الفصل 17 :
“خبيرٌ صادفناه بالصدفة؟”
“ولِمَ ناداكِ بـ ‘زوجة البارون’؟ ومَن هو بارون ويجيس أصلًا؟”
قالت إستيل ذلك وهي تفتح عينيها على اتّساعهما.
“…لا تقولي إنّكِ في الحقيقة متزوّجة؟”
“ماذا؟! بالطبع لا!”
صُدمتُ من كلماتها التي لم تخطر ببالي قطّ.
“لو كنتُ كذلك، لما كنتُ أعيش في قصر الدوق أصلًا.”
عندها حرّكت إستيل شفتيها كأنّها كانت على وشك قول شيء، لكنها بدت حائرة ولم تعرف من أين تبدأ.
قُدتُ إستيل نحو العربة، وصعدنا واحدةً تلو الأخرى بمساعدة السائق.
أُغلِق الباب، وأسدلنا الستائر السميكة، وعندها فقط شعرتُ أنّني أستطيع التنفّس من جديد.
حينها بدأتُ بالشرح.
“بارون ويجيس شخصيةٌ اختلقتها أنا.”
“اختلقتها؟”
“نعم.”
كنتُ أستطيع أن أخبرها أنّها من تدبير داميان، لكن لم أرغب في عرقلة ما يفعله، لذا آثرتُ السكوت عن الحقيقة. خلعتُ الرداء وطويته بعناية ووضعته إلى جانبي. رمشت إستيل بعينيها بدهشة.
“ولِمَ اخترتِ تحديدًا لقب ‘بارون’؟”
“ذهبتُ إلى صالون الكونتيسة لورين، ولقب ابنة الدوق يُثير الكثير من الانتباه.”
ظننتُ أنَّ هذه التفاصيل آمنة للمشاركة. فهي تعرف كلّ شيء، وحتى لو سألت فلن تُفشي السرّ.
“مكانة البارون تمنحني الحرية في التحرّك دون الكثير من القيود.”
اتّسعت عينا إستيل مجدّدًا.
“إذًا، ذلك الخبير الذي رأيناه قبل قليل، التقيتِ به هناك أيضًا؟”
“بالضبط. بدا شخصًا ممتعًا، فتبادلنا التحية لا أكثر.”
هزّت إستيل رأسها موافقة.
“لا عجب أنَّ نظرته كانت حادّةً جدًّا. إن كان يرتاد الصالونات، فلا بدّ أنّه خبيرٌ متمكّن.”
نظرات ميخائيل حادّة؟ همم، ربما كان يملك حدسًا جيّدًا، لكن لا أظنّ أنّه إلى هذا الحدّ… ورغم شكّي، أومأتُ برأسي موافقة.
ربّما لأنّها القديسة، فهي قادرةٌ على تمييز قدرات الآخرين.
“نعم، حتّى الكونتيسة كانت توكله بمهامٍ خاصة، لذا لا شكّ أنّه خبيرٌ حقيقي.”
“كيف يعمل خبيرًا أصلًا؟ دائمًا ما أندهش من هؤلاء، فأنا لا أمتلك قدرة على الملاحظة إطلاقًا.”
“صحيح، أنتِ فعلًا لا تملكينها. أتذكّرين عندما حلق ثيو نصف حاجبه أثناء مزحة ولم تلاحظي شيئًا؟”
“آي، لِمَ تُعيدين تلك القصة الآن!”
انتفخت خدود إستيل غيظًا. رغم كلّ شيء، بدت كطفلةٍ أكثر من كونها شابّةً بالغة. مددتُ يدي وضغطتُ بلطف على خدّها وأنا أضحك.
“أنتِ تشبهين السمكة تمامًا الآن، تعلمين ذلك؟”
“أنتِ فظيعة… ولا تملكين أيَّ حسٍّ بالموقف! قلبي يؤلمني فعلًا من القلق عليكِ.”
تمتمتْ إستيل بضيق.
“ذلك الشخص قبل قليل، أظنّه مهتمّ بكِ أكثر من اللازم. ربما يجدر بكِ أن تجدي من يلعب دور زوجك.”
“ماذا؟”
“أنتِ من النبلاء، لذا ربما يحاول التقرب منكِ رغم أنّكِ متزوّجة… على الأقل ظاهريًا.”
بدت وكأنَّ فكرةً ما خطرت لها فجأة، وضمّت يديها معًا بحماس.
“ما رأيك أن تطلبي من وليّ العهد أن يلعب دور البارون؟ هكذا سيفهم الجميع أنّكِ مرتبطة!”
وضعتُ كفّي على جبيني وأنا أتنهد. يبدو أنَّ إستيل لا تتصرّف كالقدّيسة، بل كامرأةٍ تعيش في رواية حبّ، وقد انجرفت كثيرًا خلف قصّة داميان ومحبوبته الأولى، لذا صارت تفرط في الحذر من ميخائيل.
أما الشخص الغامض الحقيقي، فهو ليس ميخائيل الذي لم يُذكر في الرواية، بل داميان نفسه.
“مَن يقلق على مَن هنا؟!”
“أنتِ بالتأكيد.”
“حسنًا، أنا سعيدة لأنَّ لديّ أختًا صغيرة تهتمّ لأمري.”
وبينما كنّا نمرح ونثرثر، توقّفت العربة أمام القصر.
رأيتُ ثيو يقترب منّا برفقة بعض الخدم والحرس.
“إستيل!”
ناداها ثيو بصوتٍ تغمره السعادة. فابتسمت له وقالت:
“مرّ وقت طويل، ثيو.”
“ليس طويلًا جدًّا.”
أسبوع وثلاثة أيّام، على ما أظن. وحين أضفتُ ذلك، تمتم ثيو بضيق:
“أنتِ دائمًا تقولين ذلك. رغم أنّكِ كنتِ تتوقين لرؤيتي.”
“عليَّ أن أمازحك ما دمتُ أستطيع.”
“كأنّكِ تقولين إنَّ اليوم الذي لا أعود فيه سيأتي.”
تمتمتْ إستيل بتلك الكلمات. ضحكتُ بخفة وسلّمتُ الرداء إلى الخادمة الواقفَة إلى جانبي.
“أحضّري الشاي إلى غرفة الاستقبال.”
ولم أنسَ أن أطلب منها تحضير بعض الحلويات أيضًا. عندها رفعتْ إستيل يدها بتردّد وقالت:
“هل يمكنني مرافقتها واختيار الشاي بنفسي؟”
“لماذا؟”
“لأنّني جرّبتُ نوعًا أعجبني كثيرًا في المقهى، وأريد أن أبحث عنه. كما أنّني أرغب في تعلّم كيفية إعداد الشاي.”
حرّكتْ أصابعها بخجل وهي تتحدّث. فأومأتُ برأسي موافقة.
“بالطبع، اذهبي معها.”
ذهبت إستيل مع الخادمة إلى المطبخ.
وبينما كنتُ أمشي ببطء نحو غرفة الاستقبال، سألني ثيو:
“بالمناسبة، ما الأمر؟ ألم تقولي دائمًا إنَّ وجود إستيل هنا يُعدّ خطرًا؟”
“ألم تكن تتلوّى شوقًا للقائها؟”
“هذا… صحيح، لكن، لم يكن هذا السبب في إحضارها.”
أومأتُ برأسي.
“لن أراها كثيرًا بعد الزواج. أردتُ أن أقدّم لها فستانًا كهديّة، بيدي.”
فتح الخادم باب غرفة الاستقبال. كانت الغرفة محاطة بنوافذ زجاجية كبيرة، يملؤها دفء الشمس ونسمات الهواء العليلة، مع عبير الزهور المنعش.
“صادف أنَّ دوق ليتي يُقيم حفلةً خيرية، لذا فهي فرصةٌ مناسبة.”
رمقني ثيو بنظرةٍ متشكّكة.
“أختي، أنتِ متأكّدة بأنّكِ تريدين هذا الزواج حقًّا؟”
“ولِمَ لا أكون كذلك؟”
اتكأتُ على ظهر الكرسي. راودني شعورٌ بالراحة حين ساندتني الوسادة الطريّة.
‘والآن… كيف أبدأ؟’
يجب أن أتخلّص من ثيو أولًا، ولو بعد قليل. نظرتُ إلى الساعة المعلّقة في غرفة الاستقبال.
“أليس لديك تدريبٌ اليوم؟”
“يجب أن أذهب… آه…”
ارتسمتْ على وجه ثيو ملامح استياء. فالتقطتُ الفرصة سريعًا وسألته:
“الساعة كم؟”
“أشعر أنّكِ تحاولين طردي، أو أنّني أتوهّم؟”
“لا، فقط أجبني، كم الساعة؟”
“ما زال لديّ وقتٌ لشرب الشاي.”
حسنًا، هذا يكفيني. لو عرفتُ فقط وقت التدريب فهذا جيّد.
وفي تلك اللحظة، عادت إستيل برفقة الخادمة وهي تدفع عربة الشاي.
وكانت الحلويات الحلوة مع شاي اللافندر الهادئ مزيجًا مثاليًّا تمامًا كما قال صاحب المتجر.
بينما كنّا نتحادث عن التحضيرات التي قامت بها إستيل لحفل الزفاف، مرّ الوقت سريعًا.
“سيدي، حان وقت تدريبك.”
لا أعلم كم من الوقت مضى، لكن أحد الفرسان جاء إلى غرفة الاستقبال لينادي على ثيو. فنهض وهو يقطّب حاجبيه.
“سأذهب الآن…”
“إن كان الأمر مزعجًا لهذه الدرجة، لِمَ لا تُغيّب نفسك عن التدريب اليوم فقط؟”
قلتُها دون نيّةٍ حقيقية، لكن ثيو هزّ رأسه نافيًا.
“إن تغيّبتُ ليومٍ واحد فقط، يصير جسدي متصلّبًا، وهذا سيّئ.”
إذن، لمَ كلّ هذا التذمّر؟ رمقتُه بنظرةٍ مائلة، وفجأة نهضت إستيل من مكانها ووقفت إلى جانب ثيو.
“سأذهب معك.”
واحمرّ وجه ثيو على الفور.
“لا يوجد ما يستحقّ المشاهدة…”
“ثيو معه حق. ما رأيكِ أن تُرافقينه فقط ثمّ تصعدين إلى غرفتي؟ أريد أن أُكمل حديثنا.”
نظر ثيو إليّ بطرف عينه، لكنّني لم ألتفت له. وأومأت إستيل برأسها.
“حسنًا.”
غادرتُ غرفة الاستقبال معهما، ثم دخلتُ غرفتي. بعدها استدعيتُ الخادمات وطلبتُ منهن تنظيف غرفة الملابس وإخراج الفستان الذي أنوي تقديمه كهدية.
كانت التجهيزات كافية. نظرتُ في أرجاء غرفة الملابس، ثمّ صرفتُ الخادمات.
“إذا عاد والدي، أخبرنني فورًا، وخلال العشاء، أرجو أن تكونن على استعداد للحضور متى ناديت.”
انحنَت الخادمات برؤوسهن إشارة إلى الفهم.
وما إن خرجن، حتى عمّ الهدوء مجددًا.
جلستُ على المكتب وبدأتُ أنقر بأظافري على سطحه، ثم أخرجتُ دفتر اليوميات من الدرج.
“ندبة إستيل…”
إن لم تكن الندبة حقيقية، فلا بأس بتجاهلها. لكن إن كانت كذلك، فلا بدّ من التحقيق في الأمر بعمق.
عادت صورة ميخائيل الغبي اللطيف إلى ذهني.
شارلوت تعمل تحت إمرة داميان بالفعل، لذا إن أردتُ أن أسأل أحدًا، فهو الأنسب.
‘شارلوت من قدّمتْه لداميان، لذا لا بدّ أنّه خبيرٌ فعلاً.’
وأكثر ما يُريحني، أنّه لم يُذكر لا في الرواية الأصلية ولا في اليوميات. كونه خبير مشاعر ومن عامّة الشعب يعني أنّه لن يحصل على دور مهم في القصّة لاحقًا.
بينما كنتُ أفكّر، طرق أحدهم الباب. وقفتُ وفتحته.
كانت إستيل تلهث وكأنّها ركضت، وخدّاها محمرّان، وعيناها تتلألآن.
“لم تنتظري طويلًا، صحيح؟”
“لا بأس. أنتِ بخير، صحيح؟”
“نعم، بفضل زياراتكِ المتكرّرة والاطمئنان عليّ، انتهيتُ تقريبًا من ترتيب الأغراض.”
قالت ذلك وهي تبتسم.
البيت الذي تعيش فيه إستيل حاليًّا يقع في حيّ سكني بسيط، وهو منزل وفّرناه لها أنا وثيو حين أصبحت راشدة وغادرت دار الأيتام.
“ماذا سيحدث لذلك المنزل الآن؟”
“لا أعلم تمامًا، لكن سمعتُ أنّه قد يُهدم ليُبنى مكانه حديقة.”
“حقًا؟ هذا مؤسف.”
رغم ما قلتُه، فإنَّ وجود حديقةٍ هناك سيكون جميلًا. فالمكان فعلاً ثمينٌ لاستخدامه للسكن فقط.
أخذتْ إستيل تسترسل في الحديث، فانجرفتُ معها أستمع إلى أحاديثها الجانبيّة.
وبينما نحن كذلك، سُمِع بعض الضجيج من الخارج، ثمّ طرق أحدهم الباب.
“آنستي، السيّد على وشك العودة.”
كانت إحدى الخادمات اللواتي خرجن سابقًا. نهضتُ فجأة متظاهرةً بالصدمة.
“هل مضى الوقت بهذه السرعة؟”
عقدتُ حاجبيّ وكأنّني في مأزق، فتلبّكتْ إستيل وسألت:
“ما الأمر؟”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 17"