الفصل 50 :
أوّل ما خطر ببالي كان هذا بالطّبع.
‘هل تعرِفني؟’
تغيّر لونُ شعري، ولم أعد أرتدي النّظّارات كما كنتُ من قبل، وزدتُ بعض الوزن أيضًا.
لكن من حيث الجوهر، كُنتُ نفس الشّخص، ولهذا لم أكُن أملك سوى أن أحدّق في إيريون بتوتّر.
حتى حين رمقتُ فيليون بطرف عيني، راودتني الفكرة نفسها.
‘هل تعرفه؟’
هل سيتعرّف فيليون على إيريون؟ أو العكس؟
لسببٍ ما، انتابني نوعٌ من التّوق الغريب. أليست هذه لحظة لقاء البطلة والبطل في العمل الأصلي؟
زد على ذلك أنّ ذلك العمل الأصلي لا يحتوي سوى على مغازلاتٍ رومانسيّة بين الاثنين طيلة أربعة مجلّدات.
لا يوجد مضمونٌ عميق عن السّحر، ولا أحداث سياسيّة، ولا معارك مصيريّة تهدّد العالم.
أقصى ما يُمكن وصفه كأزمة، هو مضايقات أتباع فيليون لإيريون.
كلّ الخلافات بينهما كانت تنبع من مشاعر الإعجاب وسوء الفهم والغيرة، لا أكثر.
وكانت الأجواء على هذه الحال منذ البداية.
‘فيليون اعتبر إيريون مميّزةً واعتنى بها منذ دخولها برج السّحر.’
لم يُعاملها بلُطف أو يُظهر اهتمامه بها علنًا، لكنّه كان يعتني بها من حيث لا تدري.
البطل البارد المتحفّظ والبطلة المشرقة. كلاسيكيٌّ تمامًا.
‘رغم أنّني في هذه النّسخة أصبحتُ صديقةً لإيريون، إلا أنّ كلّ شيء آخر بقي على حاله.’
أمّا السّؤال الآخر الذي حيّرني:
‘هل ستستطيع إيريون اختراق سحر نظّارات فيليون؟’
السّحر المُضاد للإدراك، وسحر التّمويه الذي استخدمتُه حين تظاهرتُ بالموت.
هذان هما نوعا السّحر العقلي الوحيدان اللذان أتقنتُهما بثقة. ولهذا بحثتُ فيهما بدقّةٍ وتعمّق.
مستواي فيهما عالٍ جدًّا.
في الماضي، لم يستطع اختراق ذلك السّحر سوى شخصين:
السيّد سيريوس سيّد برج السّحر، وفيليون.
لكن إن كانت إيريون قد جدّت في دراسة السّحر أثناء وجودي في القارّة الشرقيّة، فقد تُصبح الشّخص الثّالث.
فهي بطلة القصّة الأصليّة، وبلغت مرتبة ملكة المرتزقة. لا شكّ أنّها تملك موهبةً عظيمة.
وكانت النّتيجة…
“تشرفتُ بلقائك.”
قالتها إيريون بوجهٍ خالٍ من التّعبير، وهي تمدّ إليّ يدها.
لم تُظهر أيّ سعادة، ولا غضب. وفي عينيها الواسعتين لم يبدُ أيّ اضطراب. كان ذلك تعبيرًا غريبًا لا أعرفه عنها.
“آه، مرحبًا… أدعى ريكس إيميل.”
أخفيتُ قواي السّحريّة ومددتُ يدي نحوها بحذر.
لكن إيريون لم تمدّ قوّتها السّحريّة لتفحصني.
اكتفت بمصافحةٍ قصيرة، وتراجعت فورًا.
‘ألا تعرفني؟’
حتّى وأنا اصافح مرافقها الذي وصفه إيان بأنّه فارس، كنتُ أراقبها…
لكنّها لم تُبدِ أيّ شيء مريب.
بقيت ملامحها بلا تعبير تمامًا. ولم تُلقِ نظرةً واحدة في اتّجاه فيليون.
ولا أستطيعُ أن أقرأ ما يدور بداخلها، لكن…
‘…يبدو أنّها لا تعرفني فعلًا؟’
الوضع يختلف عن إيان. فهو كان يُخفي تعبيراته منذ القدم، لكن إيريون كانت تُظهر انفعالها إذا فُوجئت أو ارتبكت.
هل يمكن أنّها تغيّرت بعد ما مرّت به خلال السنوات الخمس الماضية؟
لكنّ هذا الظرف يجعلُ من الصّدمة أمرًا لا مفرّ منه.
شخصٌ كانت تظنّه ميتًا، مع أستاذها الذي أصبح مُطارَدًا قيمته 100 مليار.
“يبدو أنّ عليّ التحدّث مع هذين أوّلًا. هل يمكنني سماع تقريرك لاحقًا؟”
قالها وليّ العهد لي، ثم استدار على الفور.
كان من الواضح أنّه لم يعُد لديه عملٌ معي.
“نعم، بالطّبع.”
أومأت برأسي، ثمّ بقيت واقفةً أُراقبهم وهم يبتعدون.
‘صديقةٌ لوليّ العهد، إذًا… حسنًا، من المنطقي أن تتعرّف على العائلة المالكة ما دامت ملكة مرتزقة.’
رغم أنّ اللقب يتضمّن ملك، إلا أنّه لا يُشير إلى حاكم أرض، بل هو مجرّد لقبٍ يُطلق على رئيس نقابة المرتزقة.
أمّا أصل هذا اللقب، فيعود إلى حربٍ قبل 300 سنة، وتفاصيله معقّدة، لذا لا يعرفها الكثير.
حتى المرتزقة أنفسهم لا يعرفونها.
لكن لا يوجد مرتزق لا يُمجّد ملك المرتزقة. وهو بدوره، دائمًا ما يتقدّم لحلّ مشاكلهم. يمكن تشبيهه بعلاقة سيّد برج السّحر بالسّحرة.
“أن تأتي ملكة المرتزقة إلى هنا، ألا يعني أنّ الأمر خطير؟”
انتظرتُ حتّى تفرّق النّاس، ثم اقتربت من إيان وسألتُه بهدوء. فكما أنّ سيّد البرج في موقعٍ محايد، فملكة المرتزقة كذلك.
لكنها أكثر قربًا من العائلة المالكة مقارنةً بسيّد البرج، وساهمت كثيرًا في الحرب قبل 20 عامًا. زد على ذلك، وليّ العهد هنا أيضًا.
“هل يعني هذا أنَّ شيئًا خطيرًا يحدث في القصر الملكي؟”
“…نعم، ربّما.”
لكن كان هناك أمرٌ آخر يُقلقني:
“ملكة المرتزقة من خرّيجي البرج، أليس كذلك؟ ألم تقل إنّه لا يجب أن يعرف البرج شيئًا عن هذا؟”
“صحيح. لم نتوقّع هذا أيضًا.”
“كيف عرفوا الموقع؟”
“جلالتُه لا يغادر العاصمة دون ترك معلوماتٍ عن وجهته، تحسّبًا لأيِّ طارئ.”
“وهذا هو الطارئ إذًا؟”
“…نعم. أمّا ذلك الرّجل، فهو الفارس الذي كان يُرافق سموّه في العاصمة. ربّما طلب المساعدة من ملكة المرتزقة بسبب صعوبة الطّريق.”
بعد أن رتّبت أفكاري، سألتُ:
“إذًا، لا تعرف شيئًا عن الكتاب المحرّم؟”
فأجابني إيان بالإيجاب.
وقد بدت الأمور كذلك فعلًا.
فإيريون التي أعرفها، كانت ستُسلّم الكتب المحرّم فور حصولها عليها.
‘على أيّ حال، يبدو أنّ القصر الملكي يواجه مشكلة.’
أسوأ ما يمكن توقّعه: الحرب.
في الفترة الأخيرة، كان حديث النّاس في العاصمة يدور كثيرًا حول التوتّر مع مملكة لافينسيا في الغرب.
حدثت حادثةٌ صغيرة عند الحدود، وتدهورت العلاقات بعدها.
الإمبراطور يزداد ضعفًا بسبب تقدّمه في السّن، ولو اندلعت الحرب، فالمسؤوليّة ستقع على وليّ العهد.
أنا لا أقلق عليه إطلاقًا، لكنّي قلقة على إيريون.
فالقصر سيطلب منها التعاقد والمشاركة في الحرب.
“أتمنّى أن لا يكون الأمر خطيرًا…”
تمتمتُ وأنا أحدّق في الاتّجاه الذي اختفى فيه وليّ العهد.
في تلك اللّحظة، عاد إيان ليفتح فمه مجدّدًا.
“ريكس.”
“نعم؟”
“هل يمكن أن أراكِ لاحقًا بعد العشاء؟”
“بالطّبع، أنا أيضًا أردتُ التحدّث معك.”
قلتُ ذلك بابتسامةٍ لطيفة، لكن ملامح إيان بقيت متجمّدة كما كانت في الأيّام الماضية.
حتّى أنّه قبض قبضتَيه بإحكام، وكان يبدو عليه نوعٌ من العزيمة الغريبة.
“حسنًا، نلتقي مساءً.”
لكن قبل أن أطرح سؤالًا، كان قد غادر أوّلًا.
باقي الرّفاق أيضًا كانوا يخرجون من الكهف.
وبينما كنتُ أراقب الأسلحة المعلّقة على خواصرهم، قال فيليون فجأة:
“كنتِ ترغبين في الحديث مع ذلك الرّجل؟”
“…كان عليّ أن أسأله عن إحساسي الذي شعرتُ به. فهو الوحيد هنا الذي يمكنني الوثوق به.”
“…..”
“رأيتَ تلك الأجواء الغريبة منذ قليل، أليس كذلك؟ حين طلبتُ المغادرة، لم يجبني، بل فقط نظر إليّ بثبات. أليس في الأمر شيء؟”
“حسنًا، صحيح أنّه غريب…”
“لكنّي سأعرف كلّ شيء من إيان. لا تقلق. لن أتحدّث عن أمر الحاجز السّحري.”
عدّلتُ حزام حقيبتي الثقيلة الممتلئة بالأدوات السّحرية.
كانت ثقيلة، لكنّني أحتملها.
فجأة، مدّ فيليون يده وأخذها منّي، وعلّقها على كتفه.
“كم تثقين به؟”
كان يشير إلى إيان.
لم أرهُ جيّدًا من قبل، لكن الانطباع الّذي تكوّن لديّ الآن: ‘يمكن الوثوق به كثيرًا.’
فهو من تحدّى رغبة الكونت فولكس ليُخرجني من البرج.
وأخفى كوني رايلي.
لكن لا يُمكنني قول الحقيقة كاملة، لذا قلتُ شيئًا يمكنني الهروب به.
“أثق بكَ أكثر.”
ثمّ دفعتُ كوعه بخفّة، فزمّ فيليون حاجبَيه قليلًا.
“هل قلتِ ذلك عن قصد؟”
“عن قصد ماذا؟ آه، إن كان يُثقلك الأمر، فلا بأس…”
“لا يمكن أن يُثقلني أبدًا.”
نبرته الحازمة فاجأتني.
وفي اللحظة التّالية، أخذ منّي حقيبتي الجلديّة الأخرى أيضًا.
رغم أنّها لا تزن شيئًا، لم أجد فرصةً للاعتراض.
كان يحمل الآن ثلاث حقائب، بما فيها حقيبته الخاصّة، بيدٍ واحدة.
“بإمكانكِ الاعتماد عليّ أكثر.”
ثمّ تقدّم بخطواتٍ واسعة إلى الأمام.
أذناه المحمرّتان كانتا لطيفتَين جدًّا، فلم أتمالك نفسي وضحكتُ.
***
فكّر فيليون في نفسه:
‘هل يُمكن ألّا أتخلّى عنها؟’
إيان لم يظهر حتّى بعد العشاء. وكذلك وليّ العهد، وإيريون ريفيل. من الواضح أنّ أخبار العاصمة ليست عاديّة.
‘أليس لديّ أمل؟’
في تلك اللّحظة، لم يكن يفكّر في أيٍّ منهم. ما شغل عقله بالكامل هو ريكس إيميل.
حديثهما داخل الحاجز، اليد التي أمسك بها أثناء خروجهما، كلماتها حين قالت إنّها تثق به أكثر من إيان،
واللّحظة التي ضمّته فيها.
‘أعتقد أنّ الأمل ليس معدومًا.’
صحيح أنّ فيليون إلفيرت في السابعة عشر لم يسبق له مغازلة أحد، لكنّه من النوع الذي يجذب النّاس تلقائيًّا.
مع ذلك، لم يفتقر إلى الثّقة. فوسامته، ونَسَبه، وثروته، ومهاراته… جميعها كانت في صالحه.
لكن هناك مشكلةٌ واحدة.
‘ريكس لا تملك أيّ حسٍّ في هذا المجال.’
متمدّد على سريرٍ مؤقّت، نظر إلى ريكس التي كانت تمشّط شعرها. جلست على الأرض بدعوى أنّها اتّسخت، واستبدلت ملابسها.
بالفعل، كانت متّسخة. وقد تشعر برغبةٍ في تسريح شعرها… لكن، لماذا تحديدًا…
‘قبل أن تذهب لمقابلة إيان سيرفيل؟’
ولهذا تأكّد من أنّها لا تملك أيّ إحساس.
لو كانت تعرف أنّه يملك مشاعر خاصّة تجاهها، لما كانت لتُغنّي وهي في طريقها للقاء رجل آخر.
ولم يعجبه الوضع أصلًا.
ذلك الوغد المزعج كان عليه أن يحضر في الوقت المحدّد لو كان يملك ذرة احترام.
‘أنا، لم أكن لأجعلها تنتظر أبدًا.’
حتّى حين عرض عليها أن يذهب ليتجسّس، رفضت ريكس الفكرة مباشرة. قالت إنّها خطيرة.
وهذا ما حدث في النّهاية.
هو ممدّدٌ بلا حول، يراقبها وهي تذهب لرؤية رجل آخر.
لهذا، كانت مشاعره تزداد سوءًا كلّ لحظة.
وكان يُفكّر باستمرار:
كيف يمنعها من لقاء ذلك الرّجل؟
حين تنتهي هذه المهمّة، لن يكون هناك سببٌ لرؤيتهما مرّة أخرى.
ماذا لو توقّف عن العمل؟ آه، قالت إنّ الغرامة مرتفعة، لكن…
‘أنا سأدفعها كلّها.’
ربّما سترفض ريكس، لكن لا بأس.
فهناك الكثير من الطّرق لإعطاء المال دون علم المعنيّ بالأمر.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات