تمسكت الماركيزة الكبرى لموندريا بالبطانية الملقاة على كتفيها وألقت بنظرها إلى خارج النافذة. على الرغم من عمق الليل، إلا أن الأضواء التي لم تنطفئ كانت تُظهر بوضوح وضع الحرب. وبفضل دفاع بيلفيروتر بكل ما أوتي من قوة، لم تقع الكارثة التي يخترق فيها جيش لوماهوي أراضي موندريا.
خط الدفاع الذي صنعته جهودهم وتضحياتهم لم يكن من السهل اختراقه. وبينما كانت الماركيزة الكبرى تحدق في الأضواء المشتعلة فوق قلعة بيلفيروتر، ألقت بنظراتها نحو روميا التي وقفت بجوارها عند النافذة.
الماركيزة الكبرى استقبلت روميا والرضيع في حضنها وهي تبكي، وقد منحت لهما مكانًا للراحة وطعامًا دون أن تسأل كثيرًا عن ما جرى، لأنها كانت تعرف بالفعل.
حتى الماركيزة الكبرى نفسها كانت قد سمعت برقية قبل وصول روميا بقليل عن وضع بيلفيروتر. كما أن جنود موندريا أُرسلوا لدعم البوابة الشمالية لأراضي بيلفيروتر.
“متى تعتقدين نهاية كل هذا؟”
صوتها الذي قطع الصمت كان باردًا. في عينيها الهادئتين استقرت أحزان عميقة وندم كثير. لم يكن قلبها مطمئنًا على إيزابيلا التي اضطرت لتركها خلفها في بيلفيروتر، كما شعرت بالقلق على أهل القرية الذين ساعدوها لعلهم يتعرضون للأذى.
وبين شعورها بالذنب لأنها هربت وحدها، وإحساسها الجديد بالمسؤولية لأنها صارت تملك شيئًا يجب أن تحافظ عليه، كانت روميا ممزقة ومتألمة.
أخذت الماركيزة الكبرى البطانية الملقاة على مقعدها وأحاطت بها ظهر روميا.
فليالي ريلنوك الباردة بفارق حرارتها القاسي تكون سمًّا لامرأة لم يمض وقت طويل على إنجابها.
“يجب أن نؤمن بأنه سينتهي قريبًا.”
رغم أن هناك كلمات كثيرة يمكن أن تُقال لطمأنة امرأة قلقة، إلا أن الماركيزة الكبرى التي أوهنتها التجارب وتقدم بها العمر لم تستطع أن تكذب فقط لتواسي روميا.
لقد بدا وكأن الحرب ستنتهي قريبًا. كان القضاء على جيش لوماهوي المحاصر مسألة وقت فقط، كما أن يوتار، الشرارة الأولى لهذه الحرب، قد تم قمعها منذ وقت طويل عند حدود البحر.
لذلك شعر سكان ريلنوك بالاطمئنان سرًا. فمع وصول جيش كاتاس في الوقت المناسب وانضمامه لجيش ريلنوك الرئيسي الذي بدأ يضيق الخناق ببطء على لوماهوي، كانوا واثقين أن الحرب ستنتهي قريبًا.
لكن على غير المتوقع، تأخر التحام الجيش الرئيسي لريلنوك باستثناء المقدمة، وفي تلك الأثناء خطط جيش لوماهوي للانسحاب الى بيلفيروتر دون أن يفوتوا الفرصة.
وكانت النتيجة أمام الأعين عبر النافذة الأضواء التي أضاءت الليل المتأخر.
‘هل كانت دوقة بيلفيروتر من كاتاس؟ لم أتوقع أنها ستصمد بهذا الشكل…….’
وعلى الرغم من أن الدوق لم يتمكن من دخول بيلفيروتر، إلا أن إيزابيلا بيلفيروتر بذلت كل ما بوسعها حتى لا تسقط القلعة، رغم الفارق الكبير في القوة.
كانت حرب يفترض أن تنتهي في نصف شهر قد امتدت شهرًا كاملًا بفضلها. وبما أن بيلفيروتر كانت شبه معزولة، فإن المصدر الوحيد للتموين كان موندريا.
ومع مرور الوقت، بدا واضحًا أن التموين المحدود سينفد، وشعرت الماركيزة الكبرى لموندريا أنه إن طالت الحرب أكثر من هذا فستسقط بيلفيروتر لا محالة.
كان جيش كاتاس وجيش ريلنوك الرئيسي يحاولان شق طريقهما عبر أراضي دنبرغ لدخول بيلفيروتر، لكن لسبب ما بدت عزيمتهم ضعيفة.
‘بهذا الشكل، سينهك الطرفان معًا وربما يُخترق حتى عاصمة ريلنوك.’
ارتجفت رموش الماركيزة الكبرى وأطلقت تنهيدة.
فقدت والديها في الحرب، وكانت تعرف تمامًا ثقل الحرب وما يعنيه أن تتذوق مرارة الهزيمة حتى دون أن تعيشها مجددًا.
“أما زال ذاك الرجل لم يستفق بعد؟”
قطعت أفكارها الثقيلة وأرادت مغادرة الغرفة عندما وقع بصرها على رجل نائم كأنه ميت.
“قال الطبيب إنه سيفيق قريبًا، لكن قد مرت عشرة أيام.”
“لو أن الرصاصة اخترقت قلبه لمات لا محالة.”
“نعم.”
“محظوظ حقًا. لعل عناية الرب ترافقه…”
كان الرجل الذي لم يفتح عينيه ولو مرة واحدة يتنفس بالكاد. جسده كله مغطى بالضمادات دون أن يترك جزءًا سالمًا.
لم يعرفوا كيف وصل إلى أراضي موندريا، لكن لم يكن ممكنًا طرد رجل يوشك أن يموت.
وفوق ذلك، وبسبب رجاء روميا الملحّة بأنها تريد أن تعالجه بنفسها، سمحت الدوقة الكبرى بدخول رجل مجهول إلى موندريا.
وهذا أيضًا كان ثمنًا للرابطة التي صنعتها روميا مع طفلها.
“…سيستفيق قريبًا.”
قالت روميا بوجه يوحي بأنها تؤمن أنه لا بد أن يحدث ذلك. نظرت الدوقة الكبرى إلى روميا وإلى الرجل الراقد بالتناوب.
لم يكن بوسعها تجاهل غرابة العلاقة بينهما. كانت روميا تنظر إليه من وقت لآخر بعاطفة وحنان وكأنها تعرفه جيدًا، وحتى مع وجود الخادمات لرعايته، خصصت وقتًا بنفسها للاعتناء به.
وفي كل مرة يأتي الطبيب، جلست أقرب الناس إليه لتستمع بانتباه شديد. وفي الأيام التي تُبدل فيها الضمادات وتُعقم الجروح، كان على روميا أن تواجه إصاباته مباشرة، وفي كل مرة كانت تكتم دموعها بوجه متصلب.
بمظهره، كان أشبه بجندي من لوماهوي هارب أو من جنود كاتاس الذين انضموا لريلنوك. فقد كان شكله بعيدًا عن هيئة أهل ريلنوك، لذا بدا أنه رجل من بلد آخر التحق بالحرب.
‘لكن بالنظر الآن، يبدو أقرب إلى رجل من كاتاس.’
اعتمدت الماركيزة الكبرى على سلوك روميا لتؤكد أن أصل هذا الجندي المصاب من كاتاس.
كان من الواضح أن بينهما شيئًا، إذ تشع أجواء حنونة بينهما كأنهما يعرفان بعضهما منذ زمن بعيد.
ورغم أنها لم تعرف التفاصيل، إلا أنها لم تستطع أن تتخلص من احتمال أن يكون الأمر أكبر مما يبدو.
“هل ما زال الطفل لا ينام ليلًا؟”
طرحت سؤالها وكأنها تريد أن تختبر شيئًا.
“لا. بات ينام الليل كله تقريبًا.”
“ومتى ستختارين اسمًا للطفل؟”
“……لم أفكر بعد في أي اسم.”
وسرعان ما اكتسى وجه روميا بالحزن. رغم مرور ثلاثة أشهر على الولادة، لم تستطع أن تسمي طفلها.
لم ترغب أن تورثه لقب “بيرلوس”، ولم تشأ أيضًا أن تلحق به اسم أبيه ولقب عائلته. بدا لها أن اسم “بيرلوس” وصمة عار على طفلها، أما اسم “كاتاس” فجعلها تشعر أن طفلها يُنتزع منها.
لذلك اكتفت بمناداته بالاسم الذي كانت تداعبه به وهو في بطنها، “أريس”. لكنه لم يكن اسمًا حقيقيًا، وكان الطفل يحتاج إلى اسم مؤكد وراسخ.
كانت مشكلة مؤجلة، لكن لا يمكن الهروب منها. أطلقت روميا تنهيدة طويلة وتقدمت نحو سرير الرجل وغمرته بالغطاء بعناية.
‘……يشبه الطفل كثيرًا.’
ارتعشت حاجبا الماركيزة الكبرى وهي تراقب تصرف روميا.
حتى مع نصف وجهه المغطى بالضماد، كان هناك شبه غريب بينه وبين الطفل الذي أنجبته روميا.
كادت الدوقة الكبرى أن تنفجر ضاحكة لكنها كتمت ضحكتها وهزت رأسها.
حين وصلها خبر أن رجلاً غريبًا قد سقط في أراضي موندريا وذهبت بنفسها لرؤيته، كان المشهد بائسًا. كانت جروحه واضحة من الطلقات والتمزقات، وبدت حالته كالميت لولا أن صدره كان يعلو ويهبط قليلًا. كان منظر جندي يحتضر.
فهل يعقل أن يكون هذا الجندي الجريح الذي دلف بنفسه إلى موندريا هو حقًا والد طفل روميا؟
لم يكن ذلك إلا أمرًا يثير الفضول. غير أن الوقت كان قد تأخر لإشباع هذا الفضول.
“الأفضل أن تعودي للنوم الآن.”
“نعم، سيدتي.”
وعندما نادت الماركيزة الكبرى روميا وهي تفتح الباب، تبعتها روميا بهدوء.
حتى اللحظة الأخيرة قبل أن يُغلق الباب، لم تستطع روميا أن تنتزع بصرها عن الرجل النائم كالميت.
ورغم أن جسده كله كان مغطى بالضمادات، إلا أن روميا عرفت أنه هو.
حتى عندما كان زيه العسكري ممزقًا كخرقة، وجسده ملوثًا بالدماء والتراب، عرفت أنه هو.
منذ البداية كان حبًا، وحتى وسط الإخفاق واليأس، وحتى بعد مرور كل هذا الزمن، ما زالت تحبه.
عيناه، أنفه، وفمه كانوا جميعًا كما هم: جيهاردي كاتاس.
وما لم تره فقط هو تلك العينان الحالكتان كالعقيق التي كانت تعكسها بكاملها.
سارت روميا في الممر الطويل خلف الدوقة الكبرى وهي لا تفكر إلا في الغد، مترقبة أن يفيق بسلام.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 101"