عينا ثيو، اللّتان كانتا تبدوان ساذجتَين حتى قبل قليل، أصبحتا حادّتَين فجأة.
“إذًا، لماذا دعاكِ سموّ الأمير؟”
“لِتقديم موعد الزفاف قليلًا.”
أجبتُ بهدوء، فقفز ثيو مِن مكانهِ وكأنّه صُعق. وقد انفتحَت عيناه على وسعهما لدرجة أنْ حِدّة نظراتهِ تبدّدت وعاد إلى ملامحهِ الذهول.
“ما الذي تقولينه؟ هل هو قرار جلالة الإمبراطور؟”
“كلا، لقد قرّرتُ ذَلك مع سموّ وليّ العهد. وقرر كلٌّ منّا إقناع والدَيه على حدة.”
“… لِماذا؟”
سأل ثيو بنبرةٍ تدلّ على أنّه لا يفهم شيئًا حقًا.
“ألَمْ تكوني تتفادينه لأنّكِ لا تعرفين ما الذي يدور في رأسه؟”
كان ثيو يعلم كيف كنتُ أتجنّب الحديث عن الزواج كلّما طُرح، فقد سبق وأخبرتُه هو وإستيل بأنّني لا أعلم ما الذي يفكّر فيه وليّ العهد، وأنَّ اختياره لي يبعثُ في نفسي القلق.
لكن هَذا لا يعني أنّني كنتُ أنوي التهرّب مِن الزواج إلى الأبد.
حتى في ظلّ فقدان ذاكرتي، كنتُ سأقوم بذَلك يومًا ما. ففي الرواية الأصلية، أنا أيضًا تزوّجتُه.
“لكن لا يُمكنني تأجيله إلى الأبد. فأنا خطيبتُه. كما أنَّ الشائعات السخيفة في المجتمع الراقي منتشرةٌ منذ فترة.”
فقد انتشرت الأقاويل حول سوء العلاقة بيننا، بسبب بلوغ كلَينا سنّ الزواج دوّن إقامة حفل الزفاف.
صحيح أنَّ علاقتنا لَمْ تكُن جيّدةً حقًا، لكن إنْ فُسخت الخطوبة، فستكون كارثة.
فهو كان قاسيًا حتى حين كنّا مُجرّد عائلة.
“هل هو مَن أقنعكِ يا أُختي؟”
سأل ثيو بنظرةٍ مُريبة حتى النهاية، إذ بدا أنّه لا يستطيع تصديق تحوّلي المُفاجئ بسهولة.
وكان ردّ فعلهِ طبيعيًا. فقد هزَزتُ رأسي بينما أُحكم لفّ الشال حولي.
“همم؟ لا، أنا مَن اقترحتُ ذَلك. طالما أنّه سيحدُث على أيِّ حال، رأيتُ أنّه مِن الأفضل أنْ أنتهي منهُ سريعًا. وقد خطرت لي هَذهِ الفكرة عندما رأيتُ وجهه.”
رفعتُ يدي وغطّيتُ إحدى وجنتَيّ كما لو كنتُ أشعر بالحرج. كانت تلكَ الوجنة التي لمسّها داميان اليوم.
ومع دفء لمستهِ التي لا تزال عالقةً في وجهي، ظهرت أمامي بوضوح خصلاتُ شعرهِ السوداء المنسدلة وعيناه البنفسجيتان.
“فسموّه وسيم، أليس كذَلك؟”
“هوف…”
ارتجف جسد ثيو وكأنّه شعر بالقشعريرة جرّاء كلامي، وحرّك فمَه كأنّه سيقول شيئًا لكنه تراجع في النهاية وهزّ رأسه.
“… حسنًا، كفى. لا تتحدّثي أكثر. افعلي ما ترينهُ مناسبًا يا أُختي.”
“حسنًا، سأفعل.”
ابتسمتُ لثيو ابتسامةً خفيفة، فلوّح بيدهِ، وكأنّه يريد طردي مِن أمامه ثم وقف مِن مكانه.
وفي طريقه نحو الباب، توقّف فجأةً.
“يا أُختي.”
“نعم؟”
تلاقَت نظراتنا. وكانت ملامحهُ غامضة، وكأنّه هو نفسه لا يستطيع فهم مشاعره.
التعليقات لهذا الفصل " 6"