005
“…نعم، أنا أيضًا فتاة.”
تعمدتُ أنْ أبتسم بخجلٍ، واستحضرتُ ذكرى محرجةً لأجعل وجهي يحمرُّ عمدًا.
حين تذكرتُ كيف تدحرجتُ فوق السلالم وكنتُ ملفوفةً بالسجادة أمام الجميع، اندفعت الحرارة إلى وجهي تلقائيًا.
لَمْ أُخفِ مشاعري، بل خفضتُ بصري، بينما أخذ قلبي ينبضُ بسرعة وبدأ بصري يهتزّ.
كنتُ أتعمد أنْ أبدو ساذجة. فالناس لا يمثلون أمام مَن يستخفّون به.
ولو قال إنهُ وقع في الحب، كنتُ واثقة مِن قدرتي على تمييز صدقه مِن كذبه.
نظرتُ إليّه بصعوبة.
‘تكلّم…’
لو كان حقًا ينوي كبح دوقية موور، لكان عليهِ أنْ يُبعدني بمرسومٍ إمبراطوري ويُسلّمني لعائلة أدنى مِن عائلة الدوق، كما لو أنه يتخلّص مني.
لو فعل ذَلك بعد وفاة والديّ، لكان مِن الأسهل عليهِ كبحي وثيو.
لكن داميان هو مَن اختارني، ولهَذا أصبحتُ زوجته.
وإنْ كان قد اختارني لأنه يحبّني…
“روز.”
ناداني بصوتٍ عذب، ثم نهض واقترب مني.
أظلّتني ظلاله. ارتجف جسدي. فابتعدتُ عنهُ قليلاً إلى الجنب.
كان واقفًا مُقابل الثريا، وبهَذا خيّم الظل على عينيه فأصبحتا داكنتين. راح يتفحص وجهي بعينين سوداويّتين كخصلات شعره.
انعكس وجهي في قزحيتهِ الأرجوانية الداكنة.
“تُرَى، بأيِّ مشاعرٍ ناديتُكِ؟”
رافق صوته المنخفض والناعم والعذب، يدٌ امتدت ولمست خدي بلطف.
كانت لمستُه دافئةً ومُسبّبةً للوخز. لكن المفارقة أنْ قلبي الساخن آنذاك سرعان ما خمد.
كأنَّ قطعة جليدٍ قد مست جبدي فجأة، حتى خشيت أنْ يتوقف قلبي مِن شدّة البرودة.
في عينيه، لَمْ يظهر سواي. رأيتُ نفسي داخل نظراته.
روزالين، تلكَ الفتاة الغافلة الساذجة ذات العيون المُتسعة بدهشة.
انحنى بجسده رويدًا. وحين أغمضتُ عيني، شعرتُ بملمسٍ ناعم على جبيني.
كان ملمسًا ناعمًا ضاغطًا، لكنّه بدا وكأنّه حارق كمكواةٍ تُلامس الجلد.
“…سموّ الأمير.”
رغم أنّهُ لمس جبيني فقط، إلا أنَّ أنفاسي انطلقت مِن تلقاء نفسها. جلس بجانبي مِن جديد بهدوءٍ وأناقة.
يده التي كانت تمسك بخدي تحركت إلى كتفي، ثم غطت يده الأخرى يدي الموضوعة على الأريكة.
ابتسم.
ثم رفع يدي ببطءٍ ووضعها على خده.
كانت يداهُ كبيرتين بأصابعٍ مستقيمة، ورموشهُ الطويلة مغمضةً جزئيًا. دفا اليد، والتنهد الذي بدا وكأنه سيذيبني.
كان شعورًا خانقًا يبعثُ على الاضطراب.
“بأيِّ مشاعر…”
سأبقى إلى جانبكِ.
لَمْ يقلها، لكنني استطعتُ أنْ أفهمها مِن حركة شفتيه.
إنهُ الحُب.
الحُب الذي يحرق كلّ شيءٍ كالنار المُشتعلة.
حبٌ يحوّل المرء إلى فراشةٍ تتهافت نحو اللهب، ثم يُحرق ما حوله أيضًا.
رُبما، حين قتل أخي، كان ذَلك الشعور قد احترق وتحول إلى رمادٍ منذُ زمن.
كلما داعب خدي، تناثر شعره الأسود برقة.
شعرتُ أنني على وشك أنْ أضحك، فحاولتُ الحفاظ على هدوئي.
لقد حالفني الحظ لأنني تمكّنت مِن استخدام الخطة التي وضعتها في العربة.
‘مؤسف، لكنني لَن أقع في حُبّ مجنون، يا سموّ الأمير.’
كبحتُ الضحكة التي كادت أنْ تفلت منّي، ثم فتحت فمي.
لمْ أنسَ أنْ أخفض رأسي قليلًا كي أبدو كفتاةٍ خجولة.
“داميان.”
“روز.”
نادى اسمي وكأنهُ يرد التحية، وقد خالط صوته شيءً مِن التوتر. ثم بدأت يدي التي وضعتها على خده بالهبوط ببطء.
ولما تجاوزت أصابعي خط الفك الصلب ووصلت إلى عنقه، انتابني شعورٌ بأنني أريد أن أمسك بعنقهِ بقوة.
وفي ذات الوقت، أردتُ أنْ أبعده عني.
نبضه كان سريعًا على نحوٍ مزعج، وكان دافئًا كأنني غرستُ يدي في فرنٍ مُشتعل.
إنه مجنون.
مَن تظنّ نفسك؟ كم مرةً التقيتَ بي أصلاً؟
لكنني قررتُ تأجيل ما أودّ قوله الآن. فهو حتى الآن… لَمْ يقتل أحدًا بعد.
ولَن أدعه يقتل أحدًا بعد الآن.
رفعت رأسي بخجل، ثم رفعتُ بصري إليّه.
“ما رأيكَ أنْ نعجّل في موعد زفافنا؟”
“…ماذا تقصدين؟”
ارتسمت تموجاتٌ في عينيه. نظرتُ إلى عينيه المرتجفتين وهمستُ.
“أرغبُ في الزواج مِن داميان الآن، في هَذا الوقت الذي يجتمعُ فيه الكثيرون ليهنئونا.”
الخطة التي وضعتها في العربة كانت بسيطة.
بغض النظر عن سبب مقتل والدي، فإنَّ داميان قتل الإمبراطور ليرتقي العرش.
إنْ كان الأمر كذَلك، فهو على وشك أنْ يعتلي العرش في كل الأحوال، فلماذا إذًا خاطر بخطر التمرّد وعجَّل بمراسم التتويج؟
يُمكن معرفة السبب مِن خلال أول فعلٍ قام بهِ فور تولّيه العرش.
إنهُ زواجه بي، الذي أُقيم بالتزامن مع مراسم التتويج.
كان عليّ الزواج بهِ لاستخدامي كجزءٍ مِن خطّته، لكن إنْ كان ذَلك وسيلةً لمنع المُتغيرات ولمراقبة الوضع مِن جانبه، فلا مفرّ مِن ذَلك.
“في الآونة الأخيرة، كلما رأيتُ ثيو وإستيل، أشعرُ بوحدةٍ مُفاجئة تداهمني.”
وفوق ذَلك، حتى لو فسختُ خِطبتي منه، فَلَن يتقدّم أحدٌ لطلبي بعدها.
حتى وإنْ انطفأت تلكَ المشاعر لاحقًا، فهل سيتحمّل رجلٌ متغطرس مثله تسليم خطيبتهِ السابقة لهم؟
لذا، ما إنْ أنقذ أخويّ، سأنطلق لأبدأ حياةً جديدة في مكانٍ آخر.
حتى أرض الموت لا بأس بها. فبُعد تطهيرها، تعمّها الفوضى، لذا لَن يلاحظ أحدٌ تسلّل وليّة العهد السابقة إليّها خلسة.
“لكن، أليس صحيحًا أنّكِ… تُكنّين لهما مَودّةً كبيرة؟ وتبدو علاقتكِ بتلكَ الفتاة جيدةً أيضًا.”
خفض صوتهُ تلقائيًّا كما فعلتُ أنا أيضًا.
لا بدّ أنهُ يقصد بتلك الفتاة إستيل.
لأنه لَمْ يلتقِ بها قط، فهو يستخدم مثل هَذا التعبير المُحمَّل بالمسافة.
وحين تحدّث عن ثيو وإستيل، عضَّ شفتيهِ قليلًا. شفتاه الحمراوان التفّتا للداخل ثم ظهرتا مِن جديد.
“نعم، علاقتنا مثل الأشقاء قويةٌ بالفعل.”
نحن، أبناء دوقية موور، مشهورون برابطتنا القوية، كما أنَّ إستيل أيضًا تُعامَل وكأنها فردٌ مِن العائلة.
فحتى ثيو، وقد بلغ سنّ الزواج، لَمْ تصله أيُّ خطبةٍ تُذكَر.
“لكن، في النهاية، سأبقى وحيدة. فهما يتشاركان علاقةً تتجاوز حدود الأُخوّة.”
أنزلتُ يدي التي كانت تلامس عنقه نحو صدره، ثم التقت عيناي بعينيه.
“حين رأيتُ ثيو وإستيل، رغبتُ في بناء علاقةٍ جديدة، ثمينةٌ بنفس القدر.”
ثم، بابتسامةٍ هادئة عند طرف شفتي، اتكأتُ عليهِ بلُطف.
“وداميان هو ذَلك الشخص بالنسبة إليّ.”
حين لامست يدي صدره، أحسستُ بنبض قلبهِ بشكلٍ أوضح. كان وكأنني أُمسكُ سمكةً حيّة بيدَيّ.
وشعوري كان بنفس القدر مِن الثقل والضيق.
“أليس كذَلك، داميان؟”
ارتسمت ابتسامةٌ على وجهه، ثم أحاط وجهي بكلتا يديه.
“بالطبع.”
اقترب وجهه ببطء، فأغمضتُ عينيّ. والآن، حتى قلبي بدأ ينبض بتوتّر.
آمل أنْ يُفسّر هَذهِ النبضات على أنّها خفقانٌ بسبب الارتباك.
كنتُ أترقّب عودة تلكَ اللمسة الناعمة، سواء على شفتيّ أو على وجهي.
لكن، حتى بعدما هدأت ضربات قلبي تدريجيًّا، لَمْ تصلني أيُّ لمسةٍ على وجهي. وبدأت حرارةُ وجهي، التي كانت مشتعلة، تنخفض ببطء.
ومع ذَلك، لَمْ تختفِ الظلال التي شعرتُ بها خلف جفنيّ المُغلقين.
“… داميان؟”
وحين فتحتُ عينيّ مُجددًا، كان وجهه أمامي، قريبًا لدرجة أنَّ أنفاسه تكاد تلامسني. لكن شفتيه كانتا مشدودتين على شكل خطٍّ مستقيم.
وعندما رمشتُ ببطء، انحنى شكل عينيهِ كالهلال.
“روز، أطرح هِذا السؤال فقط مِن باب الاحتمال…”
مِن باب الاحتمال؟ عن ماذا؟ يداهُ لا تزالان تُحيطان بوجهي. وشعرتُ بتقلّصٍ في خديّ مِن حرارة لَمْ أعد أرغب فيها.
‘تماسكي.’
لَن يكون قد كشف أمري. وحتى إنْ راوده شعورٌ غريب، فهو لا يعرف كيف علمتُ بخطّتهِ للاغتيال.
ما دام لا يرى يومياتي، لَن يشكّ بي.
كل ما يشعر بهِ الآن لا يتجاوز حدّ الأوهام.
وحين عزمتُ على ذَلك داخليًا، تابع كلامه:
“ألَا تُخفي شيئًا آخرًا في قلبكِ؟”
اتّسعت عيناي بدهشة. شفتيهِ ما تزالان مُبتسمتين، لكن عينيه لَمْ تكُن تضحكان.
وبينما كانت وجوهنا مُتقاربة، بدا واضحًا أنه يُحاول ألاّ يقطّب حاجبيه، وقد شدّ جفنيه منعًا لذَلك.
“أبدًا.”
ابتسمتُ له، ثم وضعتُ يدي، التي كانت على صدره، فوق ظاهر يده.
“أنا أملك دَميان إلى جانبي.”
رغم أنْ الحقيقة أنّه هو مَن سيجلب لي العذاب والمِحن في المستقبل.
هل شعر بالريبة لمُجرد اقتراحي تعجيل موعد الزواج؟
لكن، ولحُسن الحظ، أومأ برأسهِ مطمئنًا.
“إنْ شعرتِ بشيءٍ لاحقًا، أخبريني مِن فضلك.”
***
رغم اقتراحي بتقديم موعد الزواج، لَمْ يكُن بوسعنا تحديد التاريخ بأنفسنا ما دامت عائلتانا على قيد الحياة.
لذا، اتّفقنا على تحديد فترةٍ تقريبيّة، ثم إقناع والدَينا على حدة. وبما أنَّ كلينا تزوّج في سنٍّ متأخّرة، فَلَن يُقابل ذَلك برفضٍ شديد.
وهَكذا، تقرّر أنْ يُقام الزفاف بعد أسبوعين، أو في أقصاها خلال شهر.
إنْ تمّ كل شيء بهَذهِ الصورة، فَلَن يتعرّض والدانا للاغتيال بسبب زواجنا.
وحين عدتُ إلى القصر، شعرتُ بانهيار قواي كلّها.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليغرام》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 5"