1
عندما يحلّ الليل على الغابة، تنزل الظلمة كثيفةً ثقيلة.
لكن تلك الليلة كانت عكس ذلك تمامًا؛ كل شيءٍ في العالم كان أبيضَ ناصعًا.
رغم أن نفس التربة كان يبرد تدريجيًا، فإن الضوء لم يخفت أبدًا.
كلما مرّت الريح على عروق الأوراق، كان جذع الشجرة العملاقة الواقفة في قلب الغابة ينثر ضوءًا أبيضَ متفتتًا.
توقفت سورا أولاً، ونفذت ببصرها في الظلام.
عينا الليل الخاصتان بها لا تريان النور، بل تريان النسيج.
أين تطوى الطريق في هذه الأرض، وأين تنقطع، وإلى أي اتجاه تستمر.
كان الطريق صديقها المطلق.
لذلك لم تفقد أبدًا إيمانها بأنها ستصل.
اقترب شيردريك من خلفها، وأخذ نفسًا طويلاً عميقًا.
رائحة الطحلب المشبع بالرطوبة، وطعم الحديد القديم المتعفن، كانت مرّةً وحزينة.
هو الذي كان جنديًا في السابق، شعر أول ما شعر على هذا الطريق برائحة الدم.
الدم والدخان، والزيت والرمال، واليوم… رائحة الجذور.
“هنا إذًا.”
أومأت سورا برأسها بضعف.
أمامهما كان بابٌ منسوج من جذور شجرة عملاقة متشابكة.
[ZUBA]
بجانب الباب الخشبي البالي، جروحٌ عميقة كأنها مخلبٌ حفرها.
تفحص سورا وشيردريك المحيط مرة أخرى ببطء.
كانا في حالة هروب، فهذه العادة قد رسخت في أجسادهما.
دخان السفن الطائرة الأسود القاتل، صوت عجلات الكرولر تقترب من بعيد، همس الأرض الذي تنقله الأحذية العسكرية الثقيلة، آثار أقدام مغطاة بالغبار الأبيض…
لم يكن هناك شيء.
لا آثار أقدام آيرونفالون، ولا مدينة التقدم العظيمة لسنكرو، ولا قرية البراكين المرعبة في فليميذر، ولا بحر الجليد اللامتناهي في فروستكرو…
شعور غريب لم يختبراه من قبل، مزيج من الحنين والرهبة وقليل من الخوف، جعلها تتردد للحظة.
“باب في مكان لا يُعقل منطقيًا… يشبه تمامًا باب كاديناتش.”
“هل بإمكاننا الدخول؟”
أومأ شيردريك برأسه. كان لديه يقين بأنهما سيستطيعان.
“إذا عرفنا الطريقة فقط.”
“هناك شيء مكتوب حوله.”
حفرت سورا التربة حول الباب المغطى بجذور الشجرة ونفضتها.
في وسط الباب، كانت هناك نقشات عمودية طويلة محفورة بخطوط متعرجة.
عند النظر عن قرب، لم تكن نقشات، بل كتابة.
كتابة بلغة غريبة تمامًا، لا تعرف سورا حتى من أي بلد هي.
“طريق اللصوص سيفتح للصوص.”
قرأ شيردريك النص.
شعر بدهشة جديدة لقدرته هو نفسه على قراءة جملة غريبة كهذه.
تفاجأت سورا أيضًا.
“كيف…؟”
“هذه الجملة كتبها والدي. لقد وصلنا إلى المكان الصحيح.”
جزيرة واحدة في العالم تخدع نفسها، اسمها زوبا.
قطعة من أسطورة انفصلت عن عصر قديم،
هربا من خداع تلك الجزيرة، مطاردة الحقيقة، ووصلا أخيرًا إلى هذا الباب.
نظر شيردريك إليه للحظة، ثم أخذ نفسًا عميقًا… بطيئًا جدًا جدًا.
ثم وضع يده على الباب.
جزيئات العامل المهيمن المتفتت دقيقًا تدور حول صدره.
ماذا سيحدث؟ تساءلت سورا.
لكن فجأة، انكسر تيار الهواء المتوتر كأنه انطفأ.
تدريجيًا، انفتح الباب بفجوة صغيرة.
ما إن تجاوزا العتبة، حتى فقد زمانهما اتجاهه.
لا يزال الريح تهب، لكنها لم تعد تعيدهما إلى الطريق الأولى.
الصوت الذي يصل إلى الأذنين صمتٌ ثقيل.
أمامهما جدار فضي عملاق منتصب. كان يعمي العينين.
تنفست سورا مرة واحدة، وشيردريك مرتين، قبل أن يتمكنا من إدراك ذلك.
كانت ظلمة أكثر بياضًا من الليل نفسه.
اكتشف الاثنان لأول مرة أن الظلام يمكن أن يكون بهذا السطوع.
في كل خطوة، تتشكل الظلال تحت أقدامهما،
وتتحرك تلك الظلال كأنها تعكس ذكريات الماضي بمحض إرادتها.
الظل الأول: امرأة طويلة الشعر تقف مع الثعالب وتبكي.
كان ذلك ظل سورا.
غرفة علاج مغلقة، أنفاس المبرد، إبرة سحب الدم التي مدّها أوسما، إحساس طرف الإبرة وهو يخترق اللحم، والتنهيدة التي سالت قبل الدم…
هل سأتمكن هذه المرة من الهروب؟ من أمي؟
طوال حياتها، توقت إلى الحرية.
كانت الخارجة عن القطيع، ولم تستطع قبول رفضها.
كانت تعتقد أن كل شيء غريب.
لماذا لا تستطيع الشعور مثلهم؟
ومع ذلك، لماذا جعلتني أمي أميرة وتعذبني هكذا؟
في كل لحظة، في كل سنة، لم تستطع التخلي عن هذا الشعور.
“خائفة.”
دون وعي، تذكرت سورا الكلمة وارتعدت.
الخوف الذي شعرت به الآن كان نوعًا لم تشعر به طوال حياتها.
كأن شيئًا ما يتسلل من شقوق قلبها ويمزق عقلها.
هل أنا جبانة لهذه الدرجة؟ بحيث تتجمد قدميّ في مكان مثل هذا؟
“آه.”
نعم. في الحقيقة، كانت خائفة جدًا.
لذلك في اليوم الأول الذي رأت فيه شيردريك، لم تستطع الحراك.
مجرد أن الطريق المعتاد لم يعد مرئيًا، خافت كثيرًا.
من أنا؟
ومن أنت؟
في هذه الظلمة البيضاء، في هذا العالم المغطى بنسيج غريب، كانت وحدها.
أو هكذا اعتقدت. في تلك اللحظة بالذات…
“استعيدي وعيك.”
ذراع امتدت من خلفها، فجأةً جذبت عنقها وكتفيها إليه.
فقط بعد أن غرق ظهرها كله في ذراع الرجل الصلبة، تذكرت أنها ليست وحدها.
أمسك شيردريك يدها بقوة.
“لأنني خلفك.”
شيردريك… من كان هذا الرجل؟
آه، هذا الرجل كان ضعيفًا مثلها تمامًا، وقويًا في الوقت نفسه.
ليس لأنه كان جنديًا، بل لأن في أعماق قلبه حبٌّ عميق.
حول إطار عينيه الزرقاوين الداكنتين، لمحت ضوءًا فضيًا خافتًا. هل هذا وهم؟
مشاعرها تجاهه كانت معقدة لا يمكن تفسيرها.
المسافة الثابتة، الفجوة التي يصنعها، الكلمات المصقولة… حدتها مقصودة، لكن بدون شر.
كان فقط يحمي نفسه بقوة.
لا يضحك بسهولة، لكن ضحكته ساحرة.
عندما تراه في الظلال الداكنة، تشعر برغبة في إيذائه مهما قالت.
لو استطاعت سحقه ببطء، بحركات يد فراشة، لكان ذلك رائعًا.
الظل يمسك وجهه ويصرخ.
لكن الصرخة تحولت في النهاية إلى ضحك.
كخ كخ كخ كخ.
استمتعت سورا بالإحساس المرعب الذي يهبط على صدرها، ثم التفتت ببطء.
ليت ذلك يحدث.
شيردريك، متفاجئًا من حركتها المفاجئة، أرخى ذراعيه تدريجيًا.
أمسكت سورا ذقنه ببطء وسحبته نحوها.
“الآن أنت أمامي.”
نظرت مباشرة في عينيه الزرقاوين.
لو استطعت كسره… لكان ذلك رائعًا.
……لكن، لكن…
كيف وصلنا إلى هنا أصلاً؟
التعليقات لهذا الفصل " 1"