كانت فرقة فرسان ميرماجندي تركض بالخيول نحو مجرى النّهر السّفليّ حيث من المحتمل أن تُحمل الجثّة بالماء.
يحملون المشاعل، يفتّشون كلّ منعطف ومضيق وما حول دعائم الجسور بتدقيق.
لكن حتّى حلول اللّيل لم يعثروا على جثّة واحدة.
من ضفّة النّهر الجنوبيّة البعيدة، تصاعد دخان خافت.
استغربوا الدّخان فتبعوه، فإذا بهم يصلون إلى تلّة صغيرة وحيدة تبرز في المنطقة بغرابة.
“ما هذا بحقّ الجحيم؟”
أدرك نيكولاس فجأة أنّها كومة هائلة من الجثث.
كان أفراد حرس المدينة يخرجون الجثث على النّقّالات اثنين اثنين. عاد غريك بعد أن تحدّث إلى المتعبين منهم وقال:
“سيدي الصّغير.”
“ما الأمر؟ يبدو الأمر وكأنّ حربًا قد اندلعت.”
رفع نيكولاس عينيه إلى السّماء الكالحة ينتظر تقرير نائبه.
كانت هناك بقعة واحدة فقط مضيئة بشكل لافت، وكان ذلك لأنّهم أحرقوا الجثث بعد تجميعها.
أبلغ غريك بجدّية:
“حرس المدينة لا يزال يحاول فهم الوضع، لكن يبدو أنّ مذبحة جماعيّة وقعت هنا. كلّ القتلى الذين تمّ التعرّف عليهم حتّى الآن من قطّاع الطّرق، ولم تكن بينهم امرأة واحدة. قائد الحرس لا يعرف مَن قاتلهم.”
“قطّاع طرق ظهروا في كالت؟”
“نعم، هكذا الأمر. يجب أن نواصل نحن البحث عن الأميرة بأنفسنا.”
كانت الظّروف غريبة جدًّا.
لم يرَ أحد في ميرماجندي دخان إنذار أو يصل رسول.
ولو اندلعت حرب فعلًا في جنوب شرق المملكة، لكان الحرّاس لاحظوا أيّ علامة بالتّأكيد.
ورغم جهودهم، لم تظهر جثّة الأميرة أبدًا.
بدأ أفراد الفرقة المنهكون يدورون في الأماكن التي فتّشوها سابقًا.
أوقف نيكولاس جواده أمام حقل قصب مشكّل على أحد روافد النّهر، ونظر إلى المدينة الغارقة في ضباب الماء.
‘إذن لم تكن بلاغًا كاذبًا. هل أختي حقًّا بخير؟’
بسبب المطر الذي هطل البارحة، انخفضت درجة الحرارة في المنطقة الشّرقيّة أكثر.
اقترب غريك منه وهو يمسح أنفه من البرد بعد طول التّعرّض لريح النّهر الباردة، وقال:
“سيدي نيكولاس، ألا ننضمّ مجدّدًا إلى الفرقة الرّئيسيّة؟”
“… نعم، سيكون من الأفضل قبل أن يعمق اللّيل. نادِ على كلّ الفرق المبعثرة.”
انحنى غريك تحيّة.
بينما كان غريك يجمع الفرسان، انطلقت كلاب الذّئاب فجأة نحو جهة واحدة.
تبادلا النّظرات ثمّ تبعاها.
لمّا اقتربت الخيول بضجيج، خفضت الكلاب ذيولها وعادت إلى صاحبها.
نزل نيكولاس من جواده وداعب رأس الكلب المرقّط وقال:
“أحسنتِ، مايا. أنتِ تستحقّين طعامك حقًّا.”
ثمّ رفع بصره إلى مَن عثرت عليهما مايا.
الذي يرتدي العباءة المغطّية حتّى رأسه بدا امرأة من هيئتها.
أمّا الرّجل الأسود الشّعر فكان ممسكًا بيدها، عيناه لا تفارقان فرصة الهروب، حذرًا لا يهدأ.
رغم أنّ كلّ الطّرق مسدودة، كانت نظراته الحادّة المسمومة تزعج الأعصاب.
التعليقات لهذا الفصل " 30"