الفصل 121 :
غطّت أصابعه طرف خدّها.
“هنا، لَطَّختِ.”
كان هناك قليل من الكريمة البيضاء. لم تكُن موجودةً أصلًا على خدّها، بل كان قد لوَّث إصبعه بها مسبقًا.
لكن رايلي لم تُدرك ذلك على الإطلاق.
“آه؟ أُه، شكرًا.”
على النقيض، بايون الذي كان يُحادثها وهو يحدّق بها طوال الوقت، انتبه للأمر. حاجبه ارتفع فجأةً مندهشًا من هذا التصرّف الحميميّ المفاجئ.
تلقّى فيليون نظرة بايون التي تسأله عمّا يفعله، فأجابها بابتسامةٍ هادئة. ثم حاول أن يرفع يده الملطّخة بالكريمة إلى فمه.
وكما كان متوقعًا، قبضت رايلي على يده بسرعة.
“لا تفعل.”
“ماذا؟”
“قلتُ لا تفعل، وحسب.”
استدارت بجسدها بالكامل نحوه، وأخذت تمسح يده جيّدًا بمنديل.
بينما ظلّت نظرات فيليون وبايون متشابكةً بحدةٍ فوق رأسها.
وما إن فتح بايون فمه ليحادثها من جديد، حتى سبقه فيليون.
“لينا.”
ناداها قبل أن يتكلّم بايون.
“أشعر أن صحّتي ليست بخيرٍ قليلًا.”
“ماذا؟ أيُّ جزء؟ كيف؟”
“يبدو أنّه بسبب استخدامي السحر بعد مدّةٍ طويلة.”
قبل خمس سنوات لم يكن مثل هذا الكذب لينطلي عليها، لكن الآن صدّقته. عينا رايلي غمرتهما القلق.
أخفى فيليون ابتسامة الرضا بصعوبة، وأطلق تنهيدةً متصنّعة.
“أظن أنّ عليّ أن أعود إلى الغرفة…”
“حقًّا؟”
قفزت رايلي من مقعدها فورًا.
“سندخل أولًا. تفضّلوا أنتم وأكملوا الطعام بهدوء.”
“آه؟ آه… ن-نعم، تفضّلا.”
“هل تستطيع أن تمشي وحدك؟ أساعدك؟”
“نعم.”
وفي اللحظة نفسها، أمسك فيليون يدها وكأنّه كان ينتظر هذه الفرصة. وقبل أن يغادرا المطعم، لم ينسَ أن يبتسم باتجاه بايون.
حين عادا إلى الغرفة، جلس فيليون على السرير مطيعًا، حيث قادته رايلي.
حسنًا، لقد نجح في إبعادها عن الآخرين.
“أين يؤلمكَ بالضبط؟”
تابع فيليون تظاهرَه بالمرض.
“…أظن أنّ تدفّق المانا ليس جيّدًا. إذا ارتحتُ قليلًا سيتحسّن.”
“أتُراك ستكون بخيرٍ هكذا فقط؟ ماذا عن تناول جرعة؟ لا، الأفضل أن تخلع ثيابك قليلًا. عليّ أن أتحقّق أولًا قبل أن—”
تخلع؟
“لقد… تحقّقتِ من قبل إذًا؟”
ألقى الكلمة بخفّة، فارتجفت كتفاها. انطفأ حماسها في لحظة.
أخذ فيليون يعدّ في ذهنه ما قد حدث بينها وبين ‘ذلك الشخص’.
من تصرّفها الآن يتبيّن أنهما لم يلتقيا مرّةً واحدة فحسب. لا بدّ أنّها شرحت له بوضوح، بما أنّه لم يكُن يعرف السحر أصلًا.
‘أما أنا، فلم أفعل معها سوى الشجار…’
لقد هربا معًا، تشاركا الغرف، وربّما تظاهرا بكونهما زوجين لإخفاء هويّتهما. ثم…
“لقد داعبتِ شعره أيضًا، صحيح؟”
اتّسعت عيناها فجأة.
“تذكرتَ؟!”
“…كما توقّعت، تُخفين بذلك.”
“لا! لم أُخفه، لقد صُدمت فقط! كيف تذكرت؟”
“بذلتُ جهدًا حتى الموت.”
كانت كلماتٍ نصفها مزاح ونصفها مرارة. لكنّها أثّرت فيها.
تردّدت قليلًا، ثم جلست بجانبه.
“ل-لا تُجهد نفسك إلى هذا الحد.”
وبحركةٍ متردّدة جدًّا، مرّرت يدها حول كتفه. كانت بطيئةً ومتردّدة حتى بدت وكأنها مجرّد التفاف ذراع صداقة، لكن فيليون ساعدها ليكتمل العناق.
دفن وجهه في كتفها وهو يبتسم. وفكّر أنّ هذا يجعله يرغب في بذل المزيد.
“انتظر. ماذا عن مرضك؟”
“أممم… أظنّ أنّني بخير الآن. ربما لأنّكِ بقربي.”
قالها بدلال، ثم جذبها أقرب.
رايلي شعرت بالغرابة حينها.
“لا تقل أنّكً كنت تتظاهر؟”
“لا أستطيع القول إنه تظاهرٌ تمامًا. المانا التي خرجت مرّة…”
“هل كنتَ تتألم؟”
“…لا.”
“……”
“آسف.”
قطّبت جبينها وحدّقت فيه، ثم أعادت ذراعيها حول عنقه.
“بما أنّكَ قلت الحقيقة، سأعفو عنك.”
تنفّس فيليون الصعداء.
“إن لم تُردي أن أتحدث مع بايون، فَـ قُلها بوضوحٍ فقط.”
“انتبهتِ إذًا؟”
“بعد أن كذبتَ للتوّ. هل كان الأمر مزعجًا لهذه الدرجة؟”
“بذلتُ جهدي كيلا أرميه في البحر.”
ضحكت رايلي بصوتٍ عالٍ.
“لكن لِمَ قلتَ تلك الكلمات عن أنني سأذهب لرجلٍّ آخر؟”
لأنها الحقيقة.
إن جاء يومٌ وصارحتْه رايلي بأنّها وقعت في حبّ شخصٍ آخر، فسيغادر فيليون جانبها. لم يُرِد أن يصير مثل سيريوس. أقسم مرارًا على ذلك.
…لكنّه أدرك أنّه لا يستطيع تحمّل رؤية بطاقة دعوة زواجها.
مع الأولى شعر أنه فقد صوابه، فما الذي قد يفعله مع الثانية؟ حتى هو لا يعرف.
‘حينها ستكرهني حقًّا.’
ولذا، قبل أن يحدث ذلك، كان عازمًا أن يُحاول بطريقته.
وفوق هذا، بايون ليس وسيمًا أصلًا.
على الأقل، عليه أن يكون أجمل منّي.
“رايلي.”
“ماذا؟”
“لا شيء. فقط… لأنني أحبُّكِ.”
كانت هذه الكلمات قد قالها في الماضي أيضًا، لكن فيليون حينها لم يكن واعيًا لما تعنيه.
***
عاد فيليون تدريجيًّا كما كان.
…ليس بمعنى أنّه عاد إلى ذلك الشخص المزعج، بل بمعنى أنّه لم يعُد غريبًا البقاء معه.
صار حديثهما سلسًا، وحتى الصمت العابر لم يعُد ثقيلًا.
بدأت رايلي تفكّر أنه ربما سيكون ممتعًا قضاء الوقت معه حتى في القارّة الشرقية. وصارت تنتظر وصول اليوم بلهفة.
كانت تُخبره شيئًا فَشيئًا عن القارّة الشرقية.
“لا يوجد برج سحري هناك، لكن توجد نقابة سحرة.”
“وأنتِ؟ هل سجّلتِ فيها؟”
“أنا مسجّلةٌ في نقابة المرتزقة. ليس ضروريًّا على الساحر أن يُسجَّل هناك. ثم إنّ أغلب من فيها منغمسون بالبحث، فلا يمكن كسب المال عبرها.”
فكّرت قليلًا، ثم أضافت:
“لكن هذه المرّة… أريد أن أسجّل. معك.”
“……”
“لا أظنّ أننا قد بحثنا معًا من قبل.”
قالتها بخجلٍ كأنها تهمس، لكنه فهم.
“نعم. فلنذهب، معًا.”
بدأا يضعان خططًا أخرى، أشبه بجولاتٍ سياحيّة.
المال الذي منحه الإمبراطور كان كثيرًا، لذا لم يشغلا بالهما بمصاريف العيش. ما أجمل هذا اليسر! مجرد التخطيط كان ممتعًا.
وظلّت علاقتها مع المرتزقة جيّدة.
في البداية كانت حذرةً بعد أن خانها رجال وليّ العهد، لكن كلما عرفتهم أكثر، وجدَتهم أناسًا طيّبين. بذلك، انحسرت كراهيتها للبشر كثيرًا.
‘صحيح، يوجد في العالم أناسٌ طيّبون أيضًا.’
فقط لأنّ أحدهم خذلها، لا يجب أن تُسقط ذلك على الجميع. وإلا، ستؤذي أشخاصًا طيّبين حقًّا. لقد تعلّمت درسًا عظيمًا بتجربتها.
ثم جاء اليوم السابق لوصولهم القارّة الشرقية.
“غدًا سنصل. ما رأيكَ أن نتعشّى معًا الليلة؟”
“آه، لِمَ لا؟”
بينما كانت تتمشّى على السطح صباحًا، التقت بالمصادفة أحد المرتزقة الذين عملت معهم أولًا مع هيميل، واسمه أليكس. ابتسم بسخريةٍ وسألها.
“هل لدى فيل وقت؟ لقد صار صديقًا مقرّبًا للقبطان مؤخرًا. لعلّه سيتعشّى معه؟”
“هاه، إن جاءت لينا لتأكل معنا فسيأتي هو أيضًا! فهو حبيبها!”
قالها وكأنّه أمرٌ مفروغٌ منه. ومع أنه منطقيّ بعد أن شاهدوها معه دومًا، إلا أنها ارتبكت.
“ل-لا… لستما… أليس كذلك؟”
تردّد بايون الذي تلقّى الأنظار.
“لقد… قلتِ بنفسكِ أنه زميل عمل.”
“……”
“فيل قالها… بنفسه…”
ثم تحوّلت العيون نحوها. حتى بايون كان يُحدّق بها وكأنه يطلب جوابًا.
فقالت: “لا.”
“هاه؟ ماذا تقصدين؟”
“ماذا يعني ذلك؟”
صرخت بصوتٍ خافت.
“إنّه حبيبي…!”
أحسّت أن وجهها احترق. أدركت من جديد أنّها لا تملك مناعةً ضدّ العلاقات العاطفيّة.
لقد عاشت عمرها الماضي تكافح لجمع المال. وفي حياتها الحالية، كرّست نفسها للسحر والبقاء. لم تكوّن علاقات حقيقيّة.
حتى بعد أن أصبحت أكثر حريّة في القارّة الشرقية، لم يخطر ببالها قطّ أن ترتبط بأحد. كأنه شيء من عالمٍ آخر.
لكن مع فيليون الآن…
“ها! كنتُ واثقًا!”
ضحك أليكس بصوتٍ عالٍ وربّت على ظهرها.
“جيّد! مبروك!” قال المرتزقة الآخرون، ما عدا بايون.
لم يسألها أحدٌ منذ متى بدأت العلاقة. يبدو أنهم راعوا شعورها. ابتسمت ممتنّةً لذلك.
وفي تلك اللحظة، رأت فيليون واقفًا عند نهاية الممرّ.
“هاه، ها هو!”
“ما الذي تتحدثون عنه بحماسٍ هكذا؟”
“أردنا أن نأكل العشاء معًا الليلة.”
ابتسم المرتزق دارين، صديق هيميل القديم، وسأل عن العشاء. أجاب فيليون ببساطة، وأوضح أنّه لم يُدعَ من القبطان.
“سنلتقي على العشاء إذًا.”
“نعم، إلى اللقاء!”
جرّ أليكس ودارين بايون بعيدًا بابتساماتٍ ماكرة. واتّضح أنّهم يتجهون نحو السطح.
بعدها عادت رايلي نحو غرفتها. تبعها فيليون أيضًا.
‘هل سمع؟’
لم يعلّق بشيء، مِما جعلها متردّدة. بدأت ترتّب الكتب على الطاولة لتخفي ارتباكها.
‘هل أعيد قولها له؟’
لم يكن الأمر رفضًا أو تردّدًا، بل كان الحياء فقط.
لكن فجأة، التفّت ذراعٌ حولها من الخلف وجذبتها.
“رايلي.”
وضمّها فيليون بقوةٍ أكثر من المعتاد.
قفز قلبها. لقد كانت تستعدّ لاعترافٍ شبيه بالاعتراف، فارتبكت تمامًا.
همس قرب أذنها بصوت دافئ:
“ستجعلينني حبيبكِ، أليس كذلك؟”
“…إن لم تُرِد، فلا.”
“أريد. سأكون رائعًا. أنا واثق.”
دفن وجهه في كتفها. مدّت يدها وربّتت على رأسه. أحسّت بخفقات قلبه السريعة.
“سأجعلكِ تستمتعين لدرجة أن يمرّ الوقت دون أن تشعري.”
سمع ذلك أيضًا! أذنه حادّةٌ حقًّا.
زفرت بخفة، ثم طرقت على يده ليفلتها.
استدارَت نحوه، عدّلت خصلاته الطويلة، وربّتت على خدّه.
“لا داعي لبذل جهدٍ زائد.”
“……”
“أ… أنت تفعل هذا بالفعل، يكفيني.”
كانت تريد أن تقولها بأناقة، لكنها خرجت متعثّرة. ومع ذلك، بدا أنّ فيليون راضٍ جدًّا. ابتسم بأبتسامةٍ مشرقة وعانقها مجددًا.
بادلته العناق.
فعلاً، كانت حياتها أجمل بكثيرٍ مما تخيّلت.
‘لم أدرِ أنّ البقاء مع أحدٍ سيكون ممتعًا إلى هذا الحد.’
عشاء ذلك اليوم مع المرتزقة كان ممتعًا أيضًا.
وفي اليوم التالي، كان الطقس جميلًا، فمرّت رحلتهم بسلام.
لاحقًا، سجّلوا اسميهما في نقابة السحرة، وأجروا أبحاثًا سحرية معًا. كما سافروا إلى أماكن مختلفة في القارّة الشرقية.
ومضت أربع سنوات.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 121"