وسط مياه البحر المالحة ، كان الجسد المستسلم أخيرًا لمصيره قد هدأ ، ليس لأنه تقبل الأمر الواقع ، بل المقاومة قد خذلته .
كانت نيملوث قد اغمضت عينيها و خرجت فقاعات الهواء من انفها ، حاملة معها الأنفاس الأخيرة نحو سطحٍ لن يمر عليه أحد.
بدأت ترى في مخليتها صور و مشاهد كانت من حياتها السابقة ، و ما حدث معها بالفعل قبل أن تختفي …أرادت أن تفرح و تبتسم لكن الأوان قد فات ، هى الآن مُنجرة إلى قاعٍ لا ترى له نهاية ، و قطرات دمها بدأت تهبط ببطء .
لكن لم تُدرك وجود الألواح الخشبية، التي أتت من القاع مُتجمعة بطريقة سحرية و صارت طوفًا صالح للاستعمال.
بقوةٍ ما ، أخذ الطوف يدفع جسدها إلى الأعلى حتى وصلت إلى السطح. بمجرد أن لسعتها برودة الهواء عادت إلى وعيها و بصقت كل الماء الذي بلعت ، شعرت بحرقانٍ في صدرها و حلقها و بدأت اطرافها ترتجف دون توقف ،إنتابتها سعادة غامرة تأتي إلى قلبها لكن لم تجرؤ على الاستقرار و بدأت بذرف الدموع و الضحك في آنٍ واحد .
كانت لا تزال تشعر بالحرقان في حلقها ، و فجأة امالت رأسها إلى سطح الماء و استفرغ كل ما في بطنها. من بعد ذلك ظلت مستلقية على الطوف ، بعد أن سُلِبت طاقتها بسبب ما عاشته في اللحظات الأخيرة و سمحت لنفسها بأخذ قسطٍ من الراحة للحظات .
بعد أن سمحت لنفسها بالراحة لبعض الوقت، رفعت ظهرها عن السطح الخشبي الرطب، ونظرت حولها باحثةً عن أي شيء يساعدها في التجذيف، فعثرت على لوح خشبي ذو رأس عريض وآخر رفيع، كان ممتازًا لما تحتاج إليه.
أخذت تُجدّف به إلى حيث يأخذها حدسها، وإذا لاحظت أي علامةٍ على اقتراب يابسة، توجهت إليها.
وبعد ساعاتٍ من التجذيف المرهق، وصلت إلى اليابسة. وجدت نفسها بالقرب من جُرفٍ صخري مُطلٍّ على البحر ويؤدي إلى الغابة.
بنظراتٍ مُتفحّصة، أمعنت النظر في المكان، وعثرت على طريقٍ ضيّق يساعدها في الصعود إلى أعلى هذا الجرف، فقط يجب عليها أن تمشي بخطواتٍ حذرة.
هبطت من الطوف، وسارت في الطريق الصخري الضيّق بخطواتٍ حذرة ورشيقة، ثم وصلت إلى الأعلى.
وجدت نفسها في غابةٍ كثيفة، أشجارها عالية، ولا تسمع فيها أي صوتٍ لإنسان أو جانّ أو حتى قزم. بدأت تمشي وهي تتفحّص محيطها على أمل أن تعثر على ما تحتاج إليه في هذه اللحظة: مياهٌ عذبة تستحم بها؛ فبعد أن يلمس جسدها ماء البحر، يجب عليها أن تغسله حتى لا تُصاب بأي تهيّج.
بعد أن عثرت على بحيرةٍ صغيرة، نزعت ثيابها وغسلت جسدها بالماء العذب وكذلك ثيابها، وظلّت تسبح إلى أن جفّت ملابسها.
من بعد أن أنهت كل هذا، سمحت لنفسها أخيرًا بالجلوس على العشب المجاور للبحيرة، وأخذت أفكارها تدور بعيدًا، إلى حيث وجدت نفسها.
لقد تذكّرت أشياء كثيرة، لكن بعض الأمور لا تزال غامضة بعض الشيء، بما في ذلك الحادثة التي جعلتها تكره نفسها وتشعر بغصّة في حلقها.
أخذت تحني كتفيها وتطأطئ رأسها إلى الأسفل، وهي لا تكفّ عن تذكّر الخطأ الكبير الذي اقترفته، وظلّت الأفكار الداخلية تدور في خُلدها:
«أنا لا أستحق معاملة ثراندويل الحسنة.»
«كم كنت أكره مشاعري تجاهه في ذلك الوقت، لكنني لا أستطيع منع قلبي. لم أكن أرغب بأن تأخذه امرأة غيري.»
بعد هذه الجلسة الطويلة من كراهية وجلد الذات، انتابها إحساس غريب، شعرت وكأنها لم تقم بفعل هذا، وأن ما رأته مجرد حلم لشخصٍ آخر.
لأنها تعرف أن في أعماق قلبها، لن تفعل شيئًا كهذا بحق ثراندويل أو ابنه.
أطلقت نفسًا طويلًا ونهضت من مكانها، سائرةً في الغابة في سبيل العثور على أي طريقٍ يؤدي إلى ميركوود. وأثناء المشي، توقفت للحظات عند شجرةٍ مجوّفة قديمة للغاية، بجوارها نمت أزهار الأقحوان. سمحت نيملوث لنفسها بالتوقف، متأمّلةً جمال هذه النباتات الرائعة.
لكن لاحظت شيئًا ما…
صندوقًا خشبيًا قديمًا غطّته بعض الطحالب، وُضع في داخل الشجرة المجوّفة. مدّت نيملوث يدها لأخذه وفتحته. لم يكن فيه شيء مهم، سوى ريشة نعامة قديمة للغاية تُستعمل للكتابة، ومحبرة فارغة، وخاتم فضة مُرصّع بحجر الأوبال.
كانت الفضة غير لامعة على الإطلاق، لكن الحجر حافظ على رونقه، وظلّ محافظًا على ملمسه الأملس، لونه البني اللامع والومضات الملونة التي تظهر في كل حركة عندما تقوم بتحريكه.
ارتسمت على وجهها ابتسامة طفيفة، وقالت لنفسها:
“ثراندويل سيحب هذا الخاتم… سأرتديه حتى لا يضيع.”
أخذت الخاتم، وضعته في إصبع البنصر من يدها اليمنى، واستأنفت مسيرتها.
بعد حلول الظهيرة، وبينما كانت تمشي والأشجار الكثيرة تحيط بها من كل جهة، التقطت آذانها أصوات خطوات لم تكن لحيوان. أدارت رأسها في كل اتجاه لكنها لم ترَ صاحب هذه الخطوات.
اقتربت من الأشجار التي على يمينها، ومن بين الأغصان أخذت تنظر إلى هذا الشخص. كان ظهره مألوفًا إلى حدٍ ما، للحظات ظنت أنه ثراندويل، لكن لم يكن هو.
لكن أذناه المدببتان، كسمات الجان، بارزتان من بين الشعر، جعلها تتأكد أنه من بني جنسها.
كان رجلاً ذو ملامح جادة، عيناه تلمعان تحت ضوء خافت، كأنه يراقب شيئًا بعيدًا أو يستعد لمواجهة. له شعر طويل جدًا، أملس، بلون أشقر فاتح يميل إلى الفضي، منسدل على الكتفين. بشرته فاتحة وناعمة، بلا عيوب واضحة، تمنحه مظهرًا أثيريًا. يرتدي رداءً داكن اللون بقبعة خلفية، مع مشابك معدنية عند العنق، وعلى ظهره جعبة سهام تظهر منها ريشات صفراء متصلة بالسهام.
وكأنه شعر بوجودها، وجه نظراته إليها، وأخذ سهمًا من مجموعته وتحدث مُهددًا: “اخرجي من مكانك قبل أن أطلق سهمي عليك.”
لم يكن أمام نيملوث خيار آخر سوى الخروج من مكانها، كما أنها أرادت أن تظهر أمامه على أمل أن يساعدها في الوصول إلى ميركوود بسلام.
عندما وقفت أمامه، شعرت بتوجسه من خلال تقطيب حاجبيه وإمالة رأسه، وقد استولت الحيرة على قسمات وجهه الوسيم. للحظات ساد الصمت، وشعرت نيملوث برغبة في التحدث، لكن قبل أن تقوم بذلك، سألها: “من أنتِ وماذا تفعلين هنا؟”
حاولت نيملوث أن تتعرف عليه، لكن ذاكرتها فشلت في ذلك، فأجابته على مضض: “أدعى نيملوث، ابنة تورغون نحات التماثيل.”
“تورغون!” رد هو متعجبًا، “لكن السيد تورغون ابنته ميتة، كيف يمكنني أن أتأكد من هذا؟” كاد الشك يستولي على نبرة صوته، وقد وجدت نيملوث نفسها في موقف لا تُحسد عليه، وقررت أن تقول له كل شيء:
“أنا لَوْنِتُ، لقد كنت محبوسة داخل بلورة ضخمة لبعض الوقت إلى أن أتى الملك ثراندويل وأخرجني منها. كنت على وشك الذهاب إلى فالينور رفقة والدي ومجموعة من الجان، لكنني سقطت من على السفينة.”
أظهرت جرحها له، وشعرت أن توجسه قد تخفف وبدأ يصدقها عندما علق: “قصة غريبة.”
منعت نفسها من الضحك، وبعدها سألته: “من أنت؟”
إمتدت ابتسامة واسعة على وجهه، وأجابها: “أنا الأمير ليجولاس، ابن الملك ثراندويل ابن أورفر.”
ارتدت رأسها قليلًا إلى الوراء، وعيناها تجولان بين وجهه وشفتيه، كأنها تبحث عن كذبة تتسرب من ملامحه.
وعندما ألقت عليه نظراتها المتفحصة، أبصرت الحقيقة التي أمامها؛ لقد كان هذا الفتى ابن ثراندويل بالفعل. كان يجب عليها أن تعرف هذا منذ أن شعرت بالشبه بينه وبين والده حين رأت ظهره.
اقتربت منه وقرصت خديه، وقالت: “لقد كبرت كثيرًا أيها الفتى، لكن خداك لا يزالان قابلين للعض والقرص.”
وعندما أبعدت يديها عنه، وضع كلا كفيه على خديه وتحدث متذمرًا: “سيدتي، أرجوكِ دعي خدودي وشأنها.”
أخذ يفرك خديه قليلًا، ولم تستطع نيملوث منع نفسها من الضحك؛ لقد كان يفعل هذا دائمًا عندما كان طفلًا صغيرًا.
بعد أن هدأ ألم وجهه قليلًا، سألها: “هل كنتِ تعرفينني عندما كنت صغيرًا؟”
أومأت له مؤكدة: “أجل، لقد كنتُ صديقة مقربة لوالدك منذ أيام طفولتك، وحاربت معه، وحتى عندما تزوج وأنجبتك والدتك، كنتُ بجانبه وحملتك بين ذراعي كثيرًا.”
ضحك ليجولاس بصوت خافت: “للأسف لا أتذكرك، لقد حدثت مشاكل كثيرة عندما كنت صغيرًا جعلتني أنسى الكثير.”
“لا بأس”، ردت نيملوث، “إلى أين أنت ذاهب؟”
نظر ليجولاس إلى حصانه وأشار إلى الخلف: “أنا متوجه إلى ميركوود، يجب علي أن أمر هناك قبل أن أكمل مسيرتي باحثًا عن الملك المفقود، وعلى حسب ما فهمت، فإن الخاتم سيظهر قريبًا.”
شعرت نيملوث بلسعة في أصابعها، أشبه بقرصة دبور، عندما سمعت عن الخاتم، فسألته: “تقصد خاتم ساورون؟”
“أجل.”
رطبت شفتيها الجافتين، وبدأ القلق يجول في صدرها؛ إن عودة الخاتم مرة أخرى تعني حدوث الكثير من المشاكل التي لا تنتهي على هذه الأرض، وقد يموت الكثير من الناس.
لكن ما لم تفهمه هو سبب تلك اللسعة التي شعرت بها عندما سمعت عنه.
ومع ذلك، لم تُعر الأمر اهتمامًا طويلًا، وسألته: “أيمكنك أخذي معك إلى المملكة؟ لا أريد أن أكون في أي مكانٍ آخر عندما يحين هذا الوقت. هناك شخص يجب أن أظل بجانبه، ممسكة بيده، ولا أبرح جانبه.”
” بالطبع ستأتين معي ، لن اتركك وحدك هنا”
ركبت نيملوث الفرس البيضاء معه، وبدأ ليجولاس يقود الطريق متوجهًا إلى ميركوود. وأثناء الرحلة، أخذ ليجولاس يطرح عليها أسئلة كثيرة حول ما حدث معها، فأجابته بقدر ما تستطيع. ثم قررت أن تخبره بكل ما تتذكره عن علاقتها بوالده، وكيف كان ثراندويل في شبابه.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 11"