لكنّ الناس الذين يعيشون في تلك الأنحاء كانوا أقرب إلى البدو الرحّل منهم إلى لاجئين.
بسبب هجمات الوحوش غير المنتظمة، كان الترحال جزءًا من حياتهم اليومية.
كانوا ذوي قدرة عالية على التكيّف مع الحياة، ومع شعور قويّ بالكبرياء والإرادة، إذ كانوا يعتبرون حياتهم جديرة بالفخر لكونهم الأقرب إلى الإمبراطوريّة السحريّة.
كانوا يشعرون بالإهانة إذا تلقّوا المساعدة، ولهذا كانت المعونات الحكوميّة شبه معدومة. ثمّ إنّ هناك بالفعل قوات نخبة متمركزة عند الحدود.
“يبدو أنّ أرض الموت ليست على ما يرام……؟”
عند سؤالي المباشر، أظلمت ملامح وجهه فجأة، وأومأ داميان برأسه.
“خلال الأسبوع الماضي وحده، أُبيدت ثلاث قرى.”
“ماذا؟”
هل يُعقل ذلك؟ جلس داميان باستقامة، ثمّ ناولني ورقة كانت موضوعة على الطاولة.
كانت إفادة مكتوبة بخط أبي، لكن محتواها لم يكن ممّا قاله أبي.
“يُقال إنّ اللورد موور التقى اللاجئين بنفسه البارحة. وعلى لسانهم، بدا أنّ سلوك الوحوش لم يعُد كما كان من قبل.”
“وكيف ذلك؟”
“إن كانوا في السابق أقرب إلى الوحوش الضارية…… فالآن يُقال إنّهم أقرب إلى جيش منظَّم.”
‘هذا غير معقول.’
في الرواية وُصفوا على أنّهم وحوش بلا عقل، خطيرة ولكن بلا ذكاء ولا يعرفون شيئًا عن القتال الجماعي. ولهذا تمكّنت إستيل وثيو من التوغّل حتى المركز.
بالطبع، لم أعُد أستطيع أن أثق تمامًا بما جاء في الرواية…… لكن إن كان ما يحدث الآن شبيهًا بما ورد هناك، أفلم يكُن من الممكن أن يظهر ذلك في المذكرات أيضًا؟
إن بقي الحال كذلك، فلن يكون مؤكّدًا حتى أنّ إستيل ستستطيع تطهير أرض الموت. أخذ قلبي ينبض بسرعة أكبر.
“لكن لماذا لم يصدر أي تقرير من الوحدات العسكرية؟ أليس هذا حدثًا جللًا؟”
ابتسم داميان بمرارة ردًّا على سؤالي.
“كل التقارير الخاصة بالمناطق الحدودية تذهب مباشرة إلى جلالته.
أما أنا، فلا أعرف شيئًا. جلالته لا يخبرني.”
“لماذا……؟”
أهو ابنه الوحيد، ووريثه المباشر، ومع ذلك يقطع عنه كل المعلومات؟
بل إنّه راشد بالفعل؟
تمتمتُ بدهشة، فرفع كتفيه بلا مبالاة.
“وأنا أيضًا أود أن أعرف السبب.”
ثمّ لزم داميان الصمت. بدا واضحًا أنّه لن يجيبني أكثر مهما سألت، فالتزمتُ الصمت بدوري.
‘بهذا الشكل، ألن يكون من الأفضل لو أنّ داميان هو الذي يتولّى العرش؟’
ازدادت أفكاري تشابكًا.
—
كان داميان يراقب روزالين بانتباه. شعرها الذهبي الأملس وقد تخلّله بعض الفوضى، وفستانها المكسوّ بالتجعّدات.
خصلات ذهبية لامعة، وعينان حمراوان متألقتان.
حاجبان معقودان قليلًا، وشفاه تتحرّك أحيانًا ببطء، كلّها علامات على أنّها غارقة في التفكير.
لم يستطع أيّ من خدَم القصر أن يُجيب عن سؤال أين ذهبت اليوم. لو أنّها كانت قد ذهبت إلى متجر حلويات فحسب، لأخبروه بذلك بلا شك.
أيمكن أن تكون قد قابلت شخصًا آخر؟
لكن، بحسب علمه، لم تكن لها أيّة صديقات مقرّبات.
‘على أيّة حال، غايتها كانت الدوق…………
قرّر أن يثق بروزالين. إن لم تكُن في متجر الحلويات، فلن يكون لديها مكان آخر لتذهب إليه.
ما أزعجه حقًا هو فكرة أنّها ربّما منحت ابتسامة لشخص آخر، وأنّ حشرة غبيّة قد تُفتن بها، كما حدث في الصالون مع ذلك الرجل.
ألم يكن من المفترض ألّا يكونا بمفردهما في ذلك الحين؟ لكن الغريب أنّ داميان لم يستطع أن يتذكّر ملامح ذلك قارئ العواطف، ولا حتّى اسمه.
أن يغار من شخص لا قيمة له، وعلى أمر لم يثبت أصلًا أنّه حدث، فذلك تصرّف مُهين.
فأزاح داميان عنه كل شعور مُزعج.
خصوصًا أنّ لديه الآن قضيّة أكثر خطورة يفكّر بها.
<يقولون إنّ الوحوش بدأت تشكّل جيشًا.>
هذا ما قاله الدوق بوضوح، وهو سبب ظهور اللاجئين.
وكانت الكونتيسة قد ذكرت أمرًا مشابهًا.
<أستطيع أن أعرّفك بتجّار كبار، لكن…… في الآونة الأخيرة اختفى أو أفلس عدد متزايد من صائدي الكنوز. كما أنّ عدد القطع الأثريّة المتداولة تراجع بشدّة، وربّما لن تتمكّن من الحصول على المعلومات التي تريدها.>
أظلمت عينا داميان.
إن كان السبب هو تحوّل الوحوش إلى جيش منظَّم، فإنّ كلّ شيء سيكون منطقيًّا.
لقد أكّد بنفسه مرارًا أنّ الوحوش ليست لديهم أدنى درجات العقل.
أثناء خدمته في قوات النخبة، واجههم وقاتلهم مرّات عديدة، لكن لم يبدُ عليهم أنّهم يعرفون شيئًا عن القتال الجماعي.
ولهذا استطاعوا حماية الحدود. لكن إن صار للوحوش نظامٌ عسكري، فذلك لا يقلّ عن كارثة.
‘تطوّر؟ أم ظهر لهم قائد؟’
في كلتا الحالتين، لم يكن ذلك خبرًا سارًّا.
الإمبراطوريّة السحرية التي أُبيدت قد بدأت تهتزّ محاولة العودة. كان أمرًا مروّعًا.
—
غادر داميان بعد أن أوصاني أن أخبره مسبقًا أين أذهب لاحقًا. بدا وكأنّ غايته لم تكُن أنا بقدر ما كانت مناقشة الدوق حول حفلة الرقص الخيري.
‘أهذا يعني أنّه لا يحبّ روزالين إلى ذلك الحد؟’
هل كانت نظرته في ذلك اليوم مجرّد خداع؟ هل أوقعتُ نفسي في فخ؟ أم أنّه من أولئك الذين يتجاهلون ما ملكوه؟
لو أنّ هذا الأخير صحيح، فسيكون أمرًا مُهينًا حقًا. قبضتُ على رأسي بألم.
“آه، صداع.”
وبينما أنا في غمرة التفكير، كان يوم الزفاف يقترب باطّراد.
ثمّ حلّ ذلك اليوم أخيرًا. منذ الفجر، ركبتُ العربة برفقة بعض الخادمات وانطلقنا نحو القصر الإمبراطوري.
لقد كان حفلًا ضخمًا بقدر ما أُعدّ له من فساتين، عشرات الفساتين المختلفة.
وأُقيمت مراسم الزواج مرّتين.
أولًا، داخل القصر الإمبراطوري بحضور عدد محدود من الأشخاص، أقسمتُ أمام التابستري المركزي.
“أنا، روزالين لايرس، أتعهد بأن أعيش كعضو في العائلة الإمبراطورية، بخدمة شعب الإمبراطورية، والسعي لتحقيق آمالها، وفقًا لمبادئ التأسيس.”
كان التابستري الأرجواني المطرَّز بخيوط ذهبية يُظهر مآثر الإمبراطور المؤسّس.
ذلك الحاكم العظيم الذي، حين اجتاح الموت البلاد، قاد الناس نحو الغرب وأسّس الدولة.
تعهدنا بالسير على خطاه، لحماية شعب الإمبراطوريّة، والعيش من أجل هذه الأرض، ثمّ نلنا البركة.
أثناء نيل البركة، ارتديتُ أنا وداميان طرحة زفاف بيضاء طويلة.
لم تكُن هناك نوافذ في ذلك المكان السرّي، ومع ذلك بدا وكأنّ ضوء شمس بيضاء ينهمر علينا.
لون شعر داميان بقي أسود قاتمًا رغم الطرحة.
بعد ذلك، خرجنا إلى الساحة الكبرى أمام القصر، والتي تُفتح فقط في المناسبات الخاصّة، حيث أُقيم الزواج العلني.
كان من المفترض أن يحضر عامّة الشعب، لكن نظرًا لضيق المساحة وكثرة نقاط التفتيش، لم يحضر سوى النبلاء.
خشيتُ أن يتعرّف عليّ أحد ممّن رآني سابقًا في الصالون، لكن داميان طمأنني.
<الكونتيسة لا تستطيع حضور الحفل لأسباب علنيّة، أما الآخرون فلن يقتربوا منّا بما يكفي ليتعرّفوا علينا.>
صحيح. فطالما أنّ السلطة الإمبراطورية ليست بالقويّة، فإنّ من حضروا لم يكونوا سوى النبلاء الموالين للإمبراطور.
وأقرب المقاعد كانت مخصّصة للنبلاء الكبار، ولم يكن بوسعهم رؤية أكثر من لون شعرنا.
فاطمأننتُ وأمسكتُ بيده أمام أعين الجميع، وتلقّينا التهاني، وتبادلنا القُبلة.
عزفت الفرقة العسكرية ألحانًا فخمة، وشاهدنا الناس ونحن نتقدّم نحو وسط الساحة حيث انتظرنا العربة المكشوفة.
ابتسمتُ ولوّحتُ لهم بيدي.
دارت العربة دورة واحدة حول النافورة المركزية، ثمّ عادت بنا إلى القصر الإمبراطوري.
—
دخل النبلاء الموالون للإمبراطور خلفنا إلى القصر.
بينما اتّجهوا مباشرة إلى قاعة الوليمة، ذهبتُ أنا وداميان إلى الغرف المخصّصة لنا.
هناك بدّلنا ملابسنا وتهيّأنا، ثمّ التقينا مجدّدًا عند الباب.
أمسك داميان بيدي بحذر.
شعره الأسود الذي كان عادةً يتدلّى على جبينه، جُمعت خصلاته للخلف هذه المرّة.
‘ليس سيئًا على هذا الشكل أيضًا.’
ومع هذا الخاطر العابر، فُتح الباب الهائل، العالي ثلاثة أضعاف قامتي تقريبًا، وأضواء الثريّات الفخمة أبهرت عيني.
“يدخل الآن صاحب السمو ولي العهد داميان، وصاحبة السمو الأميرة روزالين!”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات