رمشت بعينيها ببطء، وعيناها لا تفارقان العقد الكبير المرصع بالجواهر، أو بالأحرى العقد الذي يزين عنق هيرين النحيل.
يُقال إن بريق الأشياء في الدنيا لا يأتي بلا سبب.
قد يبهرك منظرٌ طبيعي فتفقد وعيك للحظة، أو يسطع كل شيء بجوارك لمجرد وقوف من تحب إلى جانبك، أو ربما لأن شخصًا بعينه يُغدو هو نفسه باعثًا للضياء، فلا تقدر أن تصرف نظرك عنه.
ورجّحت روميا أنّ حال هيرين من هذا النوع الأخير.
وإلا فكيف لإنسان أن يلمع هكذا كنجومٍ مرصوفة في سماء الليل؟
“كما بذلت روحي في كل ثوبٍ صنعته لجلالتها، فقد أفرغت جهدي كله في هذا الزي الذي سيرتديه سموكم يوم التتويج.”
رفعت نظارتها عن عينيها وأصلحتها، متكئة على عصاها. سنها المتقدم لم يحجب حماستها وفخرها بصناعتها، حتى أن جهاردي وثق بمهارتها دون شك.
سأل ببرود وهو يقطع حديثها:
“والقبعة… هل هي من عملك أيضًا؟”
فتلعثم الرجل الواقف بجانبها وانحنى بسرعة:
“كنتُ مسؤولًا عن قبعات جلالتها الراحلة أوليفيا.”
وأردف آخر:
“وأنا صنعت الحذاء الذي سينتعلُه سموكم. اسمي هانس كارتر.”
لمع في ذهن جهاردي ما لمح له مركيز فانيسا. ثم قطب جبينه وهو يتأمل القبعة الموضوعة فوق رأس المانيكان، رآها رتيبة، خالية من الروح.
“رديئة.”
وقعت الكلمة كالصاعقة.
ارتبك الرجل وسقط على ركبتيه.
“سـ.. سأعيد صناعتها! فقط دلّني ما الذي لا يرضيك فيها…”
لكن جهاردي لم يلقِ بالًا، بل انتزع القبعة من فوق المانيكان وألقاها أرضًا.
تدخلت العجوز لتشفع للرجل:
“مولاي، لا يُرتدى في حفلات التتويج القبعات إلا لحظةً وجيزة، إذ تُستبدل بالتاج فور الصعود للمنصة. هكذا جرت تقاليد إمبراطورية كاتاس منذ القدم.”
ابتسم ابتسامةً ملتوية وقال:
“التقاليد مهمة، فهي التي أبقت سلالة كاتاس حيّة.”
أجابها بما يرضيها، لكن في قلبه لم يكن ليضع على رأسه شيئًا كهذا.
لولا ذلك الدفتر المرسوم… لولا تلك الخربشات التافهة لروميا.
ثم التفت إلى الجميع قائلًا:
“أتدرون ما الذي يوازي التقاليد أهميةً لبقاء الملكية؟”
ارتسمت الحيرة على الوجوه. وحدها العجوز، المخضرمة في دهاليز القصر، أدركت.
“الرأي العام.”
همس أحدهم:
“أتظن أن موت جلالتها جعل الإمبراطورية مضطربة؟”
فأجاب:
“كاتاس مضطربة بالفعل. والشكوك حول صلاحيتي لا تهدأ.”
قال آخر:
“بمجرد تتويجك ستختفي تلك الشكوك.”
هز رأسه:
“حتى بعد أن أعتلي العرش، سيقارنونني بها. جدتي كانت حكيمة وبصيرة. أما أنا، فهفوة صغيرة مني ستثير غضبًا عارمًا. نسيمٌ جديدٌ يهب على كاتاس، وأي زلة ستكون عاصفة.”
كتمت العجوز أنينًا قصيرًا. فهي تعلم، كما يعلم هو، أن القلق من ملكٍ شاب أخذ يتسرب في صدور الناس. وأن أي خطأ قد يفتح سيلاً من الانتقادات.
وأدركت أن لا جدوى من التمسك بتقليدٍ مملٍ في قبعة التتويج. كان يحتاج إلى رمز يسيطر به على الرأي العام.
أشار بيده فأُبعد الرجل المهزوم.
وبعد أن خلا المكان، قال لغيلدرو:
“هاتِ لي بيرلوس. تلك الفتاة التي تعمل وصيفة عند السيدة هيرين. أريدها أمامي.”
—
ظنّت روميا أن كارثةً قد وقعت.
سُحبت بلا تفسير إلى مكانٍ مهيبٍ لا يقطعه إلا عقارب الساعة. جوٌ ثقيل يخنق الأنفاس.
جلست أمامه، ذاك الشخص الذي لا يُقاس بمثلها. خالجها أن ما يجري هو قصاصٌ لها على تطاولها. كيف تجرأت وفطنت لمشاعره التي لم يشأ أن يظهرها؟
لو أنها صمتت يومها ولم تنبس… ليتها لم تفضح ما حاول إخفاءه.
وإن كان ذنبًا، فهي مذنبة. لكنه أميرٌ، أميرٌ فوق إدراكها وأبعد من مكانتها الوضيعة.
ستعترف وتستجدي عفوه، ستتوسل ألا يطردها من القصر. لن تلجأ إلا لرحمته.
لكن لم يخطر ببالها أن يفتح هو الحديث بهذا الشكل:
“قبعة التتويج.”
ارتجفت:
“مولاي…؟”
“اصنعيها لي.”
لم تصدّق.
“أتأمرني أنا… أن أصنع قبعة سموكم؟”
كان العرض مغريًا، لكنه مسموم. فهي تعرفه، كلامه لا يخلو من هاويةٍ خلفه. حلو المذاق، لكنه أشبه بتفاحة ملوثة.
شعرت بجسدها يتصلب، ورمشت.
“لكن… هناك صُنّاع أمهر مني. في القصر ذاته…”
همست بضعف، لكن نظراته كانت حادة كالسكين.
قال ساخرًا:
“لم أظن أن تكليف بيرلوس صانعة القبعات بأن تصنع قبعةً لي سيكون عسيرًا هكذا.”
أدركت حماقتها، فعضت شفتيها.
“أنا لا أطلب. هذه ليست منّة، بل أمر. سمعة عائلتكِ ما زالت قائمة، ولأجلها آمرك.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 16"