضتِ عرضي؟”
لم يفهم سبب رفضها الحازم، ولم تفتح روميا فمها بسهولة، فبدأ يشعر بالقلق.
“ستكون فرصة جيدة. سمعت أن عائلة بيرلوس تتطلع للدخول إلى العاصمة. مع دوين، ستزدهر أعمال بيرلوس أكثر.”
كانت فكرة مساعدتها على دخول السوق في العاصمة مغرية، لكنها لم تكن كافية. فقد طغى ضغط الزواج من فيوليت على رغبتها في تجربة ما تحب.
تعلمت أن دورها كابنة نبيلة هو توثيق العلاقات بين العائلات من خلال الزواج لضمان ازدهار العائلة. بعد تردد طويل، فتحت روميا فمها بحذر.
“إذا صنعت ما أحب، قبعات جميلة ومفيدة لكثير من الناس، سيكون ذلك شعورًا رائعًا. سأعمل بسعادة كل يوم. لكني لا أستطيع التخلي عن السبب الحقيقي لدخولي إلى البلاط الملكي.”
احمرّت وجنتاها من مجرد التخيل، لكن سرعان ما اختفى الاحمرار. فكرت في إمكانية أن تصبح زوجة كارلايل دوين، وهو رجل مرغوب كما قالت إيزابيلا، وأدركت أن فيوليت ستكون راضية عنه بالتأكيد.
فكرت في استغلاله وإغراءه لتصبح شريكته الحقيقية، لم يكن ماركيز دوين سهلَ المنال، لكنه كان أول من تواصل معها.
لكن محاولاتها لعقلنة الفكرة تلاشت سريعًا.
كادت روميا تبكي تقريبًا بسبب شعورها بالحزن لفقدان أمانتها أمامه رغم أنه شخص جيد.
همست بصوت خافت، محتفظة بالسبب الحقيقي في قلبها:
“لكنني لا أريد أن يُحكم علي. ما أحب فعله… لا أريد أن يُنتقد، ولا يُسخر من قبل الآخرين…”
كانت هذه الحقيقة التي منعتها من قبول عرض كارلايل.
“وفوق كل شيء، أنا بيرلوس.”
تذكر دوين الفضائح التي لاحقت روميا وتنهد. عرف تقريبًا سبب شعورها بالضآلة. كانت هناك موهبة نادرة ومميزة لكنها في كثير من الأحيان تصبح نقمة.
“أنتِ في مكان يُحكم عليك فقط من اسمك.”
لكن كارلايل لم يرغب في الاستسلام، فقد أدرك منذ البداية أن موهبتها تجعلها قادرة على التألق وإظهار إمكاناتها.
“مع دوين، سيعلو شأن بيرلوس، ستتمكنين من الفرار من أي تقييم صارم، ولن تُهمل أعمالك بسبب كونك بيرلوس.”
وعدها بأنه سيمنحها اسم دوين إذا أرادت، لكن روميا هزّت رأسها.
“هذه ليست قوتي.”
لم تكن ترغب في أن تصبح الأسوأ. أرادت تجنب المخاطر الكامنة في طريقها، حتى لو بدا وكأنه طريق من الزهور. كان لطف كارلايل دافئًا جدًا، لكنه قد يختفي مثل السراب في أي لحظة.
“مهما بلغت المساعدة التي تُقدمها عائلة دوين، لا يُمكن لبيرلوس أن تُصبح دوين.”
عرفت أن الحصول على شيء ليس ملكها سيؤدي حتمًا إلى فقدانها شيء آخر.
‘تمامًا كما لا أستطيع أن أصبح فوتاميا.’
في تلك الليلة عندما أحيى فيها جهاردي جسدها بالكامل، أدركت روميا ذلك متأخرة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 35"