الفصل 133 : الفصل الجانبي ⁴
ما إن فتحتُ عينيّ حتى خطر ببالي هذا الأمر.
‘مُنعِش.’
كان مُزعِجًا حتى تحريك إصبعٍ واحد. ظهري يؤلمني، وخصوصًا كتفيّ اللذين يبدوان وكأن أثرَهُما سيبقى ظاهرًا إذا وقفتُ أمام المرآة.
‘غُرفتي… لعلّي لم أُطرَد بعد.’
كان الوقتُ فجرًا. من رؤية الشجرة الملاصقة للنافذة وقد ابيَضَّت تمامًا، بدا أنّ الثلج قد هطل بكثافةٍ طوال الليل.
لكنني، لأنّ فيليون ظلّ ممسكًا بي طوال الوقت، لم أرَ الثلج يتساقط جيدًا.
‘كان يبدو لطيفًا حين بكى.’
غطّيتُ وجهي باللحاف وأنا أتذكّر ليلةً كان بعيدًا كليًّا عن اللطافة.
… لولا أنّ يدًا ما منعت اللحاف من الارتفاع.
صُعِقتُ وأنا أنظر إلى فيليون الممدّد بقربي تمامًا.
“كنتَ هنا بجانبي؟!”
“نعم، بقيتُ هنا طوال الوقت.”
لم أدرِ بذلك أبدًا. لستُ أعلم إن كان يُجيد إخفاء حركته أم أنّني كنتُ متعبة جدًّا.
“متى استيقظت؟”
“لم يَمضِ وقتٌ طويل.”
قبّل فيليون خدي. ثم ضمّني مع اللحاف في حضنه، وكانت في عينيه نظرةٌ تقول بوضوح إنه مسرورٌ بي إلى حدّ الهوس.
وفي اللحظة نفسها، تذكّرتُ مدى تعلّقه الشديد بي ليلة أمس.
لم يكن ذلك سيئًا. بل كان جيدًا بشكل مدهش. وهذه هي المشكلة. ما زالت كلّ التفاصيل تعود إلى ذهني!
“احمرّ وجهكِ. فيمَ تُفكّرين؟”
“… لم يحمرّ وجهي.”
وعندما رفعتُ اللحاف قليلًا لأخفي وجهي، دفن فيليون وجهه في عنقي وهو يضحك.
“لِمَ أنتِ لطيفةٌ إلى هذا الحد؟”
“هذه الجملة، لو سمعتها رايلي فولكس قبل 15 سنة لَفُزِعت.”
“ولو علمت أنّي ممدّدٌ هكذا معكِ لَسقطت مغشيًا عليها.”
“… ليس إلى هذا الحد.”
“بل إلى هذا الحد.”
شدّ فيليون ذراعيه حولي أكثر ثم قال:
“أنا قد فعلتُ شيئًا لكِ.”
كانت جملةً خفيفة، لكن الجوّ أصبح ثقيلًا بشكلٍّ غريب.
فجأةً تذكّرتُ ما فعله فيليون ليلة أمس.
حين التزمتُ الصمت وتنهدتُ، فإذا به يُظهر دموعًا متوقّعًا أنّي سأفترق عنه.
‘لعلّ فيليون كان قلقًا طوال الوقت أثناء وجوده بقربي…’
ومع هذا التفكير، شعرتُ أنا أيضًا بانقباضٍ ما.
أنا كنتُ مستمتعةً بوجودي معه، بينما هو، في أعماقه، كان خائفًا.
التفتُّ لأواجهه.
“فيليون.”
“نعم؟”
“أتدري كم مرّة خسرتُ ضدك؟”
فكّر قليلًا ثم أجاب:
“… خمس مرّات؟”
“مئة وإحدى وخمسون مرّة.”
“….”
“هزائم كافية لتراكم الكثير من الحقد.”
تجهّم وجه فيليون أكثر، وضعفَتْ قوّة ذراعيه التي كانت تحتضنني.
كانت عيناه تخشيان ما سأقوله تاليًا.
أخرجتُ يدي من تحت اللحاف وأمسكتُ وجهه ليُصغي إليّ جيدًا.
“ولن أتركك حتى أتخلّص من كلّ هذا الحقد.”
“….”
“وطبعًا، الحكم بأنّي ‘تخلّصتُ منه’ يعود لي وحدي.”
اتّسعت عينا فيليون قليلًا بدهشة، ثم ضحك وهو يعانقني مجددًا.
“سيستغرق ذلك عُمرًا كاملًا.”
“لعلّه كذلك.”
“جيّد، إنّه عرضُ زواجٍ على طريقة رايلي.”
قبّل جبيني ثم طرف عينيّ. وعاد ذلك التعبير الطفوليّ المبهور إلى وجهه.
وبينما كنتُ أندسّ في حضنه، خطر ببالي سؤال.
“ألا ينبغي أن تذهب إلى الكونت ديلاريك؟”
“… أن أذهب لرجلٍ آخر في يومٍ كهذا؟”
“لا، ليس رجلًا آخر بل…”
“وفي هذا الجوّ الذي أعاد تأكيد حبّنا؟”
“أم… لقد أخطأتُ.”
بدا عليه أنّه على وشك أن يَغضَب فعلًا، فآثرتُ الاعتراف.
أمال شفتيه بغضبٍ طفوليّ ثم ضمّني مجددًا.
“أرسلتُ شخصًا لجدي مع الفجر. لا حاجة لذهابي.”
“لكن عليك الذهاب في النهاية. متى ستذهب إذًا؟”
“… غدًا.”
لا يظهر يومين متتاليين؟!
ظهر الكونت ديلاريك الغاضب ماثلًا في ذهني. وحقًا، شعرتُ ببعض الانتشاء.
لكن، إن كان ذلك غدًا…
“أريد أن أستحمّ.”
أفلت فيليون ذراعيه عني بهدوء، ونهضتُ من السرير.
قد يكون هذا الأحمق قد نظّفني أثناء نومي، لذلك لم أشعر بالانزعاج كثيرًا، لكنني إن كنتُ سأخرج، فيجب أن أستعدّ جيدًا.
“هل أدخل معك؟”
“هاه؟ آه، ليس بعد… لستُ مستعدّةً نفسيًا…”
“مستعدةٌ لأيِّ شيء؟”
“أن يُرى كلّ شيء… لستُ جاهزةً لذلك بعد.”
“لكنني أعرف جسدكِ الآن أفضل منكِ.”
توقّفتُ وأنا ألفّ اللحاف حول جسدي.
“رايلي، لديكِ ثلاث شاماتٍ على خصركِ.”
شعرتُ بوجهي يشتعل فجأةً.
“آ… على أيّ حال، لا!”
هربتُ إلى الحمّام بسرعة.
وبينما أحاول قمع ذكريات ليلة الأمس التي لا تكفّ عن التدفّق، نظرتُ إلى المرآة.
طبعًا يبدو أنّه يعرف. فقد… نعم، كان من الطبيعي أن يعرف. حقًا لديّ ثلاث؟ لماذا لم أرَها قط…؟
“ليس هناك شيء! أيّها الأحمق!!”
“هاهاها!”
“اخبرتك إلا تُطلق نكاتٍ سخيفة!”
“أتمنى فقط أن تستعدّي سريعًا. أليس كذلك؟”
قاومتُ رغبةً عنيفة في صفع ظهره، وعدتُ إلى الحمّام.
ثم بعد قليل، أخرجت رأسي من الباب.
“ما الأمر؟ هل تحتاجين شيئًا؟”
“… نعم، لكنني نسيتُ مؤقتًا بسبب تعليقك الغريب.”
“ما هو؟”
“أم… أثناء استحمامي، جهّز نفسك للخروج أيضًا.”
“هاه؟ نخرج؟”
“الأمر أنّ… أريد أن أشتري خاتمك.”
أحسستُ أنّ الحرارة وصلت حتى أُذني، لكنني تماسكت وأكملتُ وأنا أتشبّث بالحائط.
“على أيّ حال، ستذهب للكونت وتخبره. أريد أن أضع علامةً أيضًا.”
“….”
“أنكَ ملكي…”
وبعد لحظة، قال فيليون:
“حقًا إلا يمكنني الدخول؟”
أغلقتُ الباب بلا جواب. بقوّة!
***
كان الكونت ديلاريك في مزاجٍ سيّئ جدًا.
‘أنا مشغولٌ اليوم فنلتقِ غدًا؟ هاه، هذا الولد…؟’
لم يكن ينتظر ترحيبًا، لكن هذا كثيرٌ بالفعل.
قال البارحة إنه سيأتي، ثم لم يظهر على الإطلاق.
‘لعلّ أمرًا سيئًا حصل له؟’
راوده هذا الشكّ طوال العشاء، لكنه لم يجد وسيلةً للسؤال.
فزعيم النقابة لم يشأ أن يخبره أين يوجد فيليون.
—”أتفهّم قلقك يا كونت، لكن… معذرةً، إنه فيليون. لا أتصوّر أن يُلحق به أحدٌ الأذى.”
وكان الكونت يظنّ ذلك أيضًا.
حتى ظهرت رايلي فولكس.
‘هل طلبت منه تلك المرأة ألا يأتي؟’
نظر الكونت إلى الرسالة القصيرة التي وصلته صباحًا من فيليون، ثم نقر بلسانه.
لهذا السبب ظلّ متماسكًا أمام وجهها، لكنه ما إن حاولت تلك المرأة التقرب منه بـ”مودةٍ مصطنعة” حتى انهارت تمثيليته.
لا يزال الكونت ديلاريك يكره رايلي فولكس.
يكره أنها السبب في أنّ فيليون قرر قتل الإمبراطور، ويكره أنها جلبته معها إلى هذه القارة الشرقية البعيدة.
لكن أكثر ما يكرهه…
‘أنها لا تحبه، لكنها تمثّل ذلك.’
لماذا لا تحبه؟ الأمر بسيط. لأنها فولكس.
بل كانت أكثر من أحبّ كونت فولكس واتبعه بين تلاميذه. وكما كره الكونتُ فيليون، فلا شكّ أنها تكرهه أيضًا.
ثم إنّ رايلي كانت دائمًا الخاسرة أمام فيليون.
لم يكن ينسى أبدًا ما كان تلاميذه يتهامسون به عنها. ومن الطبيعي أن يخلّف ذلك حقدًا.
‘كونه يحبّها… حسنًا، هذا قد أقبله الآن. لكن أن تكون المشاعر متبادلة؟ مستحيل. أبدًا.’
ومع ذلك، وجودها بقربه له سببٌ واضح: لأنها وجدت فيه قيمةً يمكن استغلالها.
هو الشخص الذي كان سيقتل الإمبراطور لأجلها.
لقد وجدت عبدًا يضعها أوّلًا، فكيف تتخلى عنه؟
‘هذا أسلوب فولكس. يجب إنقاذ فيليون منها قبل أن يزداد جرحه.’
نعم، الكونت ديلاريك جاء إلى القارة الشرقية ليُبعِد رايلي عن فيليون.
ولهذا اصطحب معه بريجيت، خطيبة فيليون السابقة.
لأن فيليون قال يومًا: “سأَتزوّج بريجيت.”
جملة “سأتزوج” كانت مُقلِقة قليلًا، لكنه قالها على أيّ حال.
بريجيت كانت الوحيدة التي ذكرها هكذا. وكان يتحمّلها رغم إزعاجها.
الآن يبدو تمامًا واقعًا في غرام تلك المرأة… لكنّ الكونت جاء ببريجيت كمن يتشبث بقشّة.
‘لعلّ الذكريات القديمة مع بريجيت توقظه لاحقًا.’
وبعد أن رتب أفكاره، نادى أحد خدمه.
“أحضِر بريجيت. سنزور نقابة السحرة سويًا.”
“أم… الواقع أنّها خرجت قد منذ الصباح الباكر.”
“ماذا؟”
“لقد قابلتُها في الردهة حين خرجت. ولم تعد بعد. ولم تُصرّح بموعد عودتها.”
تنهد الكونت طويلًا وسأل مجددًا:
“حسنًا. وماذا عن مكان إقامة فيليون؟ لعلكَ عرفتَه؟”
“نعم، قيل إنه في سكن النقابة، ولكن…”
“لكن ماذا؟”
“كلّ من قابلتُ قال إنه لا يمكن إخبار الغرباء بموقع السكن.”
“… هل ذكرتَ أنك تابعٌ لعائلة ديلاريك؟”
“آسفٌ يا سيدي…”
حتى ذكر نسبه لم يُفِد إذًا.
لم يكن يتوقع هذا. فقد اختار هذه التابع تحديدًا لأنه ذو ملامح لطيفة وطبعٍ اجتماعيّ يستطيع انتزاع المعلومات بسهولة.
“… ماذا عن طريقة عيش فيليون في النقابة؟ هل حصلتَ على ذلك؟”
“نعم. يبدو أنّ حياته لا تختلف كثيرًا عن تلك التي قضاها في برج السحر. علاقته بالجميع جيدة، ونتائج أبحاثه ممتازة.”
طبعًا. حفيده! ارتسمت ابتسامةٌ على شفتي الكونت. لكن سرعان ما اختفت حين قال التابع:
“ويبدو أيضًا أنّه ينسجم جيدًا مع رايلي فولكس.”
تمتم الكونت بمرارة:
“إذن ما يزال يتملّق تلك المرأة…”
“لا أظنّ ذلك—”
“لا بدّ أنّه مجروحٌ الآن…”
“أظنّ العكس تمامًا يا سيدي.”
لم يوقف هذا اعتراضُ التابع سيلَ أوهام الكونت.
وحين تخيّل فيليون راكعًا أمام رايلي يتوسلها، كاد الكونت يبكي.
“استعدّ للخروج. يجب أن أقابل زعيم النقابة فورًا.”
“ح… حاضر.”
وعلى خلاف فيليون، كان لقاء زعيم النقابة سهلاً.
فما إن دخل الكونت مكتبَه حتى ترك الزعيم عمله واستقبله بحرارة.
وبتناول الشاي ذي الرائحة الزكيّة، بدأ الاثنان حديثهما.
“… وعلى هذا، أودّ استكمال حديثنا السابق عن الطلاب.”
“هل اتخذت القرار بالفعل؟ من دون أن تتجوّل أكثر في النقابة؟”
“في مثل سني هذا تتطور عينُ المرء في تقييم الناس. وبما أنّ شخصًا مثلك يبذل جهده هنا، فلا شكّ أنّ المكان ممتاز. لا حاجة لرؤية كلّ شيء.”
“هذا لطفٌ كبير منك. شكرًا على حسن الظن.”
حكّ الزعيم مؤخرة عنقه وهو يبتسم بخجل.
شعر الكونت أنّ اللحظة المناسبة قد حانت.
“غير أنّ لديّ شرطًا واحدًا.”
“شرط…؟”
“ربما يكون مزعجًا لك، ولكن…”
“تفضّل. سأحاول تلبية ما أستطيع.”
ابتسم الكونت في سرّه، ثم قال بنبرةٍ جادّة:
“أودّ أن تطرد رايلي فولكس من نقابة السحرة.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿ 《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 133"