بفضل دِيل الذي أرشدني في طريق العودة، تمكّنتُ من مغادرة الغابة بسلام.
ما إن عدتُ إلى القصر، حتى مررتُ على المكتب لأخذ بعض المستندات، وهناك قال لي ريس إنّه سيعمل في غرفة نومه حتى الفجر، لذا لا داعي لأن أقدّم له خدمة المساء.
لكن… هل يجوز لي حقًا تركه هكذا؟
لا أظنّ أنّ من اللائق أن تنام الخادمة بينما سيّدها لا يزال مستيقظًا…
بالنسبة لخادمةٍ عاديّة، ربما لا بأس، لكنني الخادمة الشخصيّة، وهذا ما جعلني أتردّد طويلًا.
وقفتُ في أحد جوانب غرفة النوم، ولم أبرح مكاني، فلاحظني ريس الذي كان يتّكئ عند حافة السرير ويقلّب في ملفات المستندات، ثمّ قال بنبرة عذبة:
“إن أردتِ البقاء بجانبي طوال الليل، فلا بأس.”
ثمّ ابتسم بلطف وربّت على المكان بجانبه، مشيرًا إلى أنّ هناك متّسعًا كافٍ لي للنوم إن رغبتُ.
“تصبحُ على خير.”
“هاه، رُفضتُ إذًا.”
بمجرّد أن تنحّيتُ إلى الوراء وختمتُ كلامي بتحيةٍ قصيرة، هزّ ريس كتفيه بخفّة وكأنّه يشعر بالأسف.
تجاهلتُ نظراته وعدتُ مسرعة إلى غرفتي.
ربّما لأنّ الطقس بات يزداد برودةً يومًا بعد يوم، فإنّ عدد القتَلة الذين يستهدفون دوق القصر أخذ في التراجع، وبهذا صار النوم أسهل في الآونة الأخيرة.
في الواقع، تلك الملابس السوداء الخفيفة التي يرتديها القتَلة ليلًا لم تكن مناسبة للشتاء أبدًا.
لكنّ ارتداء الفرو يُبطئ من الحركة، لذلك لم يكن خيارًا مطروحًا.
‘في أيّامي، كنّا نرتدي تلك الملابس الرقيقة في عزّ الشتاء وننجز المهمّة دون تذمّر… تِك… تِك… لقد أصبح الجميع مدلّلين.’
أخرجتُ أوراق التقرير التي سأكتب عليها، وبدأت أنقل ما رتّبته مسبقًا في ذهني إلى الورق.
“أوه، صحيح… لقد طُلِب منّي التحقّق ممّا إذا كانت عينا دِيل تتوهّجان بلونٍ أحمر.”
لم أكن أعتقد أنّ عيني ثعلبٍ عادي يمكن أن تتوهّجا، لكن كوني قاتلة مأجورة، فإنّ الشك في فحوى الطلب ليس من مهامي.
‘حتى الثعلب بات عليّ مراقبته… يا للعجب.’
على أيّ حال، فقد راقبتُ عينيْ دِيل عن كثب طوال نصف شهر، لكنّني لم أرَ أيّ لمعةٍ فيهما.
“سأسجّل أنّه لا ينطبق عليه، وما تبقّى هو التقرير عن قوّة ريس، وهو ما ظللتُ أؤجّله حتى الآن.”
أرسل تقاريري إلى <الوردة السوداء> كل ثلاثة أيّام تقريبًا، لكنني لم أتحدّث قط عن قوّة ريس.
ليس لسببٍ خاص، بل ببساطة لأنّني لم أجد ما أُبلغهم به.
‘مرّ نصف شهر، ولم يعد بالإمكان التأجيل. يجب أن أكتب شيئًا، أيّ شيء.’
بعد تسليمي للتقرير، يقوم ديث بمراجعته أولًا قبل إرساله إلى العميل.
إن لم أذكر شيئًا عن القوّة هذه المرّة أيضًا، فأكاد أجزم أنّ العميل سيثور غضبًا.
وطبعًا، من سيتحمّل العواقب هو ديث… لكن لا، لا يجوز أن أتركه يتحمّل ذلك وحده.
لا يمكنني أن أضع القائد في موقفٍ حرج.
“أقول مثلًا: يتعرّض للأذى دومًا، ويبدو ضعيف البنية، لذا يُرجّح أنّه لم يُفعّل قوّته بعد، أو ربّما ليست لديه قوّة أصلًا…؟”
إن كنتُ سأكتب شيئًا كهذا، فالأفضل أن أترك الورقة بيضاء.
من المفترض ألا تحتوي التقارير على افتراضاتٍ غير مؤكّدة، لكنني عاجزة تمامًا عن تأكيد وجود القوّة من عدمها.
أكاد أرى صورة ديث وهو يضرب جبينه ويقول:
“هل هذه تقارير ترسلينها؟!”
لكن… ماذا عساي أفعل؟ هذا هو الواقع.
“دعني أكتب في الأسفل بعض التبريرات، أعلم أنّها ستبدو مثيرة للشفقة… لكنني أستحقّ أن أُفهم.”
الهدف غالبًا ما يبقى في القصر لإتمام أعماله.
ولأنّه لا يخرج، فلا تواصل له مع الخارج، بل إنّ الحياة هنا تبدو أكثر هدوءًا من اللزوم.
وبالتالي، لم تُتح لي أيّ فرصة لأُشاهد قوّته.
بناءً على ما رأيته في نصف الشهر الماضي، توصّلتُ إلى نتيجة شخصيّة ولكن بنفس الوقت منطقيّة، وهي أنّه لا يمتلك قوّة.
“أكتب في النهاية: ولهذا أشعر بالظلم… أظنّ القائد سيفهم الباقي من تلقاء نفسه.”
لأنّ هذه المهمّة تتعلّق بمكافأةٍ ضخمة، فلا مجال للكذب على الإطلاق.
“لو قلتُ كذبًا أنّه يملك قوّة، فمن سيثبت ذلك لاحقًا؟!”
كتابة تقريرٍ لا يحتوي على أيّ نتائج حقيقيّة بيديّ، كان أمرًا مؤلمًا للغاية.
“صدقني يا قائد، فكّرتُ في حلول بديلة.”
طويتُ التقرير بعناية، كي يحمله الغراب بسهولة.
وتمتمتُ بهدوء.
“في إحدى الليالي، فكّرتُ جدّيًا أن أترك القاتل ينفّذ مهمّته دون أن أتدخّل.”
لأنّه إن نجا من الهجوم، فهذا يعني أنّه يملك قوّة ما، أليس كذلك؟
‘في المرّة الماضية، بدا أنّه يعرف استخدام السيف…’
لكن مواجهة قاتل محترف في قتالٍ قريب باستخدام سيفٍ طويل أمرٌ غير مجدٍ، لذا قد لا يُثبت شيئًا.
الاعتماد على قوّة ريس والتي لم أرَها أبدًا، كان أشبه بالمقامرة.
‘لكن ماذا إن لم أتدخّل، وقتله القاتل؟’
وقتها، سأفقد أجري أيضًا.
وسيغرقني دين القمار المتفاقم الذي خلّفه والدي، ومعه الفوائد الجنونية التي تتضاعف يومًا بعد يوم.
‘مخاطرة كبيرة… أعترف أنّني فكّرت فيها بجدّيّة في وقتٍ سابق، لكن لا… مستحيل الآن.’
ربّما إن حدث شيء عاجل أمام عيني، واضطرّ لاستخدام قوّته، قد أكتشف شيئًا.
لكن في قصر كاسيو، حيث الصوت الوحيد هو حفيف الأوراق، فلن تحدث أيّ طارئةٍ كهذه.
‘نصف شهر يكفي لإتمام مهمّةٍ عاديّة، لكنّي لم أتعامل من قبل مع مهمّة طويلة الأمد تمتدّ لأشهر… لذا، يجب أن أكون حذرة.’
إن اتّخذتُ قرارًا خاطئًا وتسبّبتُ في موت الهدف، سأكون قد أهدرتُ الوقت والمال، والأهمّ… أرواح أعضاء <الوردة السوداء> الذين ساعدوا في التمهيد لهذه المهمّة.
لهذا السبب، لا يمكنني التحرّك بتهوّر.
لا يمكنني أن أضع الهدف عمدًا في موقفٍ خطير.
ولا أن أتسبّب له بالأذى عمدًا.
لأنّني أعلم تمامًا أنّ الإنسان يمكن أن يموت بسبب أسبابٍ تافهة، أكثر مما يتوقّع أيّ أحد.
“آه، لقد جاء أخيرًا.”
رأيتُ الغراب يرفرف عند النافذة، ففتحتها قليلًا وأعطيتُه الورقة المطويّة.
إن قُبل هذا التقرير الذي يفيد بعدم وجود قوّة، فمهمّتي تكون قد انتهت، وسأغادر فورًا.
ولن يكون لي أيّ سببٍ للبقاء هنا بعد ذلك.
فالغرض من هذه المهمّة كان كشف قوّة ريس وقتله، لكن إن لم تكن هناك قوّة أصلًا، فليس هناك ما يُقتل.
‘سأعود إلى <الوردة السوداء> إذًا…’
وبما أنّ الفريق صغير النطاق، فإنّ اللقاء بين الأعضاء في مقرّنا نادرٌ جدًّا، لأنّ كلّ شخصٍ منشغل بمهمّته.
لكن في قصر الدوق، الناس هنا على قدرٍ كبير من الودّ، ويملأ المكان دفءٌ وصخبٌ خفيف.
رغم أنّني لم أبقَى سوى نصف شهر، فإنّني بتُّ أعرف معظم الخدم، وهذا ما جعلني أشعر بشيءٍ من الحنين وأنا أفكّر في المغادرة.
“آه، باستثناء ديمون هايرس… ذلك الرجل لا.”
ذلك المساعد الذي يُقال إنّه بقي أطول وقتٍ إلى جانب ريس، لا يزال يعاملني بجفاء.
كوني قاتلة مأجورة، أستطيع أن أميّز بسهولة بين الكراهية والودّ في نظرات الناس.
ونظرات دايمون نحوي… كانت دائمًا كراهية محضة.
صحيح أنّ حدّته خفّت قليلًا مقارنة بالبداية، لكنّ ذلك لا يعني أنّه صار ودودًا.
مثالًا على هذا…
‘سيّدي لا يشرب الشاي إن كانت حرارته أقلّ من 82 درجة.’
قالها بينما أمسك بي فجأة وأنا أحمل إبريق الشاي، ثمّ أخرج ميزان حرارة لا أعلم من أين، وألصقه بالإبريق قبل أن يهزّ رأسه باستياء.
‘أمّا أنا… رأيتُه يشربه عاديا…؟’
‘هاه… أفسدتِي ذوق سيّدي في الشاي، رائع فعلًا.’
رائع ماذا؟ لا أفهم…
لكنه لو جرّب الشاي بنفسه، لتغيّرت نظرته.
كنتُ دائمًا أصنع الشاي في <الوردة السوداء>، لأنني كنتُ الأصغر سنًّا، لذا لديّ ثقة في مهارتي.
“هل تودّ تذوّقه؟ إنّه لذيذ جدًّا.”
“لماذا عليّ تذوّقه أنا؟ همم.”
صببتُ له فنجانًا إضافيًا وقدّمتُه له، فتجهّمت ملامحه قليلًا، ثمّ ارتشف منه على مضض.
ساد صمتٌ ثقيل.
“واو… هذا الشاي لذيذ جدًّا…”
لكنه لم يُكمل كلامه.
جمّد ملامحه فجأة ثمّ سار م
بتعدًا في الجهة الأخرى من الرواق.
سلوكه الغامض هذا لم يتغيّر منذ البداية حتى الآن.
وللأمانة… لا زلتُ أجهل السبب الحقيقي وراء عدائيّته تجاهي.
لكن، أظنّ أنّه أحبّ الشاي، أليس كذلك؟
ترجمة:لونا
واتباد:luna_58223
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 18"