008
حين قال إنه لا ذَلك، نظر إليّ فجأةً. كانت نظراتُه حادّةً كأنّها تخترقني، شفافةٌ مثل الجمشت.
“……هَذا غيرُ معقول!”
تأخّرتُ قليلًا في الردّ بسبب ذَلك.
شَدَدتُ قبضتي على حافة القارب لا إراديًّا.
تمنّيتُ لو بدا عليّ الارتباك بسبب شائعةٍ لا تُصدّق.
إذا تأجّل الزواج لهَذا السبب، فخطّتي ستنهار. غابت الدماء عن وجهي.
‘إذا كان الأمر كذَلك… كيف…’
ماذا لو سمّم داميان الإمبراطور لأنني استعجلتُ في إقامة حفل الزفاف؟ أليس مُمكنًا أنْ يكتفي هَذهِ المرّة بالإمبراطور وحده؟
لا، في اللحظة التي يُسمّمه فيها، سيتخلّى أبي عن داميان.
‘وإنْ حدث ذَلك، فقد يُبيد عائلتنا قبل أنْ تستيقظ إستيل كقدّيسة.’
تراءت ليّ صورة إستيل وثيو مرميَّين وسط الخراب.
شَعَرهُما المتلألئ أصبح رمادًا باهت اللون، وصدرُهما مغطّى بلونٍ أحمر.
شعرتُ بضيقٍ في صدري، وكأنَّ أنفاسي تختنق. ارتجف جسدي، لكنّي تكلّفتُ الابتسام.
‘إنْ بقيتُ بهَذهِ الحال، سيكتشف شكوكي.’
تماسكي، فكّري في حلٍّ بسرعة.
رغم ذَلك، استمرّ بصري في التعتيم تدريجيًّا.
“روز.”
لامسَ كتفي دفءٌ لطيف. وعاد بصري فجأة، كأنَّ الغيوم قد انقشعت.
اقترب داميان دوّن أنْ أشعر مِن مركز القارب بعدما كان عند الطرف. واهتزّ القارب.
“بحذر، تعالي إلى المنتصف.”
ابتسم وهو يمُدّ يده ليضعها فوق ظاهر كفّي.
ثم، بلطفٍ كما لو كان يتعامل مع زجاجٍ هشّ، حرّر يدي مِن حافة القارب.
وجذبني نحوه. اقتربتُ منه بتردّدٍ دوّن وعي.
تواجهنا هَكذا.
أقرب مِن ذي قبل. رسمت شفتاهُ انحناءةً سلسة.
“أترَين؟”
همس وهو يُبعد خصلةً مِن شعري خلف أذني بيدهِ الحرّة.
خلف الهمس، سُمِع خرير الماء وضحكات الناس.
نظرتُ إليّهِ، ثم أدرْتُ بصري ببطء. كان هُناك الكثير مِن الناس على القوارب.
“…همم”
رغم المسافة، كان بوسعي أنْ أُدرك ما يفعلونه.
رفرفة المجداف في الماء، النساء اللاتي يُخفين أفواههنّ.
والنظرات الخفية التي تتظاهر باللامبالاة وتُرمقنا بطرف العين. لا بدّ أنهم جميعًا يعرفون مَن نحن.
“إنْ كانت الشائعة هي المشكلة، فنحُن نعرف كيف نُسكت الشائعات، أليس كذلك؟”
قال ذَلك بصوتٍ خافتٍ كأنّه يُغويني. أومأتُ برأسي.
يده التي لامست أذني انزلقت على طول خطّ فكي. أمسك بذقني برفق.
“اسمحي ليّ للحظة، روز.”
اغفري لي إذن. همسه كان دافئًا وهو يتلاشى عند أذني. ثمّ اقترب منّي أكثر.
أغمضتُ عينيّ بمعنى القبول.
لامست شفتاهُ شفتيّ بلطف.
‘هل هَذا هو السبب الذي جعله يطلبُ مرافقتي إلى البحيرة؟’
شعرتُ بوخزٍ في ظهري كأنَّ ريشةً تُلامسه، وارتفعت حرارة عُنقي فجأةً. لمسة شفتيهِ كانت تُدغدغ.
لم يُلصق شفتيهِ كما يفعل عند تقبيلي على الجبهة، بل كانت هُناك مسافةٌ دقيقة تُثير الإصرار.
ثم…
‘إلى متى سنبقى هَكذا؟’
منذُ أنْ أغمضتُ عينيّ، حبسْتُ أنفاسي دوّن أنْ أدري، ولَمْ يبدُ أنّه ينوي أن يبتعد.
كانت يده تمسك بيدي برفق، لكن أصابعه تسلّلت بين أصابعي، وتشابكت يدانا.
بدأ رأسي يُغيم شيئًا فشيئًا.
وفي النهاية، دفعتُ كتفه بيدي الحرّة.
بمُجرّد أنْ افترقت شفاهنا، اندفعت أنفاسي المحبوسة.
“اهه.”
ثم نزعتُ يدي مِن بين أصابعه. حتى وإنْ كان ذَلك للعرض، كان في الأمر شيءٌ غريب.
نقص الأكسجين والحرارة الكثيفة جعلت رأسي يدور.
‘ما الذي يحدث؟!’
حين نظرتُ إلى سطح القارب وأخذت أتنفّس بعمق، شعرتُ بسخونةٍ تتصاعد في رأسي.
ما الذي كان يُحاول فعله؟ الحرارة التي تصاعدت لَمْ تهدأ، بل أخذت تغلي.
رفعتُ رأسي لأنهره.
“داميان! مهما كان الأمر…”
لكنّي لَمْ أستطع إكمال الحديث. كان يُخفي فمهُ بيده، ووجهُه أحمر مثل ورقة شجرٍ الخريف.
“…أعتذر، روز.”
كانت النظرة في عينيهِ قد تَغشّت بحرارةٍ العاطفة. ظلّ يُحدّق فيّ طويلًا دوّن أنْ ينبس بكلمة، وهو يُخفي فمه بيده.
فتحتُ فمي، لكن لَمْ أستطع قول شيء. لَمْ يكُن يُسمع سوى صوت الأمواج الخفيفة تضرب سطح البحيرة.
كان الهدوء مِن حولنا شديدًا لدرجةٍ تُثير الدهشة.
‘آه…’
سقط الإدراك في داخلي كالصاعقة. ما يعنيه هَذا الصمت كان واضحًا تمامًا.
هَذهِ المرّة، احمرّ وجهي لأجل سببٍ آخر.
كنتُ أرغب في البكاء، وكلّ شيءٍ بات مشوّشًا، لكنني قاومت ذَلك الشعور وابتسمتُ بتكلّف.
“لا، لقد تفاجأتُ فحسب. ليس لأنني لا أحبُّكَ.”
أمسكتُ بيده بإحكام وسحبتها إلى الأسفل.
ثم همست، وأنا أنظر إلى شفتيهِ المتيبّستين وعينيه المشتعلتين.
“وأنا أيضًا أحبُّكَ، داميان.”
عند سماعه تلكَ الكلمات، ابتسم ابتسامةً مشرقة.
***
“كذب.”
كان داميان يُحدّق في الشفاه التي تتحرّك أمامه.
شفاهٌ لا تتذكّره، ومع ذَلك تقول إنها تُحبّه.
لو كانت تُحبّه حقًّا، لما أمكنها نسيانه بهَذهِ السهولة.
حتى اليوم، رمتْه كما يُرمى الحذاء البالي، وأتت إلى هُنا لتلهو مع ذَلك الشخص بدلًا منه.
في كلّ مرة يرى فيها تلكَ الشفاه تتفوه بالأكاذيب، كان عليهِ أنْ يكبت رغبته في عضّها.
‘… لكن، يُمكنني التغاضي عن هَذا القدر مِن الكذب.’
ما دامت لا تنوي تأجيل الزواج أو فسخه.
مع ذَلك، كان يرغب أحيانًا في معاقبتها قليلًا لأنها تنساه ولا تفهم مشاعره. لعلّ هَذا القدر يُعدّ مقبولًا. رُبما يجدر بها تحمّله أيضًا.
مثل القبلة التي لَمْ يكُن مِن الممكن التخلّي عنها، كانت مشاعره تمضي قدمًا مِن طرفٍ واحد.
كانت عيناها تُحدّقان بهِ ببريقٍ يُشبه الياقوت الأحمر.
لكن رغم أنَّ نظرتها كانت مُوجَّهةً نحوه، إلا أنْ ما في داخلها كان يحجبُها، كنافذةٍ في ليلةٍ عميقة.
وكان التوتّر الذي يُفضح كلّما ارتبكت، يُشير إلى قلقٍ لَمْ تتمكّن مِن إخفائه.
ومع ذَلك، كم كانت جميلة!
“أنا سعيد.”
قال ذَلك وهو يُمسك بيدها بإحكامٍ ويُخفض بصره.
الابتسامة المرتسمة على شفتيه لَمْ تَبدُ عليها أيُّ نيّةٍ للزوال.
طالما أنْ هَذا الإصرار نابعٌ مِن رغبتها في الزواج، فهو مستعدٌ لتقبّل كل شيء.
***
وصل القارب إلى الرصيف. نزل داميتن أولًا، ثم مدّ يده إليّ. أمسكتُ بها وصعدتُ إلى الرصيف.
رغم تمايل القارب، لَمْ أفقد توازني بفضل يده التي أمسكت بي.
نظرتُ مِن حولي نظرةً خاطفة، ثم اقتربتُ منه.
صحيح أنني انجرفتُ مع الموقف قبل قليل، لكن الاستمرار بهَذا الشكل ليس جيدًا. مِن المؤكد أنْ هُناك مَن رأى كيف دفعته.
عليّ أنْ أستعيد زمام المُبادرة الآن. أمسكتُ بيده وعبثتُ بها قليلًا قبل أنْ أهمس.
“هل يُمكنني تقبيلك مرةً أخرى الآن؟”
ثمّ نظرتُ إليّه مِن أسفل بابتسامةٍ ماكرة.
لحُسن الحظ، جاءني صوته بالموافقة.
“بالطبع، روز.”
هَذهِ المرّة، لا ينبغي أنْ أُفلت زمام الأمور. عقدتُ العزم، ونظرتُ إليّه بثبات.
“أغمض عينيكَ مِن فضلك.”
أغمض عينيه. اقتربتُ منه وطبعتُ قبلةً على شفتيه.
ومع إغماض عينيّ، لَمْ أشعر سوى بملمسٍ ناعم، كأنني أُقبّل خوخةً ناضجة.
حين فكّرتُ بذَلك، شعرتُ أنْ الأمر لَمْ يعُد يُربكني.
ثلاث ثوانٍ مرّت بهدوء.
لو سحبتُ نفسي بعجلة، لانكشف توتّري. لحُسن الحظ، لَمْ يُبادر هو بأيِّ حركة إلى أنْ انتهت القبلة.
وما إنْ ابتعدتُ عنه، فتح عينيه.
ابتسمتُ. وابتسم لي بدوره. كانت زوايا عينيهِ قد انحنت قليلاً بلُطف.
“حسنًا، إذن…”
“أختي!”
‘هل علينا أن نبقى معًا حتى أعود؟’ وبينما كنتُ أتساءل، سمعتُ صوت ثيو.
عندما التفتُّ، رأيتُ ثيو وإستيل يقتربان منّا.
يبدو أنهما كانا قد نزلا مِن القارب في وقتٍ سابق وكانا ينتظران قدومنا.
‘آه…’
طالما أنْ داميان قد جاء إلى هُنا، فلا بدّ أنه لا مفرّ مِن لقائهما.
مع ذَلك، كان هُناك شعورٌ مزعج يخدش صدري مِن الداخل.
حين أدرتُ بصري، كان داميان لا يزال ينظر إليّهما وهو يبتسم.
شعرتُ بنظراتهِ تلمع بطريقةٍ غريبة.
ما إنْ نزلنا مِن الرصيف ، حتى وضع ثيو يده على صدره وانحنى.
“تشرفتُ بلقاء يا فخر الإمبراطورية.”
عندها انحنت إستيل أيضًا، ورفعت أطراف فستانها قليلًا.
لَمْ يبدُ على ثيو أنهُ تفاجأ كثيرًا، لكن إستيل كانت عيناها متردّدتين بوضوح، مِما دلّ على ارتباكها.
ومع ذَلك، لَمْ يكُن في تحيتها أيُّ خللٍ أو خطأ.
“الدوق الصغير موور، وهَذهِ التي بجانبه…”
“انها إستيلا، مَن ترعاها عائلتنا.”
تابع ثيو الحديث بلطف، وهو يبتسم بوجهٍ مشرق.
أخذ داميةن ينظر إلى إستيل بابتسامةٍ لا تتجاوز فمه.
ثم، للحظة وجيزة، توقّف بصورةٍ غيرِ طبيعية.
كانت لحظةً قصيرةً للغاية، لدرجة أنْ مَن لا يراقبه بتحفّزٍ لَمْ يكُن ليلحظها.
‘ما الأمر؟…’
لقد مرّ ذَلك بسرعةٍ كبيرة، لذا لَمْ أستطع فهم معناها. وكان داميان قد استعاد هدوءهُ في الحال.
لو رأيتُ ذَلك مُجددًا، لأدركتُ ما يعنيه، لكن داميان كان يُحدّق فيّ مبتسمًا ابتسامة مشرقة.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليغرام》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 8"