بعد يومين من إقامته في قلعة والده، رحل ليجولاس لاستئناف جولته باحثًا عن الملك المفقود.
أما نيملوث فظلّت تقطن في غرفتها أيامًا، ولم تخرج إلا للضرورة، وكانت تسير كشخصٍ يمشي في منامه؛ نتيجة غرقها في دوامة من الأفكار والذكريات التي تكاد لا تنتهي.
لقد أثار هذا الأمر قلق ثراندويل؛ فقد ظن أنها، بمجرد أن تستعيد ذاكرتها، ستعود تلك المرأة المرحة التي عرفها لقرونٍ طويلة.
إلا أن حالتها ازدادت سوءًا، وشعر كأنها دخلت في دوامةٍ من الضياع.
بدت نظراتها مألوفة للغاية، لكنها بعيدة كل البعد عن نظرات نيملوث التي يتذكرها.
لذا قرر أن يستعين بأحد حكماء الجان القدماء، على أمل أن تتحسن وتستعيد عافيتها وشخصيتها.
في صباح أحد الأيام، كانت تتجول في الحديقة مثل شخصٍ تائه، لا تدري إلى أين تقودها قدماها. ظلّت شاردة الذهن، تحاول تذكر ما حدث بعد آخر ذكرى لها مع الملكة.
لكن في كل مرة تحاول فيها فعل هذا، تشعر وكأن الصواعق غزت رأسها، وتمتلئ عيناها بدموعٍ لا علاقة لها بالحزن؛ بل نتيجة إحساسها بنيرانٍ وهمية تشعل عينيها.
“ربما أشعر بهذا الحرقان في عيني بسبب ذكرياتي…”
تمتمت نيملوث وهي تجثو على ركبتيها بالقرب من مجموعةٍ من الأزهار الصغيرة الجميلة، وكان من بينها شقائق النعمان الحمراء.
“تبدين بحالٍ أفضل هذا اليوم.”
رفعت نيملوث نظراتها ناحية صاحب الصوت، وظلت جالسة في مكانها لم تقم. لم تستطع منع نفسها من تأمل قسمات وجهه المثير للإعجاب.
تلك الحواجب السميكة، الملامح الصارمة التي لا تليق إلا بالملوك، شعره الطويل الفضي منسدل على كتفيه بانسيابٍ ناعم، وعلى جبينه يعلو تاج رفيع يلمع تحت سماء الصباح.
لكن ما جعلها تقع في حب مظهره أكثر وأكثر، هي تلك العينان اللتان تُظهران هدوءًا أشبه بأول هطولٍ للثلج في موسم الشتاء، وتلك الابتسامة الطفيفة التي تعلو محياه، ولا تستطيع أن تعرف إن كانت تعبّر عن سخرية أم رضا.
“أأنتِ بخير؟”
قطع تأملها صوته الهادئ. هزّت رأسها وحاولت أن تعود إلى رشدها، ثم ردّت عليه:
“أنا بخير، كل ما في الأمر أنني لم أستعد جميع ذكرياتي بعد.”
اختفت الابتسامة من على ثغره، فعقد حاجبيه وسأل متشككًا: “حقًا؟”
جالت في رأس نيملوث فكرة مصارحة ثراندويل بحقيقة ما حدث في ذلك اليوم، وعند كل لحظةٍ اعتقدت فيها أنها مستعدة لفعل هذا، تَلقى الكلمات حتفها عند شفتيها، مما جعل الآخر ينظر إليها محتارًا مرتابًا.
بعد برهة صمت وجيزة، اعتلت شفتيه ابتسامة خافتة، وغير الموضوع قائلًا: “حسنًا، دعينا نترك هذا الموضوع. لقد حضرت مفاجأة من أجلك.”
“مفاجأة!؟ أي نوع من المفاجآت هذا؟” سألت وقد كانت مرتبكة ارتباكًا واضحًا. ولم يرغب ثراندويل بأن يدقق على رد فعلها هذا، فاكتفى بإمساك يدها حتى تنهض من على الأرض، وقال: “لن تكون مفاجأة لو أخبرتك.”
حاولت نيملوث أن تهدأ من روعها، فأومأت وسارت معه إلى الداخل، وكان هناك الكثير من الأسئلة مرتسمةً على ملامحها الحذرة.
عندما دخلا إلى داخل القاعات، وقع نظرها على رجل كان يتفحص العرش بنظراته. عندما أحس بخطواتها إلى جانب ملكها، التفت، وشعرت نيملوث أن أنفاسها خُطفت.
كان الرجل طويل القامة، ذا شعر أسود طويل، وبشرته شاحبة مائلة للون الأخضر، وعيناه داكنتان. أما نظراته، فكانت تحمل حكمة شخص عاش لقرون طويلة.
بمجرد أن وقفا أمامه، تحدث ثراندويل وهو لا يزال يمسك بيدها: “هذه هي نيملوث”. أومأ لها صاحب الشعر الداكن مُظهِرًا احترامه لها.
أشار ثراندويل إليه وهو ينظر في عيني نيملوث: “أُقدّم لك سيليبورن، إنه أحد أقدم الحكماء في الأرض الوسطى، وقد رافق كلًا من جدي ووالدي في فترة حُكمهما. إلا أنه لم يأتِ إلى ميركوود منذ أن توفي الملك أورفر، لكن عندما يعلم أنني بحاجة إليه، يأتي فورًا”.
أحنت نيملوث رأسها وقالت: “تشرفت بلقائك”.
“أنا كذلك،” تحدث سيليبورن بصوت رخيم جعلها تشعر وكأنه قادم من أعماق الأرض. لكن ما جعلها ترتجف وتشعر بالريبة حينما نظر إلى عينيها؛ أحست وكأنه قام بتعريتها أمام الجميع، وبدأ يدخل في عقلها ويسبر أغوارها.
أرادت أن تعرف السبب الذي جعل ثراندويل يطلب منها رؤية هذا الرجل المريب، وعلى ما يبدو أنه أحس باضطرابها هذا، فأوضح قائلًا: “سيليبورن هو الرجل الوحيد في هذه المملكة الذي يمكنه مساعدتك في استرجاع كل ذكرياتك. إنه رجل حكيم، وخبرته تتعدى خبرة أي شخص آخر يعيش في ميركوود. آمل ألا تتوتري حول هذا الموضوع”.
هزت رأسها نافية، وأخبرته بعدم وجود أي مشكلة.
أما سيليبورن، فظل ينظر إلى عينيها، وقال من دون أن يلتفت ناحية ثراندويل: “اعذرني سموك، لكن يجب أن أكون مع السيدة نيملوث وحدنا؛ حتى تأخذ راحتها في الإفصاح عما يدور في رأسها، وتخبرني بكل شيء تذكرته”.
وافقه ثراندويل على هذا، وأمر حارسًا باصطحابهما إلى إحدى الغرف المخصصة للقراءة.
بعد أن فارقت نيملوث الرجل الوحيد الذي تثق به، دخلت مع سيليبورن إلى غرفة واسعة، تحتوي على عدد من الطاولات الخشبية المُطعمة بالزجاج، وثلاث أو أربع أرفف كتب شُكِّلت على شكل خلية نحل.
جلست على الكرسي المخملي بجوار النافذة، وظلت تلعب بخواتمها محاولة تخفيف التوتر عن نفسها.
عندما جلس سيليبورن أمامها، لاحظ توترها: “أنا أعلم ما هي مشكلتك بالضبط،” أخبرها محاولًا قياس رد فعلها.
بمجرد أن سمعت هذا الإعلان منه، توقفت عما تفعله، نظرت إليه وسألت بنبرة صوت مهتزة: “ماذا تقصد؟”
“أقصد أنني أعرف السبب الذي يجعلك مُرهقة معظم الوقت، ويتحكم بذكرياتك”.
عقدت حاجبيها محاولة فهم ما يقصده، وعندما لاحظ سيليبورن جهلها ناحية هذا الأمر، انتابه ارتياح طفيف، وقرر إخبارها بنصف الحقيقة: “يبدو أن البلورة التي حُبِس فيها جسدك كانت مصابة بسحر أسود من الذي ألقاه ساورون في الأرض الوسطى، وإلى جانب سباتك الطويل، أثر هذا السحر على جسمك وجعلك ضعيفة للغاية… إضافة إلى ذلك، لقد أثر على ذكرياتك وتلاعب بعقلك، وأحدث فيه هلوسات أدت إلى خلق ذكريات مزيفة قد لا تكون حقيقية على الإطلاق”.
اِنتاب نيملوث إحساس ببعض السلام الذي بدأ ينتشر في صدرها، وكأن أحدهم وضع قطعة ثلج في جوفها، وجعل نيران الشك وكراهية الذات تنطفئ.
فكرت في بالها: “لو كان ما يقوله هذا الرجل صحيحًا، فهذا يعني أن ذكرياتي البغيضة تلك قد لا تكون أكثر من مجرد أوهام لا أكثر. فأنا متأكدة من أنني لن أفعل شيئًا مروعًا قد يؤذي أي شخص بريء”.
ارتسمت الابتسامة على وجهها، وشكرته قائلة: “أشكرك على إخباري بهذا، لا فكرة لديك عن ما يعنيه هذا بالنسبة لي”.
من بعد أن انتهى لقاؤها مع سيليبورن، انصرفت إلى غرفتها حتى تستريح، أما هو فكان أمامه موعد مع ثراندويل حتى يخبره بحقيقة ما استنتج.
توجه سيليبورن إلى غرفة الكتابة الخاصة بالملك، حيث كان الأخير ينتظر وصوله على أمل أن يحصل على بعض الأخبار التي تُطمئن قلبه.
عندما دخل الحكيم صاحب الشعر الداكن، كان الملك قد بدأ بسكب نبيذ دوروينيون في الكؤوس، وعندما فُتِح الباب، رفع نظره ناظرًا إلى الرجل الأكبر منه سنًا، ورحب به بحفاوة، إلا أنه ظل محافظًا على مظهر وجهه الخالي من المشاعر.
من بعد أن جلس سيليبورن وشرب رشفة من النبيذ الحلو الذي دائمًا ما يختاره ثراندويل، ارتسمت على ملامحه ابتسامة طفيفة، فقد كانت الملكة السابقة (والدة ثراندويل) دائمًا ما تُفضل هذا الشراب على أي شيء آخر.
لقد أُعجب بها عندما كانت في بداية شبابها، لكنه دفن إعجابه هذا حين تزوجت من أورفر وصارت ملكته.
“يبدو لي من هذه الابتسامة أن كل شيء يسير على ما يرام،” تحدث ثراندويل مُخَمِّنًا، وقاطع ذكريات الرجل الآخر.
أخذ رشفة أخيرة من كأسه، ورد عليه قائلًا: “ليس كثيرًا. هناك أمر مهم يتعلق بالسيدة نيملوث يجب عليك أن تعرفه.”
“وما هذا الأمر؟” اِنخفض صوته فجأة عندما سأله ثراندويل، وكان يأمل ألا يكون شيئًا خطيرًا للغاية… وراح ينقر بأطراف إصبع السبابة على حافة الكأس.
أراح سيليبورن ظهره للخلف قليلًا، وتحدث موضحًا حالة نيملوث:
“عندما أخبرتني يا جلالتك بكل ما حدث، شككت في أمر ما. وعندما رأيت السيدة وشعرت بالطاقة المنبعثة منها، تأكدت مما جال في رأسي.”
سأل ثراندويل بصوت أجش متردد: “وما هذه الشكوك التي تأكدت منها؟”
“البلورة التي كان فيها جسد السيدة استطاعت المحافظة عليها سالمة؛ لأنها مُلوثة بسحر أسود يعود لأيام الحرب الأولى مع ساورون. وليس هذا فحسب، لقد تسرب السحر إلى جسدها وصار دمها ملعونًا يقتل أي شيء يسقط عليه. وأي شخص يلمس هذا الدم سيصاب بالإعياء، وهذا يفسر سبب تعبك أنت والحكماء في ذلك اليوم؛ لأنكم لمستم دمها…”
تحرَّكت عينا ثراندويل بسرعة حول الغرفة وكأنه يبحث عن مخرج. تذكر عندما أحس بالتعب من بعد أن عثر عليها، فقد اعتقد أنه حدث نتيجة لمس تلك البلّورة، لكن ليس كذلك؛ لقد كان بسبب المسكينة نيملوث.
تابع سيليبورن كلامه: “لكن هذا الدم يسبب لها إرهاقًا، وهلوسات، وتعبًا دائمًا، لذا يجب أن تنزف كل عدة أيام حتى تظل على قيد الحياة…”
تسارعت ضربات قلب الملك، فاستفسر: “لكنك قلت إن أي قطرة من هذا الدم ستسبب مشاكل؟”
أومأ سيليبورن مؤكدًا: “أجل، وهو كذلك. إلا أنني سأقوم بنفسي بهذه المهمة وبحذر شديد حتى لا يتأذى أي أحد ولا حتى النبات. وكما قلت سابقًا، فإنه يسبب لها بعض الهلوسة مما يجعلها تتصرف تصرفات مريبة تتناقض مع طبيعتها. لذا آمل أن تتفهم وضعها وما قد تفعله من مشاكل لو صدر منها أي خطأ أو كلام غير مفهوم.”
أمال ثراندويل رأسه إلى الخلف قليلًا، من بعد أن أراح ظهره على الكرسي مُفكرًا في الوضع. كان يعتقد أنها مسألة ذاكرة مفقودة لا أكثر، لكنها تأذت بسحر شرٍّ قد يتسبب بموتها.
“هناك شيء آخر يجب أن أُطلعك عليه.”
أعاد ثراندويل نظره ناحية سيليبورن، واكتفى بالتحديق. كان يخشى أن يسأل ويكون هناك شيء آخر وأكثر سوءًا يهدد حياتها.
أدرك سيليبورن مدى القلق غير الظاهر لدى ملكه، وللوهلة الأولى تذكر نظرات الحزن التي غَزَت عيني والدة ثراندويل عندما مات أورفر، وأحس برغبة في التراجع عما يوشك أن يقوله. لكن وجب عليه إخباره بالحقيقة:
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات